كريم سعيد ومصرف حاكم... لبنان!؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كريم سعيد ومصرف حاكم... لبنان!؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 11:47 صباحاً

مع تقديرنا لجهود وحوكمة واخلاص ومثالية رئيس الوزراء نوّاف سلام أميل إلى الاعتقاد -انطلاقاً من المثل القائل: الضرورات تبيح المحظورات- أنه كان من المُستحسَن عدم طرح الرئيس سلام إيجاد مقر خاص لمجلس الوزراء (لأن هناك قضايا أكثر أهمية) ولا حتى التصويت لاختيار كريم سعيد حاكماً للمصرف المركزي طالما أنه يحظى بتأييد رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء والأهم لأنه لا مفر لسعيد إلا أن يمتثل لما جاء في خطاب الرئيس عون فيما يتعلّق بالحفاظ على ودائع الناس والتقيُّد ببرنامج الحكومة فيما خص إصلاح الوضع المصرفي والمالي، وهذا ما أكّده سعيد في حفل التسلُّم والتسليم في مصرف لبنان. حين نقول أن الضرورات تبيح المحظورات... فالمحظور هنا هو فك التلاحم مع رئيس الجمهورية لأن الأوضاع السائدة تتطلب حضوره المعنوي والشخصي ولقد استبشر الناس باختيار نواف سلام رئيساً للحكومة آملين أن يستمر هذا الثنائي: عون- سلام طوال السنوات المقبلة.

 

في قول لفيكتور هيغو: "لا شيء أقوى من فكرة قد حان وقتها، فالإستجابة لحركة الزمان وحدها تصنع التغيير". والثابت أنه حان اليوم قبل الغد، في عهد الرئيسين عون وسلام صنع التغيير على كافة المستويات كي ينعم اللبنانيون بحدٍّ أدنى من العيش الكريم! صحيح أن الإصلاح هو مطلب الرئيسين عون وسلام، لكن الصحيح أيضاً أن المطالبة بالإصلاح من فوق لا تشفي الغليل إذا لم يواكبها مطالبة بالإصلاح من تحت "من خلال مثابرة الناس (هل نقول الجماهير؟)"  على شحذ الهِمم وتزخيم التحرك السياسي السلمي للوصول إلى الهدف المنشود. 

 

ومع أن أحداً لا يشكِّك في نوايا الرئيسين عون وسلام وحرصهما على الإصلاح لكن من الضروري أن يواكب ذلك حرص علنيّ ومكشوف ودائماً من الناس (نقابات، جامعات، أحزاب، مراكز دراسات.. إلخ) وحتى من أفراد لإبقاء العين ساهرة على موجبات الإصلاح الذي ينادي به العهد في حال واجه بعض التلكُّؤ أو الإعوجاج.

 

الثابت أنّ الإصلاح أضحى مطلباً دولياً لا مفرّ منه، والآمال معقودة أن لا تتعثر مسيرة الإصلاح كتعثر أولى حكومات الرئيس فرنجية برئاسة الرئيس صائب سلام (1970) والتي رفعت شعار الإصلاح وأُطلِقَ عليها ما يُسمّى بحكومة "الشباب" لصغر أعمار الوزراء. يومها لم يستطع معظم وزرائها التكيّف مع نهج الرئيسين فرنجية وسلام. وهكذا استقال كل من غسان تويني واميل بيطار ثم أقيل هنري إده، أما حسن مشرفية فكان طائراً في غير سربه. استقالت الحكومة الأولى، ثم خلفتها حكومة يستطيع أعضاؤها التعايش مع النهج الذي كان قائماً.

 

كيف لا، ومن أعضائها على سبيل المثال لا الحصر، كاظم الخليل، جوزف سكاف، صبري حماده والمير مجيد ارسلان؟! يومها وصل الإصلاح والتغيير إلى حائط مسدود حين ألغت حكومة سلام مرسوم 1943 الذي تقدّم به وزير الاقتصاد الياس سابا، القاضي يومها بزيادة الرسوم الجمركية على الكماليّات... وذلك بضغط واضح من جمعية تجار بيروت، كما ذكر لي سابقاً الياس سابا. والسؤال هو هل يتعثّر الإصلاح اليوم بضغط من جمعية المصارف؟!! والسؤال المحيّر: ما سر مناعة أركان النظام اللبناني ضد أي توجُّه إصلاحي والمناعة من المحاسبة والمساءلة؟! مع الإشارة إلى أن الفساد كان شبه معدوم زمن الإنتداب الفرنسي (!!) وإن طلائعه ويا للمفارقة بانت في الأيام الأولى للعهد الإستقلالي؟ متى نشهد ما شهدته فرنسا مؤخراً حين أدانت محكمة الجنح في باريس زعيمة اليمين المتطرّف ماري لوبان باختلاس اموال عامة وحُكِمَ عليها بالسجن اربع سنوات اثنتان تحت المراقبة بسوار الكتروني! هل يُعقَل أن يشهد التاريخ السياسي اللبناني محاكمة فقط وزير واحد هو شاهي بارصوميان (آذار، 1999) بتهمة اختلاس المال العام من خلال بيع الرواسب النفطية؟ إضافة إلى توقُّع إحالة وزير الاقتصاد السابق أمين سلام إلى القضاء نتيجة "مآثره" اثناء تولّيه وزارة الاقتصاد؟!

 

في الماضي البعيد، منذ ما يقارب الستين عاماً شهدنا أزمة مالية مصرفية مماثلة إلى حدٍّ ما، لأزمتنا المصرفيّة الحالية، لكن السلطات المعنيَّة آنذاك أخذت ما يكفي من الإجراءات للحدّ من تداعياتها السلبيّة على عكس ما حصل عندنا. يومها، كان هناك رجال حكمٍ لا يكترثون لمصالحهم الشخصيَّة والفئوية. باختصار في 15 حزيران 1966، توقف بنك أنترا عن دفع اموال المودعين. عزا يوسف بيدس رئيس انترا ذلك لعدة أسباب لا ضرورة لذكرها منعاً للإطالة، لكن بعد شهر واحد اي في تموز 1966 وافق مجلس النواب على مشروع قانون لضمان الودائع خصوصاً الصغيرة منها.

 

بُعيد أزمة بنك انترا والذي كان يسيطر على 50% من الودائع آنذاك، تم تعويض صغار المودعين بالكامل وتمّت الموافقة على اصلاحات كإنشاء برنامج تأمين على الودائع بهدف حماية المودعين في المستقبل وإنشاء لجنة الرقابة على المصارف والهيئة المصرفية العليا في المصرف المركزي للإشراف على سير العمل في المصارف اللبنانية. والفرق بين الأمس واليوم فرق بين الثَّرى والثريَّا، اليوم المصارف حجزت أموال المودعين حتى الصغار منهم، وبقِيَ النَّاهبون بمنأى عن أيّة ملاحقة قضائية. وللتذكير فإن موجودات بنك انترا تحوّلت إلى ما يُسمّى بشركة انترا للاستثمار والتي تأسست عام 1970 ولو تم استثمار الموجودات منذ ذلك الحين بالطرق السليمة لكانت الموجودات تُقدَّر ب 100 مليار دولار، لكن منذ تولِّي روجية تمرز رئاسة الشركة عام 1982 في عهد امين الجميل ولحينه غابت الإدارة الرشيدة عن الشركة. يُذكَر أن القضاء اللبناني في تسعينات القرن الماضي اتهم روجيه تمرز باختلاس 200 مليون دولار واتهمته المحاكم المصرفية بالاحتيال المصرفي وخيانة الأمانة. ابتداءً من تسعينات القرن الماضي تولَّى المرجع النيابي تعيين "ممثّليه" على رئاسة إنترا. ونقطة على السطر!!

حاكم مصرف لبنان كريم سعيد والرئيس جوزف عون (موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية).

حاكم مصرف لبنان كريم سعيد والرئيس جوزف عون (موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية).

 

لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يُطبَّق الإصلاح المالي والمصرفي دون تقييم ومراجعة ومحاسبة شاملة لما حدث أقلُّه من سنوات عشر ومعرفة كيف استفاد لا بل استغل الكارتيل المصرفي -بشراكة رياض سلامة وبتواطُؤ مع المنظومة السياسية- الأوضاع من أجل تراكم ثرواتهم وحساباتهم المصرفية خارج لبنان. والأهم من ذلك دون محاسبة من أوصل البلاد إلى ما وصلنا إليه فالإصلاح لا يستقيم أن لم يُحاسب الفاسد على ما فعل. وهنا سؤال المليون دولار لماذا لحينه وقد مضى على تأليف الحكومة أكثر من ثلاثة أشهر لم يتّخذ مجلس الوزراء قراراً بتكليف شركة متخصصة للتدقيق بحاسابات عدد من الوزراء كالطاقة، المواصلات، المالية، والأهم من ذلك المصرف المركزي!! 

 

أصمّ رئيس البرلمان نبيه برّي آذاننا وهو يردّد قوله عن قدسيّة الودائع. ولو كان جادّاً لاعترض على سياسة الدّعم والتي أدّت إلى هدر عشرين مليار دولار من ودائع الناس. ويا ليته أحتذى حذو زميله رئيس البرلمان اليوناني منذ خمس سنوات. الكلام لوسيم منصوري حاكم مصرف لبنان بالإنابة "كان يوم خميس حين بدأت طلائع الأزمة في اليونان. انعقد مجلس النواب وفي اليوم نفسه اقرّ قانون "الكابيتال كونترول". الاثنين عاودت المصارف عملها كالمعتاد". لم يحذو "النّبيه" حذو نظيره اليوناني ولو فعل لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. أيضاً وأيضاً لماذا رؤساء الحكومة السابقين تغاضوا النّظر عن استمرار تمويل الدولة من ودائع الناس مع علمهم بالمخاطر الجسيمة لذلك؟

 

المليارات سُرقت، ثروات البلاد نُهبت على مدى السنوات الغابرة.. على يد منظومة فاسدة لم تأبه إلا لمصالحها.... ويا ليت اللصوص تعاطفوا مع العباد كما فعل لصوص ثورة 1936 في سوريا. في كتابه "تاريخ يتكلم (مطابع ابن زيدون، دمشق 1960)"، يروي السياسي فخري البارودي -أحد أركان الكتلة الوطنية آنذاك- أنه أثناء إضراب 1936 التي شهدته المدن السورية ضد الإنتداب الفرنسي أنّ ما سمُّوا بالخارجين عن القانون أرسلوا ممثلاً له يُدعى "شيخ الحرامية" وهو لصٌّ قديم قابله و تعهّد له أن المحلات لو فُتحت وتُركت سائبة خلال الاضراب فلم يتم سرقتها وإن من يسميهم الفرنسيون لصوصاً سيحمونها ! ويا ليت لصوص اليوم عندنا يتشبَّهوا بلصوص سوريا عام 1936 ويتوقَّفوا عن نهب المال العالم وثروات البلاد، علماً أن ودائع الناس لم تكن سائبة ولم تكن معروضة في المحلات وعلى الطرقات بل كانت محفوظة في المصارف!!!

 

لقاءات، أحداث سابقة، وصور تبقى راسخة في ذهني مهما طال الزمن. كان من المعتاد أن يتصفّح المرء الصفحة الأولى لِـ "النهار" وبعدها يُسرع إلى الصفحة الأخيرة للإطّلاع على كاريكاتور بيار صادق. كان الكاريكاتور خلاصة أفكار لمجموعة من صحافيّي "النهار" وعلى رأسهم الراحل الكبير غسان التويني. أذكر أنه في عام 1968 وعلى أثر تعيين الياس سركيس حاكماً لمصرف لبنان بعدما شغِلَ منصب مدير عام في القصر الجمهوري، نشرت "النهار" كاريكاتور لبيار صادق يصوِّر فيها الياس سركيس على درج مصرف لبنان وخلفه لافتة كُتِبَ عليها مصرف حاكم لبنان في إشارة إلى الدور المؤثر آنذاك لالياس سركيس. في عودة إلى كريم سعيد فإضافة إلى سجلّه المهني المميّز في القطاع المالي والمصرفي فهو سليل عائلة حذت حذو الراحل الكبير الرئيس فؤاد شهاب واعتمدت مساره وخطّه السياسي وجعلته المثل والمثال. ويقيني أن سعيد قد ارتوى بما يكفي من نبع الشهابيّة والذي يفيض وطنيّةً، حكمةً، حوكمة، نزاهة وترفُّعاً عن المصالح الشخصية وإخلاصاً للبنان واللبنانيين... فهل يقتنص سعيد ما تقدّم ليغدو حاكماً للبنان... ولو بعد سنوات ستّ؟!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق