الانتخابات البلدية... فرصة ضائعة أم استكمال للتغيير؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتخابات البلدية... فرصة ضائعة أم استكمال للتغيير؟ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 11:02 صباحاً

فريدي إسحاق

 

 

مع دعوة الهيئات الناخبة للانتخابات البلدية، وشبه إجماع على رفض تأجيل الاستحقاق، يدخل لبنان رسميًا زمن الانتخابات البلدية. تُجرى هذه الانتخابات بعد تأجيلات متكررة، وبعد ولاية للمجالس البلدية الحالية امتدت لتسع سنوات، في وقت كان عدد كبير منها إمّا منحلًا أو معطّلًا. وتُجرى هذه الانتخابات في ظل التغييرات السياسية مع بداية العهد الرئاسي الجديد، وتشكيل حكومة جديدة تلتزم خطاب القسم والنهج الإصلاحي، والتي من أبرز تحدّياتها إعادة تكوين الإدارة بدءًا من التعيينات الأمنية والمالية والقضائية وصولًا إلى إدارة الانتخابات البلدية. هذه الحكومة التي تبدو اليوم كأنها بمثابة مجلس بلدي للبنان، فبدلًا من وضع رؤية استراتيجية وخطط طويلة الأمد لمستقبل البلد، تكاد أولوياتها تنحصر في مهام مثل إعادة الإعمار وتوفير الاحتياجات الأساسية. وهذا يرتبط بشكل مباشر بتكاملها مع السلطات المحلية المنتخبة. فهل ستكون هناك فرصة لاعتماد نهج جديد في الانتخابات، يواكب عهد الإصلاح ويترجمه محليًا، أم سنشهد تكرارًا للنهج القديم القائم على الزبائنية والعصبيات التقليدية؟
بعد التفاؤل الذي رافق انطلاقة العهد الجديد، بات مطلوبًا ترجمة هذا المسار سياسيًا على الأرض عبر سلطات محلية فاعلة تعكس الإصلاح في حياة الناس اليومية، لكون السلطات هي الواجهة المباشرة للدولة. فحتى لو انتظم عمل الوزارات والإدارات المركزية وسلكت طريق الإصلاح، فإن وجود مجالس بلدية فاسدة أو غير منتجة كفيل بأن يُعطّل هذا المسار بالكامل. والعكس صحيح، فحتى في ظل سلطة مركزية فاشلة، يمكن لمجلس بلديّ فاعل أن يُحدث فرقًا حقيقيًا، كما أثبتت بعض البلديات في أصعب مراحل لبنان، مما يؤكّد أن البلديات ركيزة أساسية في صناعة التغيير.
لذلك لا بدّ من تغيير المسار التي كانت تُدار على أساسه الانتخابات من تحالفات ومعارك تقليدية. فالمطلوب من الشعب والقوى المحلية، لا يقلّ أهمية عمّا هو مطلوب من الأحزاب والقوى السياسية على مستوى الدولة؛ والعمل البلدي لا يجب أن يكون مساحة للمحسوبيات أو شراء الأصوات أو تسويات العائلات. ومن أبرز ما يُعطّل تصحيح المسار استمرارُ منطق النكايات والأحقاد المتراكمة وصراعات النفوذ، مما يؤدّي إلى انقسامات حادة وخصومات تُفكِّك المجتمع المحلي، وتُغرق البلدات في توتّر لا طائل منه، في حين أن اعتماد الكفاءة والمصلحة العامة بدل الحسابات الضيّقة يفتح الباب لتوافقات محلية تُجنّب المجتمعات معارك انتخابية تقسيميّة مبنيّة على الأحقاد والصراعات فقط.
من جهة أخرى، تكمن الركيزة الأساسية للإنتاجية والفاعلية في تشكيل مجالس بلدية متجانسة الأعضاء. فتأليف اللوائح لا ينبغي أن يكون مجرّد ائتلافات وتسويات متناقضة الرؤية والمصلحة، بهدف الفوز في الانتخابات فقط، على حساب خسارة فاعلية المجالس وإنتاجيتها. كذلك أي توافق بلدي حقيقي يجب أن يكون على الرؤية المشتركة والانسجام الفعلي بين أعضاء المجلس، لأن أيّ تفاهم هشّ، هدفه فقط تفادي معركة انتخابية ظرفية، قد يتحوّل لاحقًا إلى معركة داخلية لتصفية الحسابات تستمرّ لست سنوات؛ فما يُربَح من هدوء في شهر الانتخابات، قد يُدفَع ثمنه سنوات من الشلل في داخل مجلس بلدي مفكّك وعاجز عن العمل.
أما الركيزة الثانية، فتتمثل بتحمّل الجهات التي دعمت اللوائح الفائزة مسؤولية أدائها ونتائج ممارستها، إذ لا يجوز أن تتنصل من هذه المسؤولية فتُعفى من المحاسبة، كما جرت العادة بعد كلّ استحقاق انتخابيّ. وهنا تبرز أهمية دور الأحزاب في تبنّي لوائح انتخابية علنية، بحيث يكون هناك التزام متبادل بين المرشّحين وهذه الأحزاب، مما يمنع التنصّل من المسؤولية لاحقًا، ويتيح للناخبين ممارسة حقهم في المحاسبة. كذلك في البلديات ذات التنوع الطائفي، تتحوّل الانتخابات أحيانًا إلى ساحة صراع طائفي يُستغلّ لتحقيق مكاسب شخصية وتفادي المحاسبة، مما يستدعي مراجعة تركيبة هذه البلديات أو آليات تشكيلها، للحدّ من الاستقطاب وتعزيز العمل البلدي الفعّال.
ورغم تَكرار واستهلاك الطرح، تَظلّ أهمية وجود تصوّر لبرنامج عمل بلدي أمرًا أساسيًا، ولو بالحدّ الأدنى، يوضّح طريقة العمل، ويُظهر الجدية، بالإضافة إلى أهمية التمتع بالنشاط البلدي الذي لا يُقاس فقط بالعمر أو الحماسة، بل بالكفاءة، والخبرة، والقدرة على إدارة الملفات، والتواصل الفعّال مع الناس.
انطلاقًا من كل ما سبق، فإن المرحلة المقبلة تتطلّب نهجًا جديدًا، لا تقليديًا، يُشكّل استكمالًا لمسار الإصلاح، ويُترجم التغيير السياسي القائم إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع مع تجنيب المجتمعات خلافات عبثيّة، من خلال إعطاء فرصة للتوافق الانتخابي، بشرط ألّا يكون ذلك على حساب الانسجام الحقيقي في المجالس، لأن المطلوب هو إنتاج مجالس بلدية فاعلة ومُنتجة، لا مجرّد لوائح رابحة، فتتحمّل مسؤولية العمل البلدي بجدّية ونشاط، وتُتاح عملية المحاسبة بناءً على مشروع وتصور انتخابي جدي. 
ويبقى السؤال الجوهري: إذا كان البعض يعتبر أن لبنان يعاني من أزمة في نظامه السياسي المركزي، وتُطرح حلول كالفيديرالية أو اللامركزية الموسّعة، فهل يُمكن الرهان على هذه الخيارات إذا لم ننجح، منذ اليوم، بتشكيل وتنظيم عمل السلطات المحلية وضبط أدائها؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق