لا هدايا مجّانيّة! - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لا هدايا مجّانيّة! - تكنو بلس, اليوم الاثنين 7 أبريل 2025 11:41 مساءً

في ليلة واحدة انقلبت حال العالم، وقرّر سيد البيت الأبيض أن يضع الاقتصاد العالمي على حافة الهاوية.

الرجل الذي لم يكمل فصله الأول من السنة الرئاسية، أشعل حروباً عدة، أكثرها ضجة الحرب التجارية العالمية التي أشعلها، إذ أدت الرسوم الجمركية المتبادلة إلى ضرب الاقتصادات الكبرى، وتسبّبت بانهيار أسواق الأسهم وتقليص آفاق النمو.

ودونالد ترامب وحده شاغل الناس، لكنه ليس مالئ الدنيا، كما كان شاعرنا المتنبي "مالئ الدنيا وشاغل الناس، وباعث شغفهم بالشعر"، فهذا باعث للقلق العالمي في إشعال حرائق حروب لا تنتهي.

وازدادت هذه الحرب حدةً في الثاني من نيسان/ أبريل الذي أطلق عليه ترامب "يوم التحرير" عندما أعلن مجموعة من التعريفات الجمركية المتبادلة تستهدف كل البلدان تقريباً التي تتعامل معها الولايات المتحدة، ما يشكل ضربة قاسية للتجارة الحرة والعولمة.

نعم العولمة التي بقينا لأربعة عقود نفكّك خطابها، ها هي تتعرّض من عقر دارها لضربة تلو الأخرى.

ما يجري ليس قراراً انفعالياً، بل هو ضمن إستراتيجية إعادة صوغ النظام العالمي، والنهج "الترامبي"، وهو نهج يعزز مبدأ "الترامبية" كرؤية، لا كتصرف فردي.

وسواء كان القرار صائباً أو خاطئاً، فإن ما سيحكم على نتيجته هو القدرة على تحويل الضغط إلى مكاسب من دون إغراق السفينة التي يجلس فيها الجميع.

وأذكّر هنا بما يقوله الخبراء منذ أيام وهو أن "ترامب وضع يده على محرك اقتصاد عالمي بنته الولايات المتحدة نفسها في أعقاب ربحها العظيم بعد الحرب العالمية الثانية، إذ انتقلت من مجرد لاعب إقليمي خلف المحيطات إلى رأس إمبراطورية عالمية أصبحت تقرر مصير العالم منذ ذلك الحين".

الخطر الحقيقي يكمن في أن تتحول الخطوة من أداة ضغط أميركية إلى استراتيجية صدام مفتوح في المجتمع الدولي.

ولكن الرجل يخاطب الناخب الأميركي لا المواطن في أفريقيا وآسيا، فخطوة ترامب تأتي كجزء من استراتيجية تهدف إلى حماية الاقتصاد الأميركي وإعادة ترتيب قواعد التجارة العالمية بما يخدم مصالحه الطويلة الأمد له لا العالم. تلك استراتيجية ليس فيها هدايا مجانية.

وذاك ما يسوّقه بقوة ويعزز من نهج ما قلنا عنه "الترامبية"، التي يمكنها أن تعيش بعد رحيل ترامب نفسه ووفاته، إلى أن يحدث صدامٌ أوسع يوقف قطار الاندفاع السريع.

صباح الثالث من نيسان الجاري لم يكن يوماً عادياً في أسواق العالم، إنه بداية تحول يصنع قواعد عالم جديد لا بد له من أن يكتمل.

ففي يوم واحد خسرت الأسواق 3 تريليونات دولار، وانخفض الدولار والنفط وتراجعت الثقة.
هذه الخطوة تهدد دولاً صغيرة بالانهيار.

فمثلاً نجد أن الرسوم الجمركية المضادة المفروضة على دولة صغيرة مثل  ليسوتو تبلغ 50%، وهي أعلى نسبة رسوم على قائمة طويلة من الاقتصادات المستهدفة من الرئيس الأميركي، وتلك خطوة من شأنها أن تقضي على المملكة الصغيرة الواقعة في جنوب القارة الأفريقية.

وتتمتع ليسوتو بفائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة، ويتألف معظمه من الماس والمنسوجات، بما في ذلك سراويل الجينز من "ليفايز".

ذاك مثل صغير لما يحدثه تحرك الفيل في غرفة مكتظة بالفخار. 
وكيف يمكن أن يتحول سروال الجينز الأميركي الشهير إلى كفن مؤلم لدولة فقيرة مرميّة في جنوب القارة الأفريقية.

الخطوة من وجهة نظري تتسق مع رؤية جديدة للنظام، أكثر منها إجراءات انفعالية بشأن الربح والخسارة.

أميركا هنا تعيد صوغ النظام العالمي، بناءً على رؤية تقول بأنها تريد شركاء أشخاص أقوياء في العالم، لا تكتلات تقليدية، وتنهي مرحلة عقود من نشر قيم كل ما بقي من نظام الحرب العالمية الثانية.

فنحن في خضم حرب كونية جديدة لا بد لها من نظام آخر، ستخلق أمامنا محاور قوة جديدة.
لهذا نتفهم اضطراب الاتحاد الأوروبي، وتحفز الصين، وتقارب بوتين وترامب.
فأميركا تتخلص بجدية، من كل نظرية التعاون الدولي القائم على مناصرة قضايا كانت تؤمن بها، أو تدّعي الإيمان بها، إلى إعادة صوغ العلاقات على مبادئ جديدة، تقوم على أساس الرابح المنفرد.

ولكن ذلك إعصار لا ندري إلى أين ستجرف رياحه الشديدة هذه السفينة العالمية المهتزة.
لكن ما يمكن قوله إننا في منطقة رغم أنها في عين الإعصار، يمكن أن نلمح ضوءاً آخر  قادماً، وأرجو أن لا يكون ضوء قطار الاندفاع قبل أن يدهسنا في هذا النفق الذي علقنا به كأمة، وأن نتمكن رغم الصعاب من  اقتناص الفرصة في ترتيب أوضاع المنطقة.

نحتاج إلى رؤية شجاعة تصنع محوراً ينجو بهذا الوطن العربي الممتد من الماء إلى الماء، فقط إذا أخمدت نيران خلافات قبائله لا أكثر.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق