العملية العسكرية في مخيم جنين: تغيير جغرافي وديموغرافي - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العملية العسكرية في مخيم جنين: تغيير جغرافي وديموغرافي - تكنو بلس, اليوم الاثنين 7 أبريل 2025 06:53 صباحاً

خرجت الحاجة خضرة أبو سرية (90 عاماً) من منزلها في ساحة مخيم جنين قبل نحو 80 يوماً، بعد أن هددت المسيّرات الإسرائيلية السكان بالخروج فوراً، وإلا تعرضوا للقتل.
شهدت الحاجة خضرة، خلال عمرها الطويل، أبرز محطات الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من النكبة إلى النكسة، مروراً بالانتفاضتين وكل الحروب على غزة، وصولاً إلى حرب الإبادة الجماعية. وتقول لـ"لنهار" إنها لا تتذكر ظروفاً أقسى أو أسوأ من تلك التي تعيشها اليوم. فقد تركت بيتها وكل ما تملك، وخرجت بالثوب الذي ترتديه، مخلّفة وراءها ماضياً وذكريات جمعتها منذ هجرتها في نكبة 1948 من قريتها زرعين في مرج ابن عامر، التي تبعد 11 كيلومتراً عن جنين.

تعيش المسنّة الفلسطينية على بعد 500 متر من منزلها، الذي لا تستطيع الوصول إليه، بعد أن حوّله الجنود إلى ثكنة عسكرية ثم أحرقوه عند مغادرتهم، في شقة، مع ابنة شقيقها رحاب أبو سرية وعائلتها، الذين فقدوا بيتهم أيضاً خلال العملية العسكرية الإسرائيلية، مثلما فقد نحو 20 ألف نازح من المخيم والأحياء المجاورة له منازلهم التي طُردوا منها قسراً.

 

 

رحاب وزوجها جمال قاما باستئجار منزل يبعد دقائق قليلة عن المخيم ليكونوا قريبين من بيتهم الذي هدمه الجيش الإسرائيلي، وحولوا موقعه إلى أحد الشوارع الكبرى التي تعمل كتيبة الهندسة على إنشائها في المخيم.
تمكنت رحاب من الدخول إلى المخيم أربع مرات، كان آخرها في الثامن من آذار/ مارس الماضي. وتقول لـ"النهار" إنها تشعر كأن "روحها في المخيم"، واصفة المشهد داخله بـ"الدمار الشامل". وتؤكد رحاب أنها "تشعر كما أهل غزة، فلا فرق بيننا في القتل والتهجير".

في أول زيارتين لها، كان منزل رحاب لا يزال قائماً، لكنه بين الزيارة الثالثة والرابعة هدمه الإسرائيليون على ما فيه، وتقول: "ذهبت لأخذ بعض الملابس واحتياجاتنا الأساسية، ولم أجد سوى أكوام من الحجارة. ثم جلست أبكي على ركام بيتي الذي بنيناه بتعبنا ودم قلبنا". وتضيف: "أنا بانتظار خروجهم لأكون أول من يدخل إلى المخيم. سنعيد بناءه أفضل مما كان، ومهما حاولوا إنهاء وجودنا كلاجئين، فلن ينجحوا، فنحن لا نتخلّى عن هويتنا أينما كنا".

المخيم المنكوب
يعيش اللاجئون وسط ظروف شديدة الصعوبة، وانتقل الكثيرون إلى منازل أقاربهم في جنين والمناطق المجاورة، كما أن الريف استوعب أعداداً كبيرة منهم. بعض الأطفال عادوا إلى المدرسة، بينما لم يعد الجزء الآخر بعد بسبب الصعوبات التي تواجهها اللجنة الشعبية والبلدية من حيث البنية التحتية في بعض الضواحي التي تفتقر إلى المدارس والمستشفيات والعيادات الطبية والأسواق.
كذلك يعاني أغلب اللاجئين من عدم قدرتهم على دفع تكاليف الإيجار للبيوت والشقق التي باتوا يعيشون فيها بعد أن فقدوا مصادر رزقهم وأعمالهم بسبب العملية العسكرية.
ولم تقدّم الحكومة الفلسطينية حلولًا لهذه الأزمة حتى الآن، فبعد أن قامت اللجنة الشعبية في المخيم ورجال أعمال ومؤسسات المدينة بدفع إيجار شهرين، يقترب الشهر الثالث ولا حلّ جذرياً للمشكلة. تتراوح الإيجارات ما بين 100 - 150 دولاراً في ضاحية تلفيت التي استوعبت 600 عائلة، و400-700 دولار في جنين.
وبحسب رئيس بلدية جنين محمد جرار، فإن 320 وحدة سكنية في داخل المخيم والأحياء المحيطة به قد تعرضت للتدمير الكليّ أو الجزئيّ أو للحرق، وبالتالي فإن المخيم بالكامل يعتبر منكوباً. ويشير في حديثه مع "النهار" إلى أن "البلدية عاجزة عن تغطية تكاليف الإيجار، لأن 104 اقتحامات إسرائيلية للمدينة خلفت ميزانية عاجزة ومديونية كبيرة تفوق الـ100 مليون دولار".
ويلفت إلى أن ضباط الإدارة المدنية تواصلوا معه في بداية العملية العسكرية، وطلبوا أن يتحول المخيم إلى حيّ من أحياء المدينة، وأن تعود الحياة اليومية إلى المدينة. أما الطلب الثالث فكان "إعادة تعبيد الشوارع المحيطة بالمخيم لمنع المقاومين من زراعة العبوات الناسفة"، مؤكّداً أنه رفض طلباتهم بالمطلق.
ويوضح جرار بأن اثنين من أحياء المدينة، خلّة الصوحة وجبل أبو ظهير، يعانيان من انقطاع مستمرّ للمياه بسبب تواجد الخط الرئيسيّ في داخل المخيم، وأن البلدية لم تعد قادرة على توفير المياه للمواطنين في هذه الأحياء بسبب انتهاء المشروع الذي كان يوفر 3000 كوب للعائلات.
ويرى أن العملية الإسرائيلية "ذات طابع سياسي أكثر من كونه أمنيّاً، وأنهم يتحججون بالشق الأمني لتغطية الشق السياسي الذي يسعى لإنهاء ملف اللاجئين ووجود المخيمات".

إنهاء ملف اللاجئين
تعتبر العملية العسكرية في جنين استكمالاً لعمليات عسكرية محدودة سابقة في المخيم على مدار الخمس سنوات الماضية، حيث تنشط الفصائل الفلسطينية. وتسعى هذه العمليات إلى إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا في المخيم بسياسات الهدم والتهجير، خاصة بعد استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المسؤولة عن تقديم الخدمات في المخيمات مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، وإقرار قوانين تمنع عملها في القدس وغزة والضفة الغربية المحتلة.
وتدعي السلطات الإسرائيلية أن أهداف عملية "الأسوار الحديدية" أمنية بحتة، لكن الإجراءات على الأرض تشير إلى أن الهدف الأساسي سياسي بامتياز. فالدوافع واضحة من خلال التغييرات الجذرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، مثل التدمير الممنهج للبنى التحتية والخدمية، ونسف مربعات سكنية كاملة، والحصار الاقتصادي، وتحويل المخيمات إلى أحياء تابعة للمدن، وتهجير أغلب السكان الذين يشكّلون نواة الحاضنة الشعبية للفصائل، كما أن الجيش يعتزم البقاء لفترة طويلة، رغم وجود المخيمات في مناطق ضمن سيادة السلطة الفلسطينية.
وتسعى الإجراءات الإسرائيلية إلى طمس قضية اللاجئين في مخيمات الضفة الغربية، وتفكيكها وإعادة تركيبها بهندسة معمارية واجتماعية وإدارية جديدة، من خلال إجراء تغييرات في الطرق الداخلية والبنى العمرانية لإخفاء بعض الملامح والخصائص التي تميزها وتمثّل رمزاً للنكبة الفلسطينية، في حين يرى اللاجئون أن وجودهم موقت إلى حين العودة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق