نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اتفاق حلب: لامركزية كردية أم نموذج حكم مشترك؟ - تكنو بلس, اليوم الخميس 3 أبريل 2025 04:38 مساءً
روج موسى*
جاء اتفاق حلب الذي أُبرِم الثلاثاء 1 نيسان/أبريل الجاري بين الحكومة السورية الانتقالية ومجلسي حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمحافظة حلب، بمثابة إحدى الثمار العملية لاتفاق الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، الذي أُبرِم الشهر الماضي بهدف دمج "قسد" والمؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ضمن إطار الدولة السورية الواحدة التي تحتل تركيا وإسرائيل أجزاءً واسعة من شمالها وجنوبها.
لكن ماذا يعني اتفاق حلب الأخير؟
يقع كل من الحيّين في شمال المدينة، ويقطنهما نحو 500 إلى 600 ألف نسمة، أغلبيتهم من الكُرد الذين يديرون شؤونهم بشكل ذاتي منذ عام 2011، بعدما تمكنوا – بالتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية – من طرد قوات النظام السابق من المنطقتين. جاء الاتفاق بين "قسد" والحكومة الانتقالية في نفس الحيّين اللذين شهدا صدامات بين الطرفين قبل أكثر من عقد من الزمن، في وقت كانت فيه "جبهة النصرة" على مشارف مدينة حلب، حيث انتهت تلك المواجهات بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين. بالتالي، ليست هذه الاتفاقية الأولى بين الطرفين في ما يخص الحيّين.
لكن الاتفاق، الذي عُقد أخيراً بين مجلسي الحيّين والسلطات الانتقالية، قد يكون أولى الخطوات العملية لخطة شاملة بين "قسد" والحكومة الانتقالية، قد تخلق نموذج حكم/إدارة يتناسب مع تطلعات الطرفين، ويمكن أن يتكرر لاحقاً في مدينة عفرين التي تشهد في كواليسها منذ مطلع العام الحالي العشرات من الاجتماعات والنقاشات لإعادة مهجّريها بضمانات أممية وتوافق تركي - كردي، علماً بأن أنقرة تسيطر على عفرين منذ مطلع عام 2018، مع مسلحين سوريين مدعومين منها.
على الرغم من المرونة الكبيرة التي يظهرها الطرفان في المفاوضات الجارية، ما تزال الخلافات قائمة حول شكل وآلية حكم البلاد. تسعى "قسد" إلى إقامة نظام "لامركزي" يتيح للأكراد والمكونات السورية الأخرى في مناطقها الحصول على حقوقهم السياسية والثقافية والإدارية كاملة، في خطوة تهدف إلى ضمان تمثيل عادل لجميع مكونات المجتمع السوري.
في المقابل، ورغم تقديم حكومة الشرع بعض التطمينات للسوريين بخصوص الوضع السياسي، من الواضح أنها ليست مستعدة بعد لتبنّي نظام "لامركزي"، وهذا يتجلّى في التصريحات الأخيرة المتعلقة بالإعلان الدستوري، وكذلك في تشكيل الحكومة الذي تم أخيراً، ما يعكس تردداً أو تبايناً في المواقف حول هذا الموضوع.
النموذج الذي يمكن تطبيقه في مناطق عفرين والشيخ مقصود والأشرفية، حتى لو كان مرحلياً، سيكون بمثابة اختبار لإجراء أي محادثات مستقبلية بين دمشق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا و"قسد"، أي بمعنى آخر، إذا نجاح هذا النموذج المطروح الآن في عفرين والأحياء الكردية في حلب، فسُينقل إلى شرقي الفرات مع مراعاة خصوصية المناطق العربية هناك وضمان الحق الدستوري الكامل للكُرد بما يتجاوز الحقوق الثقافية واللغوية.
تُعدّ عفرين مركز ثقل للكرد السوريين في شمال غرب البلاد، لكن هُجّر قرابة 300 ألف من سكانها الأصليين بعدما احتلتها فصائل سورية موالية لتركيا في آذار/مارس 2018، مارست بدورها انتهاكات واسعة للحريات وحقوق الإنسان بحق من بقي من الكُرد هناك بتزكية تركية. وشهدت عفرين خلال الشهر الماضي عودة عدد كبير من أهلها الأصليين إلى منازلهم وأراضيهم مقابل خروج عدد كبير من السوريين الذين دخلوا المنطقة مع دخول الفصائل بعد زيارة الشرع لعفرين واتفاقه مع عبدي في العاشر من مارس/آذار الماضي.
بالعودة إلى اتفاق حلب، فهو ينص على التعاون والتنسيق بين قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية السورية والأمن الداخلي التابع لإدارة الأحياء الكردية، مع الحفاظ على جميع المؤسسات الإدارية والخدمية للمجلس الذي وقّع على الاتفاق مع قيادة الأمن العام في محافظة حلب، مقابل أن تنسحب "قسد" من داخل الحيّين باتجاه مناطق سيطرتها في شرقي الفرات. وسيلي هذا الاتفاق العمل على ملف عفرين عبر أشكال عديدة لم يُتفق عليها بعد، مثل تسهيل دخول الكُرد إلى قوى الأمن العام، أو تقاسم السلطات الإدارية مثل البلديات والمؤسسات الخدمية بين الكُرد والعرب المقيمين هناك ضمن إطار السيادة السورية.
ورغم وجود خلافات بين توجّهات القامشلي ودمشق، ما زال الطرفان يحاولان إيجاد نقاط مشتركة بعيداً عن لغة الدم التي تغوص فيها سوريا حتى الآن. ولهذا، يمكن قراءة بيان الاتفاق في حلب على أنه توقيع لـ"لامركزية إدارية" للأحياء داخل مجلس مدينة حلب، بغض النظر عن حساسية دمشق من اللامركزية والديموقراطية اللتين يطالب بهما الشارع الكردي.
يبقى السؤال الأبرز هنا: هل يمكن للطرفين فعلاً التوصل إلى تفاهم يحقق تطلعات قوات سوريا الديموقراطية والحكومة الانتقالية؟ وإن كان من الممكن أن يتفق الطرفان على شكل وآلية الحكم، فإن العائق الأكبر أمام أي تفاهم بينهما يبقى في الجارة تركيا، التي من غير المرجح أن توافق مبدئياً على أي اتفاق داخلي سوري يضمن للأكراد حقوقهم كاملة، إذ ترفض أنقرة عموماً أي خصوصية للأكراد في سوريا. مع ذلك، المعطيات الحالية التي تواجه تركيا تختلف عن تلك التي كانت في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. فالأمر لا يتعلق بالتظاهرات الداخلية في تركيا التي تعقّد موقفها الخارجي فحسب، بل أيضاً بتوسع إسرائيل في سوريا، وتحركات تل أبيب التصعيدية ضد تركيا، ما يضع أنقرة أمام مفترق طرق، أفضل الخيارات فيه السير نحو السلام مع الكُرد استجابة لنداء الزعيم الكردي عبد الله أوجلان. وقد يسهم هذا التوجه في تحقيق نتائج إيجابية لمصلحة الكُرد في سوريا عموماً.
على صعيد التنسيق، تؤدي "الأطراف التركية" في حلب دوراً في المفاوضات بين قسد وتركيا، اللتين قد تعلنان في الأيام المقبلة عن اتفاقٍ لخفض التصعيد في مناطق الاشتباك في حوض الفرات وشرق حلب، الأمر الذي يصب إيجابياً على نموذج الإدارة المطروح في عفرين، ولدعم سيادة الحكومة الجديدة لتؤدي دورها الفعلي بصفتها حكومة سوريّة تهتم فعلاً بكل المكونات السورية، وتقدم خدمات مماثلة في كل المناطق، على عكس الأسد وحكمه.
سيكون أمامنا أسابيع فاصلة في ما يخص ملف قوات سوريا الديموقراطية ودمشق، إلى جانب اتفاق حلب المعلن واتفاق الشرع – عبدي السابق واتفاق آخر متوقع مع تركيا. وستكون هناك معطيات جديدة تُفرض في شمال البلاد قد تؤدي إلى تسهيل عمل اللجان التنفيذية في اتفاق الدمج مع دمشق، بما يبني ثقة متبادلة بين الطرفين، حتى من دون وساطة أميركية أو دولية، ولتنفيذ البنود العشرة للاتفاقية حتى قبل انتهاء العام الحالي.
*صحافي سوري
0 تعليق