في أبريل، أثار فريقٌ من علماء الفلك حماسةً عالميةً عندما أعلنوا عن وجود دليلٍ مُحتمل على وجود علامات حياة على كوكب بعيد، حياة في الغلاف الجوي للكوكب الخارجي K2-18b، الذي يقع على بُعد أكثر من 120 سنة ضوئية من الأرض.

وفقا لتقرير نيويورك تايمز، أثار احتمال وجود علامات حياة على كوكب خارج نظامنا الشمسي حماس العلماء والجمهور على حدٍ سواء. ولكن في الأسابيع التي تلت ذلك، واجه هذا الادعاء تدقيقًا مُكثفًا وتشكيكًا من قِبل المجتمع الفلكي.

أعادت ثلاث فرق مُستقلة الآن فحص البيانات، وتوصلت جميعها إلى نفس النتيجة المُقلقة: لا يوجد دليلٌ قاطع على وجود حياة على الكوكب K2-18b.

الاكتشاف الأولي: دلائل على وجود جزيء حيوي

استخدم الفريق الأصلي، بقيادة الدكتور نيكو مادوسودان من جامعة كامبريدج، تلسكوب جيمس ويب الفضائي القوي لتحليل كوكب K2-18b أثناء مروره أمام نجمه المضيف.

اكتشفت أجهزتهم دلائل على وجود الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي للكوكب، وهي غازات شائعة الوجود على الكواكب ذات التفاعلات الكيميائية الديناميكية.

إلا أن الاكتشاف الأكثر إثارةً للاهتمام كان دلائل على وجود ثنائي ميثيل كبريتيد، وهو جزيء لا تنتجه على الأرض إلا الكائنات الحية، وتحديدًا ميكروبات المحيطات التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي.

وأشارت نتائج الدكتور مادوسودان إلى أن احتمال أن تكون هذه النتيجة مجرد صدفة لا يتجاوز ثلاثة في الألف، وهو رقم إحصائي تصدّر عناوين الصحف العالمية وأثار الأمل في أن نجد أخيرًا دليلًا على وجود حياة خارج كوكبنا.

آراء الخبراء: بين الثناء والتشكيك

وصف الدكتور رافائيل لوك، خبير الكواكب الخارجية في جامعة شيكاغو، الدكتور مادوسودان بأنه “رائد في هذا المجال”، وأعرب عن تقديره العميق لفريق البحث. ومع ذلك، أجرى الدكتور لوك وزملاؤه مراجعة خاصة للبيانات.

وجد تحليلهم – الذي جمع جميع عمليات الرصد المتاحة في الأشعة تحت الحمراء القريبة والمتوسطة – إشارات قوية للهيدروجين وثاني أكسيد الكربون والميثان، ولكن دون وجود أي دليل واضح على وجود ثنائي ميثيل كبريتيد.

بالمثل، أكد الدكتور جاكوب بين، من جامعة شيكاغو أيضًا، أنه “لا توجد إشارة ذات دلالة إحصائية في البيانات التي نُشرت قبل شهر”. وجادل بأن الإشارات الخافتة المرصودة في أطوال موجات الأشعة تحت الحمراء المتوسطة يمكن تفسيرها بالضوضاء، وليس بوجود جزيء مرتبط بالحياة.

قاد الدكتور لويس ويلبانكس، عالم الفلك في جامعة ولاية أريزونا والطالب السابق للدكتور مادوسودان، دراسة مستقلة أخرى. استكشف فريقه إمكانية تفسير الإشارة بجزيئات أخرى، وفحص 90 جزيئًا محتملًا.

أظهرت نتائجهم أن إشارة الأشعة تحت الحمراء المتوسطة قد تكون نتجت عن ما يصل إلى 59 جزيئًا مختلفًا، وكان أقوى جزيء مطابق هو البروبين، وهو غاز وقود شائع، وليس ثنائي ميثيل كبريتيد.

اقرأ أيضا.. رغم المخاوف الأمريكية.. صندوق الثروة السيادية القطري يواصل نشاطه بالصين

العلم في طور التقدم: نقاش وتحليلات إضافية

بلغ النقاش مرحلة جديدة عندما رد فريق الدكتور مادوسودان بتحليل إضافي خاص بهم، فحصوا فيه 650 جزيئًا محتملًا. وأكدوا أن ثنائي ميثيل كبريتيد لا يزال من بين أبرز الجزيئات المرشحة، متمسكين بموقفهم الأصلي بأنه احتمال جيد، وإن لم يُؤكد بعد.

مع ذلك، فسّر الدكتور ويلبانكس هذه النتائج كدليل على عدم تفرد بصمة ثنائي ميثيل كبريتيد. وعلّق قائلًا: “في الواقع، هذا دحض ذاتي”، مجادلًا بأنه لا يوجد جزيء واحد، بما في ذلك ثنائي ميثيل كبريتيد، يبرز كسبب قاطع للإشارات المرصودة.

رغم الجدل الدائر، تتفق جميع الأطراف على أن العلم يتقدم، وأن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات. يستعد الدكتور رينيو هو، من مختبر الدفع النفاث، وزملاؤه لإصدار ملاحظات جديدة قد تُضفي مزيدًا من الوضوح.

ويظل الدكتور بين متفائلًا: “العلم يُحقق نتائج جيدة بالتأكيد. سيتضح الأمر سريعًا، وأعتقد أننا سنحصل على بعض الوضوح”.

الصورة الأشمل: تحديات البحث عن الحياة

تُسلط هذه الحلقة الضوء على تحديات اكتشاف الحياة على العوالم البعيدة. فعند رصد إشارات خافتة وغامضة من كواكب بعيدة جدًا لدرجة أن حتى أقوى التلسكوبات تكافح لفصل الإشارة عن الضوضاء، يتعين على علماء الفلك الاعتماد على تحليلات وتحقيقات متطورة بشكل متزايد.

ومع ظهور بيانات جديدة، تضمن المراجعة الدقيقة للمجتمع العلمي أن أقوى الأدلة فقط هي التي ستصمد. في الوقت الحالي، لا يزال حلم العثور على حياة على الكوكب K2-18b بعيد المنال، لكن البحث والعلم مستمران.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط