في بيروت: خربشاتي لم تعد تشبهني وهذا لا يؤلمني - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في بيروت: خربشاتي لم تعد تشبهني وهذا لا يؤلمني - تكنو بلس, اليوم الخميس 22 مايو 2025 04:30 صباحاً

منال عبد الأحد

من أنا؟ كنت أبحث عن بطل جديد / بطلة جديدة طيلة هذا اليوم، واستعنت لذلك الغرض بـ Youtube عامة وبمواقع إخبارية لبنانية أخرى جمة لم أكن أعرف بوجودها حتى، ويا لكثرتها في وطن الـ 10452 كيلومتراً مربعاً؛ فمنذ بدأت أفتش عن مواضيع معينة، ظهرت لي قنوات لا تحصى على Youtube، الكريم إلى درجة أنه يعرض محتواه دونما الحاجة إلى حساب وكلمة سر، الأمرين اللذين قد يشعرانني بالنفور من أي منصة، لأنني منذ كنت صغيرة أكره أن يقايضني أحد على أمر ما، أو أن يطلب مني متابعة ما مقابل معلومة، وهذا أمر شاعري وتافه بالكامل، على اعتبار أن المجانية في الحياة ضرب من الخيال، فحتى أنا أعرف تماماً بأنني أتقاضى أتعاباً مقابل أعمالي، ولن أنجزها في الغالب من دون هذه الشرطية.

 

أشعر بفرط سذاجتي حتى كوني ما زلت أصلاً أفكر بذلك مع نفسي. صحيح أنني قمت في حياتي بعدد ليس بقليل من الأعمال التطوّعية إلا أنني لم أتحلَّ، أظن، بالوعي الكافي وقتذاك لأعرف مدى جدواها على المستوى العام، وإن كانت قد أشعرتني ببعض الرضا، بدأت منذ مدة أسأل نفسي عن الرضا عنها حتى. فتّشت في محركات البحث منذ الصباح إلى درجة أنني مللت من نفسي لكثرة ما تحمست لأشخاص وتخليت عن تلك الحماسة في غضون ساعات.

 

حسناً، أنا حقاً وبكل صدق لا أعرف تلك المرأة، قد أكون رأيتها عن قرب لمرة، لست متأكدة من هذه الفرضية حتى، ففي طريقي إلى ضيعتي، وفيما كنت أجلس بجانب أبي، رجل في أواخر السبعينيات يتولّى قيادة السيارة، لأنني ببساطة أتوتر من فكرة الجلوس وراء المقود حتى لفرط ما سمعت عن ذلك اليوم الذي "طرت" فيه طفلة صغيرة جداً من الشباك المفتوح في سيارة تدحرجت في وادي الجماجم، وعلقت في شجرة لزاب، تناسيت لساعة ونصف، ذهاباً وإياباً، تعويذاتي من نوع "ع مهلك"، "ع اليمين"، "فيه واحد رح ينتحر"، "انتبه الصبي" وإلى ما هنالك من صرخات أنهك بها السائق إن كان فرداً من عائلتي الصغيرة حصراً، وجلست في مقعدي الأمامي منشغلة أبحث لي عن بطل / بطلة أو حتى مجرد فكرة أتبناها تزيل عني ملصق "المنظِّرة" صاحبة "اللافكرة". عثرت على ممثلين من الدرجة الثانية على ما تبيّن لي لاحقاً ظننتُ أن قد يكون بينهم بطل خفي / بطلة خفية.

خلصت بعد يوم كامل من البحث أن وراءهم خلفية سوداء من الخشب كمثل تلك التي كانت تغطي مسرح مدرستنا التكميلية في ضيعة جميلة ترتفع 1200 متر عن سطح البحر. خلال التنقيب أُخذت بما أسمعه. أمعنت التركيز في ما يطالعني وظننت مع كل اكتشاف أنني قد أسجل براءة اختراع ما، انصرفت عن الواقع لدرجة أنني اليوم، أي بعد ما يقل عن أربعة عقود بقليل على حادثة لا أذكر تفاصيلها حتى إلا أنني أتحسس وقعها في روحي وبالتالي في حياتي، لو سقطت في وادي الجماجم نفسه، لا شيء غير الموت كان سيحول دون متابعتي لمهمة على الأرجح مستحيلة.

 

استمعت لفيديوهات كثيرة  لنساء في مختلف المراحل العمرية، حسناً انحزت للنساء إنما عن غير قصد هذه المرة، وهن شخصيات فاعلات في السياسة ومؤثرات على وسائل التواصل، في بلدي الصغير أقله، أي في رقعة جغرافية اضطررت للعودة إليها وفي مشهد أحاول جاهدة أن أثبت لنفسي أن لي مكاناً فيه. فوجئت بأن واحدة منهن، شابة تصغرني بما يزيد عن ستة أعوام، دائماً حسب Google، لا تستطيع أن تحصي عدد متابعيها الذي يزداد في الثانية على ما قالت، وخيّل إلي هنا أنني في قارة بكاملها ولست في لبناني الأخضر الذي اعتدت أن أغني له وحسب. أعترف بخجل أنني منذ الصباح الباكر أضعت ما يزيد عن أربع ساعات أستمع بإعجاب إلى اكتشافي الجديد، وكونها منذ أن سمعتها في المقابلة الأولى تقول إنها ناشطة حرموها من لبنانها الذي تحلم به وحسب، شعرت بنوع من التماهي معها، إلا أنني في النهاية أحسست بأنها عملاق من كوكب آخر يتفرّج على كوكبنا من الأعلى وهو على بيّنة حتى بما يدور في أذهان البشر، فساورتني شكوك حيال بطولتها، وما لبثت أن طالعتني اتهامات لها ولمصادرها ودلائل على تناقضها. وقادتني صفحة قناتها وكلمات البحث معاً إلى مشروع "بطلة" ثانية تبدو naturelle أكثر وبسيرة ذاتية عريقة، ما لبثتُ أن اكتشفتُ، من خلال مقالات بنيتُ عليها تحليلًا أجده منطقياً، تحيّزها وانعدام حيادها للأسف وذلك عقب أن قرأتُ كثيراً عنها هي الأخرى. ومن السخيف أنني تحمست لها بدايةً إلى درجة أنني راسلتها وندمت في المحصلة على جملتين أرسلتهما إليها بعفوية مبدية إعجاباً متسرعاً وأبلهاً جداً بشجاعة ما تمتلكها، فأحسست بكثير من الخجل من نفسي لدرجة أنني ما زلت أفكر بإمكانية مسح الرسالتين وبالكامل. ثم هدّأتُ من روعي قليلًا عندما وجدتُ زميلتها تفاخر بأنها تتراجع عن نصف ما أنجزته في مسيرتها "المهنية"، علماً بأنها كشفت بغرابة، قد تنطلي على الكثير من الوقاحة، عما كان يدور بحضورها من تحت الطاولة، وتحسست براءة "لذيذة" في ذاتي. بدأت أشكك حتى باسمي وشعرت بصداع كبير وغشاوة ثقيلة على عينيّ، وقررت أن أطفئ جهازي الـ Samsung الذي أنهك أكثر مني وشُحنت بطاريته اليوم ما لا يقل عن ثلاث مرات، إلا أنني، ولسوء حظي، عثرت أسفل الصفحة على "ممثلة درجة ثانية" أخرى سرعان ما فضحت نفسها بنفسها. لا أنكر هنا أنني شعرت بخذلان وخوف كبيرين حيث أنني أمضيت ما لا يقل عن 18 ساعة، كوني عانيت من أرق شديد هذه الليلة أصلًا، أتنقّل خلالها بين مشاريع حصدت منها "لا بطلًا" يخلّصني من تنظير أُتَّهم به أنا صاحبة "اللافكرة" وخشيتُ أن تُنبذ آرائي في لبناني التصنيفي حتى النخاع طيلة ما تبقى من حياتي. فجأة تذكرت طبيبي الذي يضع صورة تشي غيفارا إلى جانب مجسم صغير لقديس يتضرع إليه بخشوع على ما يبدو من الشمعة، وشعرت ببعض السكينة عندما استرجعت كيف أكد لي يومذاك، حين وجدني أتأمل مكتبه بإعجاب، أنه ما زال يبحث عن نفسه كل يوم، رغم انشغاله الكبير، الذي أشهد له، كوني انتظرت في عيادته وقتاً طويلاً، واستغربت أصلاً كيف ضيّع وقتاً معي في الحديث عن "اللا أفكار" هو الذي يزيدني بما لا يقل عن عقد ويتقاضى ما قد لا يقل عن المئة دولار في ربع ساعة، وهكذا وبعد حسابات دقيقة وجدت أن استثمار يوم كامل في البحث العبثي إنما لا يُقارَن باستثماراته تلك، وشعرت بأنني قد أكون أكثر حظاً منه.  فرحت، في خضم كل ذلك، بقيامي مؤخراً بقياس وزني وتكوين جسدي الجديد لاحظت كيف فقدت كيلوغرامات عدة في بضعة شهور فقط، فتنبّهت إلى أن ذلك قد يعتبر إنجازي البيروتي اليتيم الذي يقلل من الخطر على حياتي، مما يعني أنني، وإن لم أسقط في وادٍ آخر، قد أعثر على البطل / البطلة أو قد يكون لدي متسع من الوقت للتخلي عن وهم البطولة أصلًا.

      
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق