مخاطر دراسة الفلسفة في الجامعة وتحدّياتها الواعدة - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مخاطر دراسة الفلسفة في الجامعة وتحدّياتها الواعدة - تكنو بلس, اليوم الاثنين 19 مايو 2025 02:14 مساءً

مشير باسيل عون

من أصعب المسائل التي أزعجت العقل الإنسانيّ منذ أقدم العصور الفلسفيّة قضيّةُ تعلُّم الفلسفة. كان الفلاسفة يسألون أنفسَهم: هل الفلسفة حقلٌ من الحقول المعرفيّة يدرسه الطالب على نحو ما يدرس أيّ حقل آخر؟ أم إنّها فنٌّ فريدٌ من المهارة الذهنيّة يُمسك به أولو الألباب على غرار موهبة النبوّة التي تُشرق في وجدان الحكيم فتغمره ببركات فتوحاتها النورانيّة؟ أعتقد أنّ نشاط الفيلسوف يقع في موضع مشترك بين الاكتساب الذهنيّ الشاقّ والموهبة الفطريّة التلقائيّة. ذلك بأنّ الفلسفة لا يمكن إلّا أن تكون عِلمًا قائمًا بحدّ ذاته، مَبنيًّا على خلفيّات معرفيّة وتصوّرات متّسقة ومبادئ ناظمة وأحكام ضابطة وقواعد منهجيّة. كذلك تنطوي الفلسفة على دعوةٍ فكريّةٍ تؤهّلها للغوص على معاني الوجود الأشدّ استعصاء وإرباكًا. ومن ثمّ، ينبغي أن نراعي أصول الدقّة في تعريف رسالة الفيلسوف حتّى لا نقع في الضلال والتطرّف.

هل عدد طلّاب الفلسفة دليلٌ على أثرها؟
يبدو للوهلة الأولى أنّ أعداد دارسي الفلسفة في الجامعات اللبنانيّة والعربيّة تتراجع عامًا بعد عام. غير أنّ النظر المتفحّص يبيّن أنّ روّاد الفلسفة ما برحوا قلائل منذ أن استقرّ نظام تعليم الفلسفة الجامعيّ في معظم الأوطان العربيّة. يمكن معاينة الأمر عينه في أقسام الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة، إذ إنّ مروحة العدد تتّسع وتضيق في حدود معيّنة، من غير أن يعني ذلك أنّ الإقبال على الفلسفة تعاظم أو تقهقر في أيّ حالٍ من الأحوال. ذلك بأنّ الاجتماع الإنسانيّ لا يطيق التكاثر العشوائيّ في حقول الدراسة الجامعيّة أو الانتشار الفطريّ في مواهب الإبداع، كأن يفوق عددُ الشعراء عددَ الأطبّاء والمهندسين، أو أن يتجاوز عددُ القضاة عددَ التجّار. لكلّ مهنة من المهَن ميدانها الحيويّ ومجال أثرها المدنيّ. ليست المجتمعات العربيّة بحاجة إلى أعداد عظيمة من الفلاسفة، بل إلى عقول مستنيرة تستصفي من جنى الفلسفة حكمة الحياة المستبصرة. أقول هذا، وفي ذهني أنّ دراسة الفلسفة في الجامعات اللبنانيّة والعربيّة ينبغي أن تعتصم بضمّةٍ من منهجيّات الاتّقاء والحذر والحيطة حتّى لا تسقط في محنة الخضوع لسلطان الرأي وهيمنة النفوذ ومنفعة الأنظومة.

الخلط بين الفلسفة والدفاع عن الإيديولوجيات الدِّينيّة والقوميّة والمنفعيّة
من أخطر المحَن التي تتربّص بدراسة الفلسفة الاعتقادُ السائد الذي يملي على الطالب أنّ تحصيله الجامعيّ هذا يتيح له أن يدافع عن التصوّر الدِّينيّ الذي يعتنقه، أو الإيديولوجيا السياسيّة التي يناصرها، أو الرؤية المنفعيّة التي يؤيّدها. لا يأتي الطالب إلى قسم الفلسفة من أجل التشدّد في مناصرة عشيرته، بل من أجل اكتساب منهجيّة النقد الموضوعيّ الذي يتيح له أن يفضح جميع الالتواءات والانحرافات والضلالات. ومن ثمّ، لا أجزم جزمًا حاسمًا أنّ مَن يدرس الفلسفة سيُسرّ بهذه الدراسة وينعم بالطمأنينة المطلقة، إذ إنّ السؤال الذي نعته الفيلسوف الألمانيّ هايدغر بتقوى الفكر ما برح شقاءَ الروح.
حين كنتُ على مقاعد الدراسة الجامعيّة في معهد القدّيس بولس للفلسفة واللاهوت (حريصا، كسروان)، كان بعضٌ من أساتذتي يروون لي قصص الذين أغرقوا في الإدمان على السؤال الفلسفيّ حتّى أرهقتهم المعاطاة الفكريّة وأوشكت أن تشلّ فيهم البصيرة. إذا تملّكت الفلسفة على ذهن الطالب من غير أن يدرك حقيقة مطالبها، أدخلته في غياهب الشكّ والاضطراب الوجدانيّ. لذلك غالبًا ما يظنّ الناس أنّ دراسة الفلسفة في الجامعة تهدِّئ من روعهم وتعيد لهم سلام النفس وهناء الروح. بيد أنّ السؤال الفلسفيّ يقع على التخوم الفاصلة بين السعادة والشقاء، إذ إنّه يقي الإنسان عذابَ الضلال الإيديولوجيّ، ولكنّه في الوقت عينه لا يجعله يظفر بطمأنينة الوجدان. في هذا السياق، لا بدّ من التذكير بأنّ الإيمان الدِّينيّ يمكنه أن ينتزع الإنسان من هذه التخوم وينقذه من محنة الارتياب الوجوديّ. ومع ذلك، ليس كلُّ إيمان بباعثٍ على الطمأنينة، إذ ينطوي على قدر خطير من القبول الفكريّ الاستسلاميّ، بحيث تأتي القفزة الإيمانيّة لتشفي الوعي الشقيّ من الارتباكات التي تستثيرها ألغازُ الكون الرحب وأسرارُ الحياة المقلقة. لكلّ امرئ، مع ذلك، الحقّ في اختيار الصراط الذي يستنسبه. الشرط الوحيد ألّا يُقهر العقلُ ويُذلّ الوعي ويهان الوجدان وتُعطَّل المعيّة الإنسانيّة المبنيّة على احترام كرامة الكائن الإنسانيّ وحرّيّته الثمينة.

الخلط بين الفلسفة والوجدانيّات: الفلسفة ليست تعبيرًا عن تلوّعات الوجدان الجوّانيّة
لا ريب في أنّ الإنسان، منذ نشأته الموهوبة وهبًا خالصًا، يُرمى في الكون الفسيح، مشبعًا بأسئلة الإرباك، تكتنف وعيَه هالةٌ من الغموض الخلّاق يحثّه على ابتكار ضروبٍ خارقة من التفكّر الفائق المبنيّ على اعتمالات الوجدان المتفلّت من كلّ رقابة عقليّة. يقينه في هذا كلّه أنّه يسير على خطّ الزمان المتعرّج، تتنازعه التباساتُ الوقائع المتدافعة في دبيب الحياة السارية في شرايين الوعي يمازجها شيءٌ من الخشوع أمام لغزيّة الكون الفسيح. إذا كان الأمر على هذه الحال، فإنّ دراسة الفلسفة في الجامعة تزيّن للطالب أنّه يستطيع أن يُفصح عن خفقان فؤاده وخلجات وجدانه واضطرابات وعيه، وكأنّ دراسة الفلسفة مسرحٌ تعبيريٌّ من مسارح الإفصاح عن مكتومات الحياة الجوّانيّة. أعتقد أنّ هذا التصوّر مبنيٌّ على فرضيّة خاطئة، إذ يظنّ طلّاب الفلسفة أنّ كلام هذا الفيلسوف أو ذاك عن معاناته الوجوديّة يخوّلهم أن يقتصروا في دراستهم على الجانب الحصريّ الضيّق هذا من الفلسفة. خلافًا لذلك كلّه، يَعلم الجميع أنّ الدراسة الجامعيّة ليست مراسًا إفصاحيًّا أو تمرينًا من تمارين معالجة الكبت النفسيّ. لكي ندرس الفلسفة، ينبغي أن نبذل الجهد الذهنيّ الصريح الذي يجعلنا ندرك أصول التفكير الموضوعيّ، وأحكام البناء المنهجيّ، ودقائق النظريّات والتصوّرات والرؤى. الفلسفة، في وجهٍ من وجوهها، عِلمٌ موضوعيٌّ، قبل أن تكون تفجّرًا جوّانيًّا تخوض الذات في أمواجه المتضاربة، ودأبُها الاسترخاءُ الانكفائيّ في ساحة العراء المتذبذب واللايقين الضبابيّ.

الخلط بين الفلسفة وتقنيات اكتساب السعادة والنجاح والشهرة
كذلك أعاين في الزمن الراهن بعضًا من مروّجي الفلسفة يحرّضون الناس على دراستها حتّى يتحصّلوا منها على ما به يشفون غليل الظمأ الكيانيّ ويفوزون بالسعادة الوجوديّة والنجاح المهنيّ والشهرة الشخصيّة. لا أظنّ أنّ الفلسفة تمنح طالبَها هبة السعادة، شأنها شأن أيّ علم من العلوم، إلّا إذا كان الطالبُ نفسُه قادرًا على استثمار جميع مكتسبات علومه والاستعانة بها في تدبير خطّة الحياة. ومع ذلك، أعتقد أنّ المكتسب الوحيد الذي يفوز به طالبُ الفلسفة يكمن في ضبط عمليّة التفكير العقلانيّ السليم. ذلك بأنّ الفلسفة تعالج اختلالات العقل الإنسانيّ وتمهّد للفكر سبيلَ التفحّص والاستقصاء والتحليل والمقارنة والاستنتاج. ومن ثمّ، فإنّها تهيّئ الإنسانَ لممارسة فعل التفكير السليم.
بيد أنّ المكتسب المنهجيّ هذا، على خطورته ومكانته البارزة، لا يزوّد الوعي أيَّ ضربٍ من ضروب المضامين الفكريّة التفصيليّة، ما خلا بعض المبادئ العقليّة الأساسيّة المقترنة بشرعة حقوق الإنسان، وفي مقدّمتها الاعترافُ بكرامة الكائن البشريّ وبحرّيّته، وكذلك بقيَم المساواة والعدل والتضامن ورعاية الحياة والتنوّع الكونيّ. لستُ أرى سببًا في اكتساب السعادة الشخصيّة إذا كان طالب الفلسفة لا يبتهج بما اكتسبه من قدرةٍ على التفكير السليم واقتناعٍ بصوابية هذه المبادئ والقيَم. ربّما وَجب القول إنّ الإنسان السعيد سعيدٌ في صميم كيانه، أي قبل دراسة الفلسفة وفي أثنائها وبعدها. أعرف أنّ المعرفة سعادةٌ بحدّ ذاتها، بمعزل عن حقول الدراسة الجامعيّة. غير أنّ طالب الفلسفة ينبغي أن يدرك خطورة هذه الدراسة التي تجعله يحفر في باطن الوعي وقعر الوجدان وقاع الذات، ويغوص على معاني الحياة، ويواجه أعتى الأسئلة المصيريّة. لذلك أحثّ طلّاب الفلسفة على اكتساب السعادة رغم الشقاء الفكريّ الذي يذوقون جميع ألوانه في دراسة النظريّات الفلسفيّة.

الخلط بين الفلسفة والرأي الخاصّ: الفلسفة ليست كلامًا حرًّا ذاتيًّا اعتباطيًّا في مسائل الوجود أمّا الخلط الأخير فأعتقد أنّه الأخطر على الإطلاق، إذ يوهم طالب الفلسفة أنّه، بمجرّد إقباله على تصفّح بعض كتب الفلسفة، يصبح مرجعًا معتمدًا في حلّ المسائل الفكريّة والوجوديّة العويصة. غير أنّ واقع الأمور يقتضي الكثير من الفطنة والدراية، إذ إنّ القاعدة الأساسيّة في دراسة الفلسفة الاعترافُ الصريح بأنّ الجهل أقومُ مسالك المعرفة. أجل، على قدر ما يتّضع طالبُ الفلسفة، يدرك أنّ الكينونة سرٌّ غامض، وأنّ الوجود مسرحٌ مظلم، وأنّ الحياة حقلُ ألغاز، وأنّ الإنسان إشكالٌ فوق إشكال. ومن ثمّ، ينبغي أن يُقرّ الطالب بأنّ المطلوب، في المقام الأوّل، فهمُ الفلسفة ميدانًا تخصّصيًّا قائمًا بحدّ ذاته، واستيعاب أنساقها ونظريّاتها في تقنياتها وآليّاتها ومقولاتها ومفاهيمها ومنهجيّاتها وأدلّتها. وهذا أمرٌ لا يقوى عليه أهلُ الكسل الذهنيّ أو أصحاب الخطابات الارتجاليّة الظرفيّة الرنّانة.
حقيقة الأمر أنّ رسالة الفيلسوف من أخطر المهمّات الملقاة على عاتق أهل الاستنارة. ذلك بأنّ الحرّيّة في الاجتماع الإنسانيّ لا تُفصل عن التفكير المستنير، بحسب ما ارتأى فيلسوفا مدرسة فرانكفورت النقديّة الألمانيّان ماكس هوركهايمر (1895-1973) وتيودور أدورنو (1903-1969) في كتابهما المشهور جدليّة العقل (ص 16). إذا كانت دراسة الفلسفة تستلزم ملَكة الفهم الصائب وقدرةً استثنائيّة من الذكاء التحليليّ التوليفيّ الابتكاريّ، فذلك لأنّ الفلسفة ليست مجرّد تأمّل انفعاليّ في عظمة الكون، بل قدرةٌ على تطوير مسالك الإبداع الفكريّ المألوفة. في هذا السياق، يجدر الاعتناءُ بما ساقه عالم الفيزياء البريطانيّ ديڤيد دويتش (1953-....)، في كتابَيه نسيج الواقع (Fabric of Reality) وبداية اللاتناهي (Beginning of Infinity)، بشأن أحكام الإبداع في إدراك طبيعة الكون والعالم والوجود والحياة، مُعلنًا أنّ أيّ نظريّة علميّة تروم الفهم المنصف ينبغي أن تنجح في بناء عمارة معرفيّة مستندة إلى أربعة ركائز إبّيستِمولوجيّة: القدرة على تفسير العوالم المتداخلة تفسيرًا مستلهَمًا من نظريّة الكمّ، استثمار إمكانات الدحض الذاتيّ في نظريّة كارل بوبر (1902-1994) العلميّة، الاستناد إلى القدرة الاحتسابيّة التي استخرجها عالم الرياضيّات البريطانيّ ألَن تورينغ (1912-1954) صاحب النظريّة الاحتسابيّة في صناعة الكومبيوتر، اعتماد مبدأ التوليف التطوّريّ الداروينيّ في نظريّة عالم البيولوجيا البريطانيّ ريتشارد دوكنز (1941-....). ذكرتُ الاجتهادات الألمعيّة هذه لأبيّن أنّ أيّ قول يسوقه الفيلسوف في مسألة الوجود ينبغي أن يتّسم بقدر عظيم من التواضع المعرفيّ، بعد أن يدرك ما ينطوي عليه الواقع من تشابك وتعقّد وتمنّع بنيويّ لصيق بكينونته العصيّة على الإمساك.

الفلسفة طبّ الوعي الثقافيّ الشامل: الفهم الثاقب والنظر الخلّاق والاعتراض الوجوديّ النقديّ البنّاء
هل نستطيع بعد اليوم أن نعتمد تعريف ابن سينا الذي رأى أنّ الفلسفة تضبط الوجود كلّه في قوالب المعرفة البشريّة؟ يكفي أن نقارن طموح هذا التعريف بالنظريّات الأربع التي ذكرتها حتّى نُصاب بالإحباط. ذلك بأنّ الفلسفة، في رأي صاحب كتاب الشفاء، "صناعةُ نظر يستفيد منها الإنسان تحصيلَ ما عليه الوجود كلّه في نفسه، وما الواجب عليه عملُه ممّا ينبغي أن يُكتسب فعله، لتشرف بذلك نفسه وتستكمل وتصير عالمًا معقولًا مضاهيًا للعالم الموجود، وتستعدّ للسعادة القصوى بالآخرة، وذلك بحسب الطاقة البشريّة". لم يعد يمكننا في الزمن الحاضر أن نُسند إلى الفلسفة مثل المهمّة المعرفيّة الشاملة هذه، إذ إنّ معارف القرن الحادي والعشرين، وقد اختزنها الذكاء الاصطناعيّ برمّتها وهيمن عليها هيمنةً فائقة الاقتدار، أضحت تتخطّى قدرات الفرد الإنسانيّ في أفق العمر المحدود، حتّى لو استخدم الفيلسوف كاملَ خلاياه الدماغيّة.
وعليه، نسأل اليوم: لماذا يقصد الطالب الجامعيّ أقسام الفلسفة في لبنان وأوطان العالم العربيّ؟ أعتقد أنّ التواضع العلميّ يقتضي أن نتخفّف من الغلواء الأكادِميّ ونعترف بأنّ كلّ إنسان يمكنه أن يستفيد من دراسة الفلسفة إذا استطاع أن يجتنب هذه المخاطر ويُعرض عن الإغراءات المعرفيّة القاتلة هذه. من الحكمة، والحال هذه، أن نستعيد التعريف الذي سمّى الفيلسوفَ طبيبَ الحضارات. ذلك بأنّ الفلسفة تعالج في المقام الأوّل الوعي الثقافيّ المعتلّ. ليس الفيلسوف طبيب الأبدان، ولا طبيب الأذهان، ولا طبيب الوجدان أو البواطن الشعوريّة. على قدر ما تعتصم الفلسفة باستثمار الطاقة النقديّة المعرفيّة والوجوديّة، وتسترشد بالمبادئ الأخلاقيّة الأساسيّة التي تُفصح عنها أجمل إفصاح شرعةُ حقوق الإنسان الكونيّة، تكفّ عن الادّعاء الغليظ الذي يخوّلها الإمساك بالمعرفة المطلقة.

إذا تبيّن أنّ الذكاء الاصطناعيّ يتجاوز قدرات البشر مجتمعين في اختزان كامل النظريّات المتعلّقة بجميع حقول المعرفة الإنسانيّة وتحليلها ومقارنة نتائجها بعضها ببعض، فإنّه ما برح عاجزًا اليوم عن اكتساب أمرَين أساسيَّين: الوعي النقديّ الذاتيّ، والمراس الوجوديّ الحياتيّ. كلا الأمرَين ضروريٌّ من أجل استقامة المسار الإنسانيّ الحضاريّ. ذلك بأنّ الذكاء المذهل هذا لن ينتقد إلّا بالاستناد إلى ما حفظه من مناهج النقد، في حين أنّ الفيلسوف يفاجئ الأنظومة الثقافيّة السائدة والنموذج المعرفيّ المهيمن والنظام الأخلاقيّ المعتمَد، فيقلب الأمور رأسًا على عقب ويأتيك بالجديد الفذّ الذي يطوّر الوعي والفكر معًا. حتّى اليوم تقتصر صلاحية الذكاء الاصطناعيّ على تطوير الفكر تطويرًا كمّيًّا. أمّا التطوير النوعيّ فما فتئ من صلاحية الوعي الإنسانيّ. لذلك ما انفكّت الفلسفة ضرورةً ثقافيّةً جليلة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق