تواجه ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، مفارقة فريدة: فرغم ارتفاع معدلات التوظيف إلى مستويات قياسية، فإن ساعات العمل في ألمانيا في أدنى مستوياتها على الإطلاق.

ولمعالجة هذه المعضلة، يسعى المستشار فريدريش ميرز إلى إيجاد سبل لتشجيع الألمان على العمل أكثر في مواجهة أزمة ديموغرافية وشيكة.

وفقا لتقرير  فاينانشال تايمز، بحلول عام 2035، سيتقاعد جزء كبير من القوى العاملة في ألمانيا – حوالي 4.8 مليون عامل مسن – ويتعين على حكومة ميرز الائتلافية وضع استراتيجيات لضمان أن تعوض الأجيال الشابة هذا النقص.

تأتي الحاجة إلى زيادة ساعات العمل كجزء من استراتيجية أوسع لمواجهة النقص المتوقع في العمالة في ألمانيا، والذي يحذر الخبراء من أنه قد يعوق النمو الاقتصادي للبلاد.

يؤكد اقتصاديون، مثل كليمنس فويست من معهد إيفو، أنه في حين أن خطة ميرز للإنفاق البالغة تريليون يورو، والمدفوعة بالديون، قد تعزز البنية التحتية، إلا أن ألمانيا بحاجة ماسة إلى الموارد البشرية – أي العمال الإضافيين.

معدلات التوظيف وأسابيع العمل الأقصر

غالبًا ما يُستشهد بسوق العمل الألماني كقصة نجاح. فمع توظيف 80% من السكان في سن العمل، تفتخر ألمانيا بأحد أعلى معدلات المشاركة في سوق العمل في العالم.

بالإضافة إلى ذلك، وصل إجمالي ساعات العمل في مختلف قطاعات الاقتصاد إلى مستوى قياسي جديد في عام 2024، ويعزى ذلك جزئيًا إلى تدفق العمال الأجانب، فعلى مدار العقد الماضي، تضاعف عدد العمال الأجانب في ألمانيا تقريبًا ليصل إلى 6.3 مليون. ورغم ذلك، انخفض متوسط ​​ساعات العمل لكل موظف بشكل ملحوظ.

تتميز ألمانيا الآن بأقصر أسبوع عمل متوسط ​​بين الدول الغنية، حيث يعمل العمال بمعدل يزيد قليلاً عن 34 ساعة أسبوعيًا – أي أقل بنسبة 7% من متوسط ​​الاتحاد الأوروبي. في المقابل، لا يزال الموظفون بدوام كامل في ألمانيا يعملون بمعدل 40 ساعة أسبوعيًا، وهو معدل أقل بقليل من أوائل التسعينيات.

يشير هذا التفاوت بين العاملين بدوام كامل والعاملين بدوام جزئي إلى مشكلة نظامية أكبر مرتبطة بتنامي القوى العاملة بدوام جزئي في ألمانيا، والتي تضاعفت أكثر من الضعف منذ التسعينيات.

شيخوخة السكان ونقص العمالة الوشيك

مع خروج جيل طفرة المواليد من سوق العمل، تواجه ألمانيا نقصًا وشيكًا في العمالة، لا سيما في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والهندسة. ويتوقع الخبراء أن يؤدي هذا النقص إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بنسبة تصل إلى 0.6 نقطة مئوية سنويًا.

في ظل هذه التوقعات المتشائمة، أعطى ميرز الأولوية لإيجاد حلول لعكس هذا الاتجاه، ومع ذلك، فقد ثبت أن هذا الأمر صعب في بلد يُعتبر فيه أسبوع العمل تقليدًا عزيزًا، ويواجه فيه العديد من العمال، وخاصة النساء، تحديات في الموازنة بين التزاماتهم الأسرية والعملية.

تحديات الأسرة والعمل

يُعد نقص رعاية الأطفال الكافية أحد أهم العوائق أمام زيادة ساعات العمل، وهو ما يؤثر على النساء بشكل غير متناسب. يرغب العديد من العاملين بدوام جزئي في ألمانيا في زيادة ساعات عملهم، لكن خيارات رعاية الأطفال غير الكافية أو باهظة الثمن تمنعهم من ذلك.

تُجسد تجربة إينا شميدت، وهي أم تبلغ من العمر 47 عامًا وتعمل في جناح نفسي للأطفال، هذه المشكلة، فرغم رغبتها في العمل 10 ساعات إضافية أسبوعيًا، إلا أنها لا تستطيع ذلك بسبب مخاوفها بشأن جودة وتوافر رعاية ما بعد المدرسة لابنتها.

أقرا أيضا.. اتفاق نووي مع إيران.. ترامب يسعى إليه والمعارضة تطالب بتفكيك برنامج طهران

الحلول المقترحة والعقبات السياسية

أقرت حكومة ميرز الائتلافية بخطورة الوضع، لكنها لم تُقدم خطة ملموسة بعد. وتشمل مقترحات زيادة ساعات العمل تقديم حوافز للألمان لتأجيل التقاعد أو زيادة ساعات عملهم.

مع ذلك، من المرجح أن تواجه هذه السياسات معارضة كبيرة، لا سيما بالنظر إلى تاريخ ألمانيا العريق في مجال حقوق العمال، والقيمة الثقافية الراسخة لجدول عمل متوازن بين العمل والحياة.

لم تحظَ بعض الحلول المُحتملة، مثل إلغاء العطلات الرسمية، بدعم يُذكر، على الرغم من أن الاقتصاديين يُشيرون إلى أن مثل هذه الخطوات قد تُضيف مليارات إلى الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا. إضافةً إلى ذلك، قد يكون رفع سن التقاعد القانوني وتعديل سياسات المعاشات التقاعدية فعّالاً، لكن من الناحية السياسية، تُعدّ هذه الأفكار مُعقّدة.

مسار مُعقّد للمضي قدمًا

تُمثّل مُكافحة ألمانيا لموازنة قوى العمل المُسنّة مع الحاجة إلى زيادة مُشاركة القوى العاملة مسألةً مُعقّدة تتطلب دراسةً مُتأنّيةً وشجاعةً سياسيةً. في حين تهدف مُقترحات ميرز إلى تعزيز الاقتصاد الألماني، لا يزال تحقيق دعم واسع النطاق لساعات العمل الأطول يُمثّل تحديًا كبيرًا.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط