العجز التجاري في لبنان: ما يدخل يخرج مجدداً ولا ضياع لرؤوس الأموال - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العجز التجاري في لبنان: ما يدخل يخرج مجدداً ولا ضياع لرؤوس الأموال - تكنو بلس, اليوم السبت 17 مايو 2025 09:12 مساءً

يشهد لبنان خللاً حاداً في توازنه التجاري، إذ تهيمن الواردات بشكل شبه كامل على المشهد الاقتصادي، في مقابل صادرات محدودة لا تكاد تُذكر.

 

هذا الخلل البنيوي ليس ظاهرة عابرة، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من السياسات الاقتصادية غير المستدامة، وتراجع الإنتاج المحلي، وتدهور الثقة بالبيئة الاستثمارية. في ظل الانكماش الاقتصادي الحاد الذي يعيشه البلد، أضحى العجز في الميزان التجاري عاملاً مركزياً يُسرّع من وتيرة الانهيار المالي ويزيد من هشاشة الوضع النقدي.

 

وتشير البيانات الإحصائية الصادرة عن المديرية العامة للجمارك، الجمعة 16 ايار/مايو، إلى تراجع في حركة التجارة الخارجية في لبنان سواء على صعيد الاستيراد أو التصدير لعام 2024 مقارنةً بعام 2023.

 

وبلغ العجز في الميزان التجاري للبنان عام 2024 نحو 14.194 مليار دولار، متراجعاً عن العجز الذي سجل في العام 2023 والذي بلغ 14.529 مليار دولار، أي بتراجع مقداره 335 مليون دولار.

 

مرفأ بيروت (وكالات).

 

" دليل استقرار"...
في تعليق على الأرقام، يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ "النهار" إنّ "التراجع في العجز التجاري بنسبة 2 في المئة يُعدّ طفيفاً نسبياً، وهو مؤشّر على نوع من الاستقرار"، مشيراً إلى أن "من بين الأسباب، موضوع الدولار الجمركي، وهو تقني بحت. فعندما تمّ تحديده على سعر 89,500 ليرة في عام 2024، دفع ذلك بعض التجار في عام 2023 إلى استباق القرار وزيادة استيرادهم".

 

ويؤكد أن "في بلد مثل لبنان، من الطبيعي والصحي أن يكون هناك عجز في الميزان التجاري"، موضحاً أن "البلد يشهد حركة سياحية قوية، ما يُدخِل كميات كبيرة من الدولارات، إلى جانب التحويلات الضخمة من المغتربين. وهذه المداخيل تُستخدم من المواطنين لاستيراد الملابس والمأكولات".

 

ويلفت إلى أنه "رغم وجود عجز في الميزان التجاري، إلا أن هناك، من جهة أخرى، فائضاً في مداخيل الدولار من خلال التحويلات والسياحة"، مشيراً إلى أن "العجز يُعبّر عن هذه التحويلات، فنحن نستورد أكثر مما نُنتج".

 

ويعتبر في هذا السياق، أن "أي تراجع في عجز الميزان التجاري سيكون سببه على الأرجح انخفاض التحويلات والسياحة"، ويرى أن "هذا يُعدّ مؤشّراً سلبياً على لبنان، لأنه يعني أن الشعب بات أفقر. لذلك، نحن نرغب في عجز كبير في الميزان التجاري يُعبّر عن دينامية اقتصادية ونموّ وقدرة على الاستهلاك".

 

ويؤكد  أن "العجز في الميزان التجاري يُعدّ مؤشّر غنى لا مؤشر فقر، لأنه يدلّ على قدرة لبنان على استيراد أفضل المنتجات".

 

الليرة اللبنانية مقابل الدولار (وكالات).

الليرة اللبنانية مقابل الدولار (وكالات).

 

"نقل المسؤولية ليس بمحله"...
وعن تأثير العجز في الميزان التجاري على الاقتصاد المحلي، يقول مارديني إنّ "انفتاح لبنان على التجارة الخارجية لا يؤدي إلى التضخّم، بل يسمح بشراء المنتجات بأسعار مقبولة".

 

ومن جهة أخرى، يوضح أن "عدم الانفتاح على التجارة الخارجية هو ما يؤدي إلى التضخّم وارتفاع الأسعار وظهور مشكلات اقتصادية"، لافتاً إلى أن "السبب الأساسي للتضخّم هو طباعة الليرة، وبالتالي فإن تحميل العجز في الميزان التجاري تبعة التضخم أمر في غير محله".

 

وحول مسألة إهدار العملات الصعبة، يوضح الخبير الاقتصادي أن "الدولارات التي يُدخِلها المغتربون تُستخدم في تمويل الاستيراد، من المواد الغذائية إلى الملابس وغيرها، ويمكن القول إن الأموال التي تدخل إلى لبنان هي نفسها التي تخرج"، مؤكداً أنه "لا يوجد إهدار للعملات الأجنبية، ولا خروج لرؤوس الأموال".

 

ويشدد على أن "لا مشكلة في العجز في الميزان التجاري الناتج من الحركة الاقتصادية الطبيعية في القطاع الخاص، بل هو دليل على الغنى"، موضحاً أن "المشكلة الفعلية تكمن في الموازنة العامة، إذ تقوم الدولة بالإنفاق من دون وجود إيرادات ضريبية حقيقية، وتموّل نفقاتها من مصرف لبنان، ما يؤدي إلى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات بشكل غير صحي".

 

وللحد من هذه الاختلالات، يرى مارديني أن "على الدولة اللبنانية الحفاظ على موازنة متوازنة"، لافتاً إلى أنه "يجب ضبط النفقات العامة، ولاسيما منها تلك الممولة من المصرف المركزي".

 

في نهاية المطاف، لا يُعدّ العجز في الميزان التجاري مؤشراً سلبياً بالضرورة، بل قد يعكس حيوية الاقتصاد من خلال قدرة الأفراد على الاستهلاك، مدفوعة بتحويلات المغتربين وعائدات السياحة. فالانفتاح على التجارة الخارجية يساهم في تأمين حاجات السوق المحلية بأسعار مقبولة، ما يخفف من الضغوط التضخمية.

 

في المقابل، تكمن التحديات الحقيقية في الاختلالات البنيوية للمالية العامة، إذ يؤدي الإنفاق غير المدعوم بإيرادات حقيقية إلى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات. لذا، فإن ضبط النفقات العامة واعتماد سياسة مالية متوازنة يشكلان شرطًا أساسيًا للاستقرار الاقتصادي والنقدي في المرحلة المقبلة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق