نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لبنان وجسر الحضارات: ويليام إدي وصدى لقاء الشرق والغرب - تكنو بلس, اليوم السبت 17 مايو 2025 10:06 صباحاً
المحامية ميرنا الحلبي
خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، توقّف مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمام صورة فوتوغرافية قديمة، ربما بدت للبعض كأنها مجرد توثيق لمحطة تاريخية، لكنها في الحقيقة تحمل في عمقها رمزًا لتلاقي حضارتين ورؤيتين للعالم.
الصورة التُقطت عام 1945، وجمعت الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن السفينة الحربية يو إس إس كوينسي، في لقاءٍ أسس لعلاقة استراتيجية ستصوغ توازنات القرن العشرين. بين الزعيمين، جلس رجل اسمه ويليام أ. إدي، لم يكن مجرد مترجم، بل كان همزة الوصل التي جعلت هذا اللقاء التاريخي ممكنًا، إنسانيًا وثقافيًا.
وُلد ويليام إدي في مدينة صيدا اللبنانية، من والدين أميركيين، وتربّى في مجتمع عربي متعدد الأديان والثقافات. منذ نشأته، تعلم أن الإيمان لا يُختزل في عقيدة واحدة، بل يُبنى على الفهم والانفتاح. أتقن اللغة العربية وأحبّها وجمع في قلبه ثقافتين: الإسلامية والمسيحية، وسخّرهما في خدمة التفاهم بين الشعوب، لا في تأجيج الصراعات بينها.
الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت
إدي لم يكن مترجم كلمات، بل مترجم قيم ورموز. حين جلس بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، لم ينقل الرسائل الحرفية فحسب، بل نقل روح كل طرف إلى الآخر، مع حرص على احترام المعتقد، والهوية، والتقاليد.
بعد مسيرته الدولية الحافلة، اختار ويليام إدي أن يعود إلى صيدا، ليرقد فيها إلى الأبد. لم يكن اختياره عبثيًا؛ فقد كانت صيدا في نظره نموذجًا حيًّا للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، وبين الشرق والغرب، ووجد ما آمن به طوال حياته: أن التنوّع ليس مصدر خلاف، بل مصدر غنى روحي وحضاري.
لطالما مثّل لبنان، رغم أزماته المتلاحقة، فسيفساء فريدة من التعددية الثقافية والدينية. هو الوطن الذي يضم الكنيسة إلى جانب الجامع، والمحبّة إلى جانب النقاش، والتاريخ إلى جانب الحداثة.
إن إرث إدي اليوم يعلّمنا أن بناء الجسور لا يكون بالمصالح وحدها، بل بالاحترام المتبادل، والمعرفة الصادقة، والانفتاح على الآخر دون خوف أو تعالٍ. وبينما يتراجع الحوار في كثير من مناطق العالم، يظلّ صدى هذا الرجل يتردد: في صور القادة، وفي أرشيفات التاريخ، وفي مقبرة هادئة في صيدا.
ولعلّ الرمزية الأعمق تتجلّى في عودة هذا المشهد التاريخي إلى الواجهة خلال لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث وقف زعيما قوتين رئيسيتين تمثّلان العالمين الإسلامي والمسيحي أمام الصورة التي وثّقت لحظة التأسيس الأولى لهذا الحوار العابر للحضارات. لم يكن وقوفهما أمام تلك الصورة مجرد تحية للماضي، بل تأكيدًا على أن العلاقة بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية لا تزال قائمة على إمكان اللقاء والتفاهم، متى توافرت الإرادة والرؤية.
هذا اللقاء بين زعيم يمثل أقوى دول الغرب المسيحي، وآخر يقود قلب العالم الإسلامي المعتدل الحديث، يعيد التأكيد على أن الحوار بين الشرق والغرب لا يزال ممكنًا، بل وضروريًا، إذا استند إلى جذور عميقة مثل تلك التي زرعها ويليام إدي: الاحترام، الفهم، والإيمان بأن الثقافة يمكن أن تكون جسراً بين الأديان والحضارات.
وفي ظل ما يشهده الشرق الأوسط اليوم من تحولات سياسية واقتصادية كبرى، تبرز الحاجة إلى إحياء الدور التاريخي للبنان كمنارة للتلاقي بين الشرق والغرب، ومختبر حيّ للعيش المشترك والتنوع الخلاق. فلبنان الذي أنجب شخصيات مثل ويليام إدي، يستطيع إذا ما استعاد توازنه ومكانته، أن يلتحق مجددًا بالمسار الإقليمي المتقدم، ويكون في طليعة الدول التي تعيد رسم مشهد التواصل الحضاري في العالم العربي، مستفيدًا من زخم الزيارات الدولية إلى الخليج، ومن أبرزها زيارة الرئيس الأميركي إلى السعودية ودول المنطقة التي تُعيد التأكيد على أن الحوار الحضاري ليس فقط ممكنًا، بل مطلوبًا وملحًا في زمن التحوّلات الكبرى.
0 تعليق