تنفذ مصر حاليًا واحدًا من أكبر مشروعات الاستصلاح الزراعي في تاريخها الحديث، مشروع “الدلتا الجديدة”، والذي يهدف إلى تحويل أكثر من 2.2 مليون فدان من الصحراء الغربية إلى أراضٍ زراعية منتجة، بما يعادل نحو 25% من إجمالي الأراضي الزراعية الحالية في مصر.

موقع جغرافي متميز

يقع مشروع الدلتا الجديدة غرب دلتا النيل، ويمتد عبر أربع محافظات هي الجيزة، والبحيرة، ومطروح، والفيوم، على مساحة تُقدّر بنحو 9240 كيلومترًا مربعًا.

ويحظى المشروع بموقع استراتيجي قرب محور “روض الفرج – الضبعة” الجديد، مما يتيح ربطًا مباشرًا بشبكة الطرق القومية والموانئ البرية والبحرية مثل الإسكندرية ودمياط والسخنة، بما يسهم في تسويق الإنتاج محليًا وعالميًا عبر محاور لوجستية حديثة.

تنمية عمرانية في قلب الصحراء

يتضمن المشروع إنشاء قرى زراعية ومدن متكاملة جديدة على رأسها مدينتي “جريان” و”سفنكس”, بهدف تخفيف الكثافة السكانية في دلتا النيل، وتحقيق تنمية عمرانية متوازنة، إلى جانب تطوير الصناعات الزراعية في المناطق الجديدة.

استدامة الموارد المائية

يعتمد المشروع الجديد على الاستخدام الآمن والمستدام للموارد المائية، من خلال “محطة الحمام” والتي تعد أكبر منشأة لمعالجة مياه الصرف الزراعي في العالم، بطاقة تصل إلى 7.5 مليون متر مكعب يوميًا تمثل 5% تقريبًا من حصة مصر في مياه النيل، تم إنشاؤها على مساحة تتجاوز 320 ألف متر مربع. تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

يعتمد مشروع الدلتا الجديدة على استخدام مزيج من مياه الصرف الزراعي المعالجة ثلاثيًا والمياه الجوفية ومياه النيل القادمة من وصلة رشيد، مع مراعاة استدامة الخزانات الجوفية، لتأمين احتياجات الري دون الضغط على مياه النيل. وقد دخلت المحطة موسوعة غينيس للأرقام القياسية بأربعة أرقام عالمية، من بينها أكبر سعة معالجة في الثانية وأكبر مساحة منشأة معالجة مياه في العالم.

بنية تحتية ضخمة

شبكات الري والمياه

يشمل المشروع إنشاء “ترعة الحمام الجديدة” بطول 170 كم لنقل مياه الصرف الزراعي إلى محطة “الحمام” بطاقة 7.5 مليون م³/يوم، إلى جانب 13 محطة رفع رئيسية، وآبار من طبقات إيوسين وميوسين ومغرة، وفق ضوابط استدامة المياه.

البنية التحتية الداعمة

تشمل تنفيذ شبكة طرق بطول 500 كم داخل المشروع، إضافة إلى محور الضبعة (120 كم)، إلى جانب محطتين كهرباء بقدرة 350 ميجاوات لكلٍ منهما، ومناطق صناعية ومخازن ومحطات تغليف وتعبئة.

مشروعات صناعية

المنطقة الصناعية اللوجستية داخل مشروع الدلتا الجديدة تهدف إلى تعظيم القيمة المضافة من المحاصيل الزراعية. تضم مصانع لتجفيف الفاكهة وتصنيع العصائر والزيوت، بجانب مركز لوجستي لتخزين وشحن المنتجات.

القوات الجوية الجهة المنفذة

تُشرف وزارة الزراعة على المشروع، ويقوده على الأرض “جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة” التابع للقوات الجوية.
كما تشارك في التنفيذ الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. إلى جانب شركات مقاولات مصرية كبرى مثل أوراسكوم، متيتو، المقاولون العرب، وحسن علام، بدعم من هيئات حكومية أخرى في مجالات الثروة الحيوانية والصرف الصحي.

استثمارات مليارية

قُدرت التكلفة الإجمالية للمشروع في 2023 بنحو 660 مليار جنيه، تشمل استصلاح الأراضي، حفر الآبار، إنشاء شبكات المياه والكهرباء، وتوفير البنية التحتية والخدمات.
ويعتمد التمويل على موازنات الدولة وقروض التنمية، بالإضافة إلى تسهيلات بنكية، دون الإعلان عن مساهمات أجنبية مباشرة حتى الآن.

التضاريس المرتفعة تفرض تحديات هندسية في مشروع الدلتا الجديدة

واجه مشروع “الدلتا الجديدة” تحديات هندسية معقدة نتيجة وقوع أجزاء كبيرة من أراضيه على منسوب مرتفع مقارنة بمصادر المياه، ما استلزم إنشاء محطات رفع عملاقة لضمان وصول المياه إلى الأراضي المستصلحة. ولتجاوز هذا العائق، أنشأت الدولة محطة معالجة ورفع “الحمام” كأكبر محطة من نوعها في العالم بطاقة 7.5 مليون متر مكعب يوميًا، إلى جانب تنفيذ شبكة قنوات ضخ تمتد عبر تضاريس صحراوية وعرة. ويُعد التغلب على هذه الصعوبات أحد أبرز إنجازات المشروع، الذي يُنفذ في بيئة صحراوية وتربة فقيرة تتطلب معالجات خاصة وتحسينات عضوية لتحقيق إنتاج زراعي مستدام.

الدلتا الجديدة تُضيف 23% إلى الرقعة الزراعية في مصر وتُعزز الأمن الغذائي

يُعد مشروع “الدلتا الجديدة” نقلة نوعية في قطاع الزراعة المصري، إذ يضيف وحده نحو 2.2 مليون فدان إلى الرقعة الزراعية التي تُقدّر بحوالي 10 مليون فدان، أي ما يعادل 23% زيادة صافية في المساحة المزروعة على مستوى الجمهورية. ومن شأن هذا التوسع أن يُسهم بشكل مباشر في زيادة إنتاج المحاصيل الاستراتيجية، وتقليل فجوة الاستيراد، وتعزيز الأمن الغذائي لملايين المصريين، خاصة مع تبني نظم زراعة حديثة وترشيد استخدام المياه لتحقيق أقصى إنتاجية ممكنة.

مطار سفنكس.. بوابة الدلتا الجديدة إلى الأسواق العالمية

يبرز مطار سفنكس الدولي كبوابة لوجستية محورية لخدمة أكبر توسع زراعي تشهده مصر منذ عقود. حيث يقع المطار على مسافة قريبة من أراضي المشروع، ما يجعله منصة استراتيجية لتصدير المحاصيل الزراعية الطازجة إلى الأسواق الأوروبية والخليجية، خاصة المنتجات سريعة التلف. كما يسهم المطار في تسهيل حركة المستثمرين والخبراء، ونقل المعدات الزراعية والتكنولوجيات الحديثة، ويُعزز من التكامل بين الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية عبر ربطه المباشر بمحور الضبعة ومجتمعات الإنتاج غرب الدلتا.

محطة “سفنكس” للقطار السريع تربط الدلتا الجديدة بالموانئ

كما يجري تنفيذ محطة “سفنكس” ضمن محطات الخط الأول للقطار الكهربائي السريع في مصر، لتمثل نقطة ارتكاز استراتيجية لربط مشروع “الدلتا الجديدة” الزراعي العملاق بالموانىء على البحرين الأحمر والمتوسط، ما يعزز من قدرتها على نقل العمالة والمحاصيل.

حيث تساهم المحطة في تسهيل حركة التجارة والبضائع من المناطق الزراعية والصناعية إلى موانئ السخنة والإسكندرية والدخيلة، ما يدعم سلاسل الإمداد والتصدير ويرفع كفاءة الخدمات اللوجستية، في إطار الرؤية الأوسع للربط بين العمران والزراعة والنقل والموانئ عبر شبكة القطار الكهربائي السريع.

مزرعة مصر السعيدة تنمو في قلب الصحراء

تنفذ مصر في “الدلتا الجديدة” مشروعًا زراعيًا متكاملًا أشبه بلعبة “المزرعة السعيدة”، حيث تُستصلح الأراضي الصحراوية وتُحيط بها مصانع غذائية وصوامع حديثة، لتحويل كل محصول إلى منتج نهائي: البطاطس إلى “نصف مقلية”، والبنجر إلى سكر، والرمان إلى عصير، والخضر إلى منتجات مجمدة.

ومن قلب المشروع، تنطلق المنتجات عبر مطار سفنكس ومحطة القطار السريع إلى ميناء الإسكندرية والتصدير للأسواق العالمية، بينما تُبنى مدينتا “سفنكس” و”جريان” لإسكان العمال وتوطين الحياة.

اقرأ أيضا.. المنطقة اللوجستية بـ”الدلتا الجديدة”.. مركز إقليمي عالمي للتصنيع والتخزين

الدلتا الجديدة مشروع عملاق بحجم دولة جديدة في قلب الصحراء.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط