عادة لبنانية سيئة جداً ومخجلة - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عادة لبنانية سيئة جداً ومخجلة - تكنو بلس, اليوم الخميس 15 مايو 2025 03:23 صباحاً

ليست السياسة وممارساتها والفساد وسوء الإدارة والمحاصصة وتغلغل الطائفية والمذهبية في كل مفاصل الدولة الأمراض الوحيدة التي يعاني منها لبنان، بل لعلها كلها قد تكون نتيجة لمشكلة أعمق يمكن وصفها بأنها أزمة وعي وأخلاق ومعرفة. وليست المسؤولية على الطبقة السياسية أو على الدولة ككيان ناظم للمجتمع وحياته فحسب، بل هي مسؤولية المواطن على حد سواء.

 

تطالعنا بشكل متكرر أخبار عن سقوط ضحايا، قتلى وجرحى، وتضرر ممتلكات بفعل الرصاص الطائش، وهو في الحقيقة ليس طائشاً، بل يرقى إلى حد وصفه بالجريمة المتعمدة لأن مطلق الرصاص في المآتم والأفراح والمناسبات السعيدة وغير السعيدة، وآخرها "الانتصارات" العظيمة في الانتخابات البلدية والاختيارية، يعرف أن رصاصاته ستسقط على رأس أحد أو على سيارته أو على نافذة منزله، وقد تكون قاتلة أو حارقة. وآخر الضحايا طفل في الشمال قتلته رصاصة مجرم كان يحتفل بفوز تافه في انتخابات قائمة على عصبيات، إما طائفية، وإما عائلية. وإصابة آخرين في المنطقة ذاتها في اشتباك طائش بسبب الخلافات البلدية، ونجاة الإعلامية ندى اندراوس من رصاصة سقطت على سيارتها أثناء قيامها بعملها في تغطية الانتخابات نفسها التي كان مطلق الرصاص يحتفل بفوز مرشحه الأمي بعضوية مجلس بلدي يشبهه. 
ما السحر الذي يمارسه الرصاص على مطلقيه ليشعروا بحال من النشوة و"العظمة" عندما يسمعون أزيز الرصاص يلعلع في السماء قبل ان يسقط على رؤوس عديمي الحظ ممن تختارهم الرصاصة ضحايا لها؟ إنه بالتأكيد سحر أسود جاهلي وعلى صلة وثيقة بالتخلف.

 

إطلاق الرصاص في المناسبات عادة متأصلة، وإن تكن حديثة نسبياً، فهي مرتبطة بانتشار السلاح بين أيدي الناس، وليست معروفة بشكل واضح بداية انتشارها، ولعل مبتكرها أراد إثبات وجوده وقوته وسطوته عبر إبراز سلاحه القاتل، أو استخدمت للتحذير والإبلاغ على غرار ما كانت تفعله أبراج النار. استخدم إطلاق الرصاص في المناسبات للتعبير عن الابتهاج أو عن الحزن، للفخر وإثبات الوجود، وأيضاً للتهديد غير المباشر للآخرين. زخات الرصاص بملايين الطلقات عند ظهور الزعماء وتشييع الشهداء محملة بدلالات هي أبعد من إبداء الفرح والفخر أو الحزن، هي رسائل واضحة إلى الآخرين في البلد. الإطلاق "المنظم" والمقصود للرصاص ليس دائماً عفوياً وطائشاً وجاهلاً. المشكلة الكبرى أن السلاح الطائش محمي غالباً من قوى سياسية وحزبية. تشترك في ذلك كل الطوائف بأحزابها وقواها، وإن بنسب متفاوتة. 

 

لم تنجح الدولة اللبنانية، حتى عندما كانت هناك دولة فعلاً، في القضاء على هذه الآفة، كانت هناك دائماً "جيوب" عصية على الدولة و"محميات" لا تصل إليها دوريات الدرك أو مفارز الاستقصاء والاستخبارات، رغم أن مطلقي النار معروفون بالاسم لدى السلطات. في الحوادث الأخيرة في الشمال أوقفت مجموعة من مطلقي الرصاص وصودرت أسلحتهم، لكن مثل هذا الإجراء يبقى محدوداً تجاه اتساع الظاهرة، خصوصاً أن هناك مناطق يطلق فيها الرصاص بشكل متكرر وعلني وفي وضح النهار ولا من يجرؤ على توقيفهم. الحقيقة مرة لكن الواقع هو هكذا.

 

ينشر بعض الشبان صوراً لهم في مواقع التواصل الاجتماعي وهم يتدربون على الرماية وإطلاق الرصاص متباهين بسلاحهم وبـ"مواهبهم" ، فهل تلاحقهم الدولة؟
عندما تتراجع هيبة الدولة وسلطتها، تتقدم سطوة الخارجين عن القانون من قتلة ولصوص وعصابات وفاسدين ...وغيرهم من المنحرفين وشذاذ الآفاق ومن يحميهم من نافذين ومتواطئين ومرتشين من داخل الدولة نفسها.

 

إذ تعود الدولة إلى بسط سلطتها ولو تدريجياً، تبرز معالجة مسألة إطلاق النار المناسباتي ملحة بعدما بلغ السيل الزبى ولم يعد مسموحاً استمرار مسلسل القتل الأعمى، ومسؤولية الدولة توازيها، إذا لم تفُقها، مسؤولية الأحزاب والقوى السياسية التي تحمي مطلقي الرصاص أو تزودهم به. هناك وسائل أخرى محترمة وشرعية لإظهار القوة غير هذه الوسيلة القبيحة والإجرامية.

 

تنتهي الظاهرة عندما تحزم الدولة أمرها وتعدل قوانينها باتجاه تشديد العقوبات على مطلقي الرصاص واعتبارهم مجرمين قتلة، أصابت رصاصاتهم أحداً أو لم تصب، وليسوا مجرد جهلة لا يعرفون ما يفعلون.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق