في عصر العمل عن بُعد وتغير أنماط الحياة، برز مصطلح "البدو الرقميين" ليصف أولئك الذين يعملون عبر الإنترنت بينما يتنقلون بين الدول والمدن حول العالم. لم تعد المكاتب التقليدية مرتبطة بمكان، بل أصبحت شاشة حاسوب وسرعة إنترنت مناسبة. ومن هنا، ولتلبية هذه الفئة المتزايدة من المهنيين، ظهرت فكرة تأشيرة البدو الرقميين، وهي نوع جديد من التأشيرات يهدف إلى تنظيم إقامة هؤلاء الأشخاص وتمكينهم من العمل عن بعد بشكل قانوني من بلدان متعددة. هذه التأشيرة ليست فقط فرصة للمسافرين، بل تمثل أيضًا موردًا اقتصاديًا جديدًا للدول المستقبلة.

تأشيرة البدو الرقميين هي تصريح إقامة رسمي تمنحه بعض الدول للأشخاص الذين يعملون عن بُعد لحساب شركات أجنبية أو لحسابهم الشخصي، بشرط ألا يزاولوا أعمالاً داخل السوق المحلي للدولة المضيفة. تم إطلاق هذه المبادرة استجابة للتغيرات العالمية في سوق العمل بعد جائحة كورونا، حيث أصبح العمل عن بعد نمطًا سائداً في العديد من القطاعات، من التقنية إلى التسويق والكتابة والبرمجة.

الهدف من هذه التأشيرة هو جذب أصحاب المهارات والمداخيل المستقرة للإقامة المؤقتة، مما يُنشّط الاقتصاد المحلي دون الحاجة لإدماجهم في سوق العمل المحلي أو منافسة السكان المحليين على الوظائف. كما تسمح هذه التأشيرة للأفراد بتجربة العيش في بيئات جديدة دون الحاجة إلى التحايل على قوانين السياحة أو الهجرة.

الدول التي تقدم هذه التأشيرة والشروط العامة للحصول عليها

بدأت دول مثل إستونيا، البرتغال، جورجيا، كرواتيا، إندونيسيا (بالي)، والإمارات العربية المتحدة (خاصة دبي) في تقديم تأشيرات مخصصة للبدو الرقميين، تختلف من حيث المدة والشروط. ومع ذلك، هناك معايير مشتركة بين أغلب هذه الدول:

المدة تتفاوت من دولة لأخرى، إذ تمنح بعض الدول تأشيرة لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد، بينما تتيح دول أخرى الإقامة لمدة تصل إلى عامين. من الملفت أيضًا أن بعض الدول تقدم حوافز إضافية مثل الإعفاءات الضريبية، أو خدمات مخصصة للبدو الرقميين مثل مساحات العمل المشترك، وفعاليات للتواصل المهني والاجتماعي.

لماذا تُعد هذه التأشيرة مهمة ولماذا يتزايد الإقبال عليها؟

تكمن أهمية تأشيرة البدو الرقميين في كونها تمثل حلاً قانونيًا ومرنًا لفئة متنامية من العاملين الذين يرفضون أن يُقيّدوا بمكان واحد. فهي تمنحهم الحرية في اختيار بيئة المعيشة التي تناسب نمط حياتهم، سواء كانت جزيرة هادئة، مدينة مزدحمة بالحياة الثقافية، أو وجهة اقتصادية بأسعار معقولة. كذلك، تمكّنهم من العيش بشكل قانوني دون الخوف من تجاوز فترات الإقامة السياحية أو مخالفة قوانين العمل المحلية.

بالنسبة للدول المستضيفة، فالتأشيرة تجلب عائدات من خلال الإيجارات، المصاريف اليومية، الرسوم الإدارية، دون الضغط على الخدمات العامة مثل التعليم أو الصحة. ولذلك، لا عجب أن نرى دولًا تتنافس اليوم لتسهيل إجراءات الحصول على هذه التأشيرة وجذب البدو الرقميين عبر حملات تسويقية ذكية.

تمثل تأشيرة البدو الرقميين نقلة نوعية في عالم السفر والعمل، وجسرًا جديدًا يربط بين الإنتاجية والحرية الجغرافية. سواء كنت مستقلًا تبحث عن ملاذ جديد، أو شركة تسعى لمنح موظفيها مرونة أكبر، فإن هذا النوع من التأشيرات قد يكون المفتاح لعصر جديد من التنقل الذكي والعمل بلا حدود.