نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مؤامرة الفن المعاصر بقلم ماريو فارغاس يوسا - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 12:28 مساءً
التقديم والترجمة للفنان المصري الكبير عادل السيوي
تقدم "نظرية المؤامرة" كمصطلح، عنوانا سهلا لمن يرى أن ما يطرح نفسه بقوة ويلاقي رواجا. لا يستند الى قيمة او قوة ذاتية حقيقية، والكثير مما ينتشر الان بالفعل لا يجد مبررا لدى الكثيرين سوى انه احد تجليات المؤامرة. الغريب ان نطرية المؤامرة تتسلل أحيانا الى عقول مبدعين كبار. ولم أكن اتوقع من أديب في حجم ماريو فارغاس يوسا الذي حاز جائزة نوبل 2010، أن يتبنى هو أيضا هذه الطريقة في النظر، فأنا مولع به ككاتب وكمثقف رفيع في الآن نفسه، وهو أديب عظيم مهموم بالفن وتحولاته. واتذكر انه غامر في روايته الرائعة "في مديح الخالة"، ببناء جسور مدهشة بين عالمين: عالم بصري وعالم سردي، فكل فصل موصول بلوحة فنية، يكتشف ببراعة طريقة الحكي والعوالم المرتبطة بها، ويختار لخاتمة روايته لوحة تجريدية تماما.
يبدأ فارغاس يوسا نصه عن مؤامرة الفن المعاصر بمشهد روائي فى متحف بلندن، حيث ينظر كاتب كبير بريبة الى عمل فني، ويتلصص على حديث معلمة جميلة وعلى ردود فعل تلاميذها الذين تحلقوا حول ذلك الشىء الذي اعتبرته جديرا بالتأمل. كتب يوسا هذا النص في لندن سنة 2016. أي بعد أن قطعت ظواهر الفن المعاصر رحلة لا بأس بها، وكانت قد توصلت في السبعينات الى عنوان يخصها، فلم يعد ما بعد الحداثة مصطلحا لائقا بطموحها، لم تقبل المعاصرة بأن توصف كتابع لزلزال الحداثة. وأصرت على الاستقلال تحت عنوان حصري يخصها وحدها. اختار يوسا الا يساير اي ركب، وتفادى المصطلح بعبارة تخصه وهي: "فن أيامنا هذه". والرجل يشك في قدرة الأعمال المعاصرة على الدفاع عن نفسها بمفردها، وكأن الشروح والتفسيرات هي وحدها ما يصنع القيمة.
إخلاص المعلمة وحماستها، وبراءة الأطفال وهم يتفاعلون مع ذراع المكنسة، جعلت الكاتب يتساءل: هل ستقوم هذه السيدة الجميلة بحشو رؤوس هؤلاء الصغار أيضا بالأكاذيب، وهل يجب أن يفتعلوا هم أيضا قيمة لما لا قيمة له؟ هل تدفعهم الى المشاركة في تجسيد الوهم، وهم النوعية والتجديد؟ إنه خلل كبير ومسؤولية كبيرة أيضا. يوسا يرى، وهنا تتضح قيمة نصه هذا. إن ما يحدث داخل المجال الفني، هو انعكاس لخلل في مجال أوسع، وهو المجال السياسي، حيث تتعارض السياسات الراهنة مع فاعلية النخب، تلك النخب التي كانت في الماضى تتصدى للرداءة والتفاهة وتوقف زحفهما، وترفض هيمنة منطق السوق على ابداعات الروح. هذا التعارض بين فاعلية النخب الأصيلة والسياسات العولمية، يهددنا إنسانيا لأنه يضعف قدرتنا على الفرز والاختيار وعلى إدراك مواقع القيمة الفنية الحقيقية.
ينبهنا يوسا الى ملمح مؤرق وحقيقي، ألا وهو عملية إغراق الأعمال الأصيلة، بفيض من الأعمال السطحية الضخمة والصاخبة والمستفزة، بحيث تختلط القيمة، ويصبح من الصعب فصل ما هو معاصر بامتياز عن البضاعة الرائجة الزائفة. العمل الذي شاهده يوسا هنا، مفتوح بلا جدال لقراءات عديدة، فهو يحيل المكنسة وما ترتبط به من تعامل مع الأوساخ والاتربة والجهد والتعب النسائي المنزلى، بعد أن نزع عنها أليافها، الى شيء لطيف ملون وخفيف، غير مؤهل للقيام بأي دور، ولكن الفنان أسند الذراع كالمعتاد الى الجدار، وكأنها لا تزال تقوم بدروها القديم كأداة منزلية. لم يقبل يوسا الدخول حتى ولو من باب السخرية الى تداعيات العمل، لأنه في النهاية ينحاز الى اختيارات فنية يحترمها، ولا يقبل بتأمل الأعمال التي لا توافق ذائقته.
بدأت المعاصرة رحلتها بنفس ثوري، رافضة الخضوع لهيمنة أي سلطة، بما في ذلك سلطة الغاليري والمتحف والناقد...الخ، وكانت تجربة الحداثة قد فقدت بفعل الحرب العالمية الثانية الكثير من صدقيتها، إذ لم يعد الرهان على التقدم أمرا مقنعا، والتقدم هو الرافعة التي اعتمدتها الحداثة في مشروعها الطليعى. انطلقت المعاصرة من شكوك عميقة في التجربة الانسانية كلها على بعضها، ولم تنل نصيبها من ذلك التفاؤل. ولكن هذه الروح الرافضة قطعت رحلة عبر العقود في مسار مقوس، وصل بها الآن الى الاستسلام لمقررات وشروط عالم الفن الذي رفضت سطوته في البداية، والذي تتحكم فيه مؤسسات كبرى وشخصيات نافذة ويحكمه في المقام الأول منطق الترويج والسوق، بعيدا من أي محاولة للحديث عن الموقف، أو النوعية، أو الدور، أو حتى عن القيمة الفنية.
المدافعون عن رهانات المعاصرة لا يقدمون لنا فى الغالب مادة فنية أو نظرية مقنعة، لكنهم يهزمون خصومهم عمليا بالحضور الصاخب والشهرة والسوق، بينما يتمسك الذين يشككون في منتجها بقيم الحداثة، وأحيانا بما قبلها. وربما يدافعون عن أفكار لم تعد غالبا قادرة على الصمود أمام المتغيرات التي اقتحمت الثقافة الانسانية، محافظين الى حد بعيد، يتقادم صوتهم، ويساهمون بدورهم في إحكام عزلتهم داخل دوائر التحسر على الماضى الاصيل. ولكن على الجانب الاخر، تتولد الاسئلة حول ما تقدمه لنا المعاصرة. فهل ستواصل االرهان على اللافت والصاخب والضخم، او في عبارة اخرى تضخيم المثير وكل ما يحدث فعلا آنيا لدى المشاهد؟ وهل ستظل منحازة الى ما يتم تدويره وتسويقه بسهولة؟ أم أنها قد استهلكت الان كل حيلها، وتركت الباب مفتوحا لبدائل انسانية أكثر تماسكا؟ فارغاس يوسا يرى للأسف اننا سنقف طويلا أمام ذراع المكنسة هذه، فليست هناك الآن في واقعنا المعاصر قوة قادرة على وقف هذه الموجة من السطحية والافتعال الفخورة بذاتها.
***
كي أنسى البركست (مصطلح مختصر يشير الى خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي)، قررت أن أذهب للتعرف الى مبنى متحفTATE MODERN "تيت مودرن" الجديد في لندن. وكما توقعت، وجدت نفسي في موقع يمجد ويقدس حضارة الاستعراض. وكان المبنى المضاف حديثا يحقق نجاحا كبيرا، وامتلأ المتحف بالزوار، برغم أن اليوم كان يوم عمل عاديا وليس عطلة. كثير من السياح ، ولكن الغالبية كانت من الانكليز، وقبل كل شيء من بين الشباب. في الطابق الثالث وفي إحدى قاعات العرض الكبيرة والأكثر إضاءة، كانت ذراع اسطوانية تستند الى الحائط، من المحتمل أن تكون ذراع مكنسة، نزع عنها الفنان ليفها الطبيعي أو المصنوع من البلاستيك، وهو العنصر الضروري لها كي تؤدي وظيفتها، بوصفها أداة يومية للإستخدامات المنزلية. بعد نزع ألياف المكنسة، قام الفنان بتلوين الذراع بعناية ودقة بالأخضر والأزرق والأحمر والأسود في سلاسل متكررة، متبعا تقريبا الترتيب اللوني نفسه، وهكذا تمت تغطية ذراع المكنسة بالكامل. وامتد مستطيلٌ صُنع من الحبال ليحيط بذراع المكنسة هذه، ويمنع المشاهدين من لمسها أو الاقتراب منها كثيرا. كنت مستغرقا في تأمل هذا الشيء، حين وجدتني محاطا بمجموعة من التلاميذ والتلميذات في زيهم المدرسي الأزرق. هم بلا شك أطفال مرفهون من أبناء العائلات الثرية، ومن يملكون القدرة على إلحاق ابنائهم بالمدارس الخاصة، والذين قررت معلمتهم ذات يوم اصطحابهم الى المتحف، لتعريفهم بالفن الحديث.
كانت المعلمة تقوم بمهمتها بحماسة وذكاء وعن اقتناع تام. رشيقة القد لها عينان تبرقان بالحيوية، تتكلم الانكليزية بوضوح وتمكن المعلمة الواثقة. بقيت في مكاني وسط هذا الحشد، مدعيا الاستغراق، وكأنني مأخوذ بتأمل ذراع المكنسة، ولكنني كنت في الواقع مشغوفا بسماع ما تقوله المعلمة. كانت تستعين في مهمتها هذه ببعض النقاط التي تم تحضيرها وتدوينها بجدية ومعرفة مسبقة بلا جدال. قالت المعلمة لتلاميذها: إن هذه المنحوتة أو هذا الشيء المادي الذي يتأملونه كموضوع جمالي، ينتمي أو يجب وضعه ضمن فصيل فني خاص، ألا وهو الفن المفاهيمي، وذلك ضروري لكي يتم تناوله وتقديره على النحو الصحيح.
ما هو الفن المفاهيمي؟ إنه فن مصنوع من المفاهيم، من الأفكار، في عبارة أخرى يمكن أن نقول إنها أعمال فنية تسعى في المقام الأول الى إثارة ذكاء وخيال من يشاهدها، قبل أن يتمكن عبر حواسه من التمتع باللوحة أو المنحوتة أو التجهيز الفني الذي يقف أمامه، ويشاهده بعينيه. بكلمات أخرى، إن هذا الشيء الذي يرونه، وهو مركون على الحائط، ليس مجرد يد مكنسة خشبية تم تلوينها بألوان مختلفة، وانما هو نقطة إنطلاق، هو جسر سينقلنا لنصل الى شيء ما، شيء سيصنعونه هم معا، ويجب عليهم اكتشافه، أو من الأفضل أن نقول يتعين عليهم البحث عنه واستخراجه وإظهاره، وذلك عبر خيالهم، وقدراتهم الإبداعية. لننظر إذن الى هؤلاء التلاميذ، لنعرف مًن بينهم تفاعل مع العمل وقاده ذلك لأن يقترح شيئا ما.
استمع الأولاد والبنات الى المعلمة بكل اهتمام، ولكنهم كانوا يتبادلون النظرات والضحكات أيضا.
قطع الصمت الطويل الذي امتد بعد السؤال، طفل ذو وجه منمش وشعر أحمر، وجهه يشى بالدهاء واللماحية: "الا يمكن يا سيدتي أن تكون تلك هي ألوان قوس قزح؟ جميل... ولِمَ لا؟ هكذا أجابت المعلمة بحذر. هل هناك أي انطباع أو ملحوظة أخرى؟ صمت جديد، ضحكات قصيرة، ووخزات كوع. "هاري بوتر كان يطير ممتطيا مكنسة تشبه هذه التي نراها الآن"، همست طفلة بهذه الكلمات، وكان وجهها يحمر مثل الجمبري. قهقهات يتم كتمها بصعوبة، ولكن المعلمة أظهرت رفضها لذلك محتفظة برقتها وتمكنها: "كل شيء ممكن، ليس هذا أمرا مضحكا. من الممكن أن يكون الفنان قد استلهم شيئا ما بالفعل من قصة هارب بوتر، مَن يمكنه أن ينفي ذلك. ولكن أرجو الا تختلقوا انطباعات فقط من أجل المشاركة. ارجوكم التركيز فى الشيء الجمالي الموضوع أمامكم، واسألوا أنفسكم ماذا يخبئ هذا الشيء داخله، ما هي الأفكار والمفاهيم التي يمكن أن تخرج منه، ويكون لها علاقة ما بأشياء ووقائع تتذكرونها، وما هي الأفكار التي يمكن أن يولدها هو داخل عقولكم عند مشاهدته".
بمرور الوقت، تشجع الأولاد واحدا بعد الآخر، بينما كان بعضهم يتبعون ملاحظات المعلمة ويقترحون تفسيرات وانطباعات، ترتبط بعلاقة أو صلة ما بذراع المكنسة الملونة. راح الآخرون يلعبون، أو يسعون لإثارة ضحك باقي التلاميذ، وذلك بالحديث عن انطباعات عبثية أو غير متوقعة. قال أحد التلاميذ، وهو طفل بدين، مؤكدا صحة كلامه بلهجة جادة، إن ذراع المكنسه هذه تذكره بجدته، فهي عجوز وقد أصبحت تسير في السنوات الأخيرة متكئة على عكاز خشبي، حتى لا يختل توازنها أو تسقط.
كان إعجابي بالمعلمة يزداد بمرور الدقائق، لم تفقد الأمل ولو لحظة واحدة، لم تسخر من أي منهم، لم تغضب أو تتأفف وهي تسمع ترهاتهم وتعليقاتهم الهزلية وهي تتلاحق. كانت تدرك جيدا أن أغلب تلاميذها وإن لم يكن الجميع قد نسي تماما أمر ذراع المكنسة، كما نسي الفن المفاهيمي، وكانت تطرد مللها بالمشاركة في اللعبة، التى أعطتهم هي بنفسها مفاتيحها، دون أن تقصد ذلك.
واصلت المعلمة سماعهم، وأخذ كل منهم فرصته كاملة، وبعزيمة بطولية كانت تصغي الى انطباعاتهم جميعا بكل باهتمام، ولا تتوقف امام هزلية او غرابة الانطباعات، كانت تعيد تلاميذها الأطفال دائما الى ذلك الشيء، "الشيء الجمالي"، الماثل أمام أعينهم، شارحة لهم أنهم بتأملهم كل ما يحدث الآن من تفاعل، أدركوا كيف فتحت ذراع المكنسة الخشبية هذه بألوانها الكثيفة داخل كل منهم فضاء عقليا فسيحا، تتولد من داخله أفكار ومفاهيم، تعيدهم الى الماضي، ثم تقودهم بعد ذلك نحو الحاضر، وكيف قام بتفعيل خيالهم وابداعهم، وذلك بجعلهم قابلين للتفاعل بحساسية مع الفن المعاصر، فن أيامنا هذه. وهو فن يختلف كلية عن ذلك الفن الجميل أو غير الجميل، الذي تم انجازه بيد الفنانين الذين رسموا اللوحات في الماضي، او من عين الفنانين الكلاسيكيين، وقد شاهدوا أعمالهم منذ شهور قليلة مضت عندما زاروا متحف "ناشيونال غاليري".
أخذت المعلمة المثابرة اللطيفة تلاميذها بعد ذلك، ليكتشفوا معها عملا آخر في المبنى الجديد نفسه، في متحف "مودرن تيت" نفسه، والقاعة نفسها، وكان العمل الذي توجهوا اليه عبارة عن متاهة مصنوعة من الحصير، وهي من أعمال الفنانة كريستينا إيغليسياس. أما أنا فقد بقيت وحدي قليلا أتأمل هذا "الشيء الجمالي"، ذراع المكنسة التي لونها فنان، قررت ألا أعرف اسمه، بل ولم أرغب حتى في معرفه العنوان الذي عمّد به منحوتته المفاهيمية هذه.
فكرتُ في صعوبة المهمة التي اضطلعت بها هذه المعلمة الرقيقة: الا وهي أن تقنع هؤلاء الأطفال أن هذا الشيء الذي دعتهم الى تأمله، يمثل نموذجا للفن الذي ينتج في أيامنا هذه، وان ذراع المقشة الملونة، تحتوي داخل ذاتها على تلك الكمية من الأبعاد، التي تشكل معا عملا فنيا أصيلا: مهارة، قدرة، إبتكار، أصالة، جرأة، أفكار، حدس، جمال. لا شك أن المعلمة الرقيقة كانت واثقة من ذلك ومقتنعة به تماما، وإلا لما تمكنت من أن تواجه، بكل الجهد والجدية اللذين أظهرتهما، ما هي مقبلة عليه، ولما تمكنت من الحديث مع تلاميذها وسماع ردود فعلهم بكل هاتين الثقة والبهجة.
أما كان ليكون ضربا من القسوة، أن نجعلها تدرك حقيقة ما تفعله، وأن نوضح لها أن كل هذا الجهد الذي تبذله ببساطة وبراءة واخلاص بالغ، لم يكن في نهاية الأمر سوى مساهمة في خدعة صرحية، حيلة هائلة بالغة الدهاء، كادت تعم الكوكب بأكمله. مؤامرة يشارك فيها أصحاب القاعات والمتاحف، والنقاد المرموقون، والدوريات الفنية المتخصصة، وأصحاب المجموعات الفنية، وأساتذة أكاديميون، ورعاة فنانين وتجار لا يعرفون نعمة الخجل. لقد اتفقوا جميعا على تبادل الخديعة في ما بينهم أولا ، ثم على خداع العالم بأسره تقريبا، وليسمحوا في الطريق بأن تمتلئ جيوب القلة بفضل هذا النوع من التوافق العصابي؟ إنها مؤامرة فوق العادة، خدعة استثنائية، لا احد يتكلم عنها، وبعيدا من كل الاعتبارات، فقد نجحت العملية وانتصرت بقوة على كل الجبهات، بحيث أصبحت واقعا لا يمكن رده ، لم يعد ممكنا توقيفها.
في الفن الذي تنتجه أيامنا هذه، الفن المعاصر، تتجاور أعلى المواهب الحقيقية مع أحط أشكال المكر، وتتخالط معا، بحيث لم يعد ممكنا أن تفصل أحدهما عن الآخر.
لقد وقعت مثل تلك الظواهر من قبل، لا شك في ذلك، ولكن آنذاك كان هناك، من يقف بالفعل خارج تلك الدوائر، كانت هناك مدن بعينها، ومؤسسات بعينها، وفنانون بعينهم، ونقاد بعينهم، يقاومون بضراوة، ويواجهون تلك الحيل والخدع الماكرة، ويكشفون مدى زيفها ويدينونها، ويهزمونها في النهاية. كانوا يشكلون جزءا من تلك النخب الفاعلة التي تم شيطنتها وتهميشها الآن، فالسياسة الصائبة المعتمدة في زماننا الراهن (السياسة الصائبة او الصوابية السياسية مصطلح يستخدمه هنا يوسا على سبيل السخرية، ويقصد أن الصوابية تتحول الى ممارسات سياسية بلا مشروع او أفكار او مواقف)، جعلت تلك النخب الفاعلة تقف الان، ظهرها الى الحائط. ولكن ماذا جنينا من هذا؟ ما هو أمامي الآن: ذراع مكنسة بألوان قوس قزح، تشبه تلك المكنسة التي كان هاري بوتر يمتطيها ليحلق بها وسط الغيوم.
0 تعليق