مهرجان كانّ ينطلق هذا المساء: السينما في مواجهة عالم مأزوم - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مهرجان كانّ ينطلق هذا المساء: السينما في مواجهة عالم مأزوم - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 09:23 صباحاً

يواصل مهرجان كانّ السينمائي أداء دوره كمنارة للثقافة والفنّ في مواجهة السقوط الأخلاقي والانهيار القيمي، وسط عالم يتخبّط في أزماته السياسية. في دورته الثامنة والسبعين، التي تنطلق هذا المساء والممتدة من 13 إلى 24 أيار، لا تكتفي التظاهرة السينمائية الأشهر في العالم بعرض الأفلام، إنما تعيد تأكيد بيانها التأسيسي: أن السينما، مهما عصفت بها التحولات التكنولوجية والسياسية الاقتصادية، تظلّ لغة كونية قادرة على جمع شمل الشعوب أياً تكن البقعة التي يأتي منها الفرد.

حين تأسس مهرجان كانّ عام 1939، كان رداً على الأدلجة الفاشية التي حوّلت موسترا البندقية إلى أداة في يد موسوليني. واليوم، في ظلّ صعود التطرّف، يبدو التذكير بالمسلّمات أكثر الحاحاً من أي وقت مضى. وهذا ما شدّدت عليه أصلاً رئيسة المهرجان إيريس كنوبلوك، التي رأت في التظاهرة "ملاذًا آمناً" للفنّانين، بل وأحياناً بالمعنى الحرفي للكلمة، في عالم تتسارع فيه حملات القمع والمنع.

كانّ لا يصنع العالم، لكنه يعكسه من خلال الشاشة. إنه فضاء للتوثيق والبوح، للسرد والتقاط التحوّلات التي تهزّ المجتمعات من الداخل. من بين نحو ثلاثة آلاف فيلم طُرحت للنظر هذا العام، وقع الاختيار على 73 عملاً روائياً طويلاً، وُزِّعت بين أقسام المهرجان الرسمية: المسابقة، "نظرة ما"، "خارج المسابقة"، "كانّ بروميير" و"العروض الخاصة"، إضافةً إلى العروض الكلاسيكية والقصيرة. 

22 فيلماً بلغت المسابقة التي تمثّل ذروة التأهّل الـ"كاني"، وتتنافس على "السعفة الذهبية" التي ستُمنح هذا العام من يد الممثّلة الفرنسية جولييت بينوش. هؤلاء الذين عبروا إلى الكروازيت هم خلاصة ما يُنتج دولياً من أعمال تتمتّع بمستوى فنّي وجمالي وتستحق ان نراهن عليها، أقلّه هذا ما يأمله الصحافيون والنقّاد الـ4000 الذين يغطّون كانّ رغم كلّ التحديات التي تعتري مهنة الصحافة والنقد. لكن رغم ان كانّ يأتينا كلّ عام بأفضل ما أُنتج سينمائياً، فالخيارات لا تخلو من جدال. خصوصاً في السنوات الأخيرة، حيث أثارت معايير الاختيار نقاشاً بين ما هو فنّي وما هو سياسي، بين الجدارة الفنية والتمثيل الجندري والجغرافي. بالاضافة إلى إتهام المهرجان الدائم بأنه يستعيد الأسماء نفسها، وهو شيء غير صحيح في هذه الدورة. المدير الفنّي تييري فريمو، الذي شبّه آلية عمله بدار النشر، أكّد وفاءه لأسماء أثبتت جدارتها عبر السنين، مثل الأخوين داردن العائدين بـ"أمّهات شابات". في المقابل، فإن التوجّه نحو دعم المخرجات، رغم كونه مطلباً عادلاً، يجب ألاّ يتم، بحسب قوله، على حساب المعايير الفنية. "لا يمكن استبدال التمييز بتمييز مضاد"، ذكّر فريمو بهذه المقولة لأنييس فاردا، أيقونة السينما النسوية.

يكشف البرنامج مزيجاً مدروساً بين أسماء مخضرمة ومواهب شابة، بين سينمائيين عادوا بصلابتهم المعهودة وآخرين يحاولون شقّ طريقهم وسط قامات كبيرة، كالمخرجة الفرنسية أميلي بونان الذي ستفتتح باكورتها “الرحيل يوماً” الدورة الحالية. من العائدين المميزين، الفرنسي دومينيك مول، الذي يدخل المسابقة بفيلم ("ملّف 137") يمسّ عنف المؤسسات، بعد نجاحه الكبير في "ليلة الـ12". ومن الأسماء الأميركية البارزة، يعود وس أندرسون بفيلمه "الخطة الفينيقية"، بينما يطلّ ريتشارد لينكلايتر بفيلم مستوحى من حركة "الموجة الجديدة" الفرنسية، يحمل اسمها. الأميركي الآخر آري أستر، صاحب البصمة النفسية الغريبة، يشارك بفيلم سياسي بلبوس رمزي عنوانه "إدينغتون"، بطولة واكين فينيكس. هناك أيضاً الاسكتلندية لين رامزي بفيلمها العاطفي العنيف، "متّ يا حبّي"، والبرازيلي كليبير مندونسا فيلو الذي يعود إلى زمن الديكتاتورية في "محقّق خاص"، والنروجي يواكيم ترير الذي يقترح فيلماً عن مصالحة عائلية من خلال أب يعمل في الإخراج بعنوان "قيمة عاطفية". من دون أن ننسى "ألفا"، أحدث أعمال الفرنسية جوليا دوكورنو التي فازت قبل أربعة أعوام بـ"السعفة" عن ”تيتان".

رغم القيود الصارمة، يعود الإيراني جعفر بناهي إلى مسابقة كانّ بـ"مجرد حادث"، الذي تنطلق أحداثه من تصادم بسيط تتبعه تطورات غير متوقّعة. بدوره، يقدّم مواطنه سعيد روستائي "امرأة وطفل"، عن ممرضّة تكافح وحدها لتربية أطفالها، قبل أن يغيّر حادث مفاجئ مجرى حياتها.

عرب عديدون حاضرون في ”كانّ 78“، سواء داخل المسابقة أو خارجها. طارق صالح، السويدي المصري الأصل، يطرح قضية الفنّ كأداة للسلطة في "نسور الجمهورية"، بينما تقدّم الفرنسية التونسية حفصية حرزي فيلماً عن الهوية والميول الجنسية من داخل الضواحي الفرنسية. أما قسم "نظرة ما"، فتفتتحه التونسية أريج السحيري بفيلمها "سماء بلا أرض"، والمصري مراد مصطفى بـ"عائشة لا تستطيع الطيران"، إضافةً إلى "كان يا ما كان في غزة" للتوأمين طرزان وعرب ناصر، في محاولة لرصد الواقع الفلسطيني المعقّد.

لا يكتفي المهرجان بحاضر السينما، بل يستحضر الماضي أيضاً. فبالإضافة إلى استعادة سينمائية لتشارلي تشابلن وستانلي كوبريك ومحمّد الأخضر حمينة، ستشهد الدورة الحالية تكريم روبرت دنيرو، الذي يشكّل لحظة مؤثّرة تربط الأجيال بعضها ببعض، بين مَن صاغوا مجد السينما ومَن يسعون اليوم الى بناء مستقبلها.

من جهتها، ستكون عروض الأقسام الموازية كـ"أسبوع النقّاد" و"أسيد" و"أسبوعا صنّاع السينما"، مسرحاً لاكتشافات غير متوقّعة. من بينها فيلم المخرجة الإيرانية سبيده فارسي، "ضع روحك على كفّك وإمشِ"، الذي فقد بطلته الفلسطينية فاطمة حسون في غارة إسرائيلية. حادثة تُذكَّر بأن السينما، رغم سحرها، لا تعيش بمعزل عن مآسي العالم، لا بل قد تكون أحياناً شاهدة عليها وضحية لها.

 

ملصق مهرجان كانّ السينمائي.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق