نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شباب لبنان إلى الواجهة البلدية: جيل كامل يؤمن بالتغيير - تكنو بلس, اليوم السبت 10 مايو 2025 12:11 مساءً
"بدنا نفس جديد بالبلدية، فالمنطقة كانت متروكة، أو نحن الجيل الجديد نراها كذلك، خلافاً لما قد يرى كبار السن". هكذا بدأ الشاب إيدي ناصيف حديثه عن ترشحه لعضوية المجلس البلدي في بلدة حالات، عن لائحة "قلب حالات"، واصفاً لـ "النهار" ما الذي دفعه لاتخاذ هذا القرار: "نظرنا إلى حالة بلدتنا من منظار آخر. رأينا الحاجة إلى التطور، فهذا ما كان مفقوداً لسنوات".
مع أن الحظ لم يحالف ناصيف للفوز بعضوية المجلس خلال انتخابات الأحد الماضي، إلا أنه سعيد بما حصل عليه، فمحبة الناس - بحسب قوله - زادت بعد التعرف إليه بشكل مباشر وعميق، كما أنه أثقل خبرته بالعمل في الشأن العام: "عرفت أهمية الوجود إلى جانب أهالي ضيعتي في جميع المناسبات، السعيدة والحزينة، وهذا شعور مهم جداً، كما تعلّمت الكثير من المهارات وسأستمر في العمل مستقبلاً في كل ما يحمل خيراً لضيعتي".
تطرق ناصيف إلى العوائق التي يمكن أن تكون قد اعترضت طريق أمثاله الشباب في البلدة، قائلاً إن لا عوائق فعلية، "بل على العكس كانت الناس جاهزة لاستقبال وجوه شابة جديدة ونشيطة، خصوصاً أن أولوياتهم كانت الاهتمام بالمرافق العامة التي تخص الكبار والشباب، كالمستوصف والنادي الرياضي والحدائق العامة وغيرها".
"أنحاز إلى الشباب"
لا شك في أن الأعوام الأخيرة تشهد تغيراً كبيراً في نسب اندفاع الفئة الشبابية لخوض التجارب السياسية، خصوصاً تلك المتعلقة بضيعهم.
ففور الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية لهذا العام، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف التعليقات التي يستهزئ بعضها بكثرة المرشحين الشباب، ويدعم بعضها الآخر الحماسة التي أظهرها الشباب للتغيير في مناطقهم.
من هذه التعليقات كتبت أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية منشوراً عبر صفحتها على فيسبوك، قالت فيه: "لا أعرف الكثير من مرشحي الانتخابات البلدية، لكني تلقائياً أنحاز إلى الشبان والشابات". وفي أحد التعليقات، كتب أحدهم أنه لا يوافقها الرأي، فالمجال العلمي والمعرفي ليس حكراً على الشباب. هذه المحادثة كانت مثالاً على التعليقات الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أن المرشحين القدامى وكبار السن لا يزالون يتمتعون بشعبية لا يستهان بها، فإن الجو العام يتجه نحو القبول بالتغيير واستقبال الوجوه الجديدة برحابة صدر، لم تكن مشهودة سابقاً.
شابة تنتخب في احد أقلام حارة حريك، الأحد 4 أيار 2025. (بعدسة نبيل إسماعيل - النهار)
تشكيك بالقدرات
"العمل البلدي عمل تطوعي بامتياز"، كما يشرح الشاب بشير الباجوري، المرشح في بلدة المحمرة ضمن لائحة "كلنا للمحمرة"، مضيفاً أنها فرصة حقيقية للتغيير في حياته وحياة الناس على حد سواء: "نحن شباب لدينا الحماسة والطاقة الكافيتين لتغيير واقعنا، فأنا ابن المؤسسة العسكرية، خرجت منها وأنا أعرف معنى العمل التطوعي الخدماتي بلا مقابل، أنا وغيري من المرشحين الشباب قادرون على إحداث فرق بالخبرة الميدانية التي اكتسبناها في النشاطات على اختلافها".
وعن العوائق التي واجهها في العمل ببيئة "تقليدية"، أكّد أن الانتقادات طبيعية والتشكيك بالقدرة على إنجاز مشاريع كبيرة بسبب صغر السن واردة أيضاً، بسبب ما هو مترسخ في عقول الناس حتى الآن: فكرة افتقار الشباب للوعي والنضج والخبرة الكافية.
ورداً على سؤال حول تمثيل الشباب في المجالس البلدية حتى الآن، أكّد أنه "محدود جداً وغير كافٍ"، بحيث لا يتم تمثيل تطلعات الشباب وحاجاتهم بشكل صحيح، ولا تؤخذ آراؤهم في الحسبان. قال: "أولويتي في حال فزت في هذا الاستحقاق هو جذب المستثمرين من الخارج ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل للشباب بالتعاون مع فريق كامل، فالبطالة في بلدتنا كبيرة جداً، إلى جانب تطوير المرافق العامة والمساحات الثقافية وتوفير بيئة آمنة للشباب بعيدة عن الآفات المجتمعية".
"الشباب مستبعدون"
لم تكتسب فئة الشباب زخماً كافياً لتحقيق اختراق سياسي من حيث الترشح للانتخابات أو حتى المشاركة في اتخاذ القرار على المستوى المحلي، بهدف إعادة تشكيل الأجندة السياسية، بحسب جوسلين الخوري، منسقة المشاريع والرصد والتقييم في المنظمة الدولية للتقرير عن الديموقراطية، والتي فصّلت لـ "النهار" كيف أبقى النظام الانتخابي في لبنان على النخب الحزبية ذاتها في مواقع صنع القرار الأساسية، وتتألف غالباً من رجال متقدّمين في السن، أو أثرياء، أو مرتبطين بقوة بأحزاب طائفية. وهذا أدى إلى انتشار الفساد الممنهج وفشل المؤسسات، وبالتالي تدهور العلاقة بين الدولة والمواطن، واتساع الفجوة بينهما.
وعلى الرغم من أن الشباب يشكّلون نحو 40% من المجتمع، فإنهم مستبعدون من عملية صنع القرار السياسي، علماً أن نسبة المتعلمين منهم والمهتمين بالشأن السياسي كبيرة، كما تقول الخوري.
وعن المشاريع التي قامت بها الجمعية لدعم مشاركة الشباب في اتخاذ القرار على المستوى السياسي، عدّدت الخوري بعضها، ومنها إشراف المنظمة على انتخاب مجلسين شبابيين في قضائي الكورة وراشيا، بعد سلسلة تدريبات هدفت إلى تعزيز وعي الناخبين الشباب تجاه العملية الانتخابية والمعايير والإجراءات الدولية المعتمدة التي تُطبَّق في يوم الانتخابات.
وبعد انتخاب المجلسين، تم انشاء نظام داخلي وعقدت دورات تدريبية تقنية لأعضاء المجلس الشبابي، بالتعاون مع البلديات المعنية حيث تم تعزيز التعاون بين المجالس البلدية والشباب التواقين إلى المشاركة في التنمية المحلية.

DRI تدرّب مرشحين ومرشحات محتملين على السياسة المالية للبلديات. (صفحة المنظمة الرسمية)
من جهة أخرى، عقدت المنظمة جلسات توعية للناخبين في عدد من المناطق اللبنانية، عرّفت المواطنين ومنهم الشباب على النظام الانتخابي وحقوقهم السياسية خلال الفترة الانتخابية وما بعدها، كما منحت جمعيات شبابية تمويلاً من أجل تنفيذ مشاريع محلية في مجال التوعية السياسية والتنمية المحلية، ونظّمت سلسلة تدريبات على كيفية مراقبة الانتخابات لعدد من الشباب، شاركوا بصفة مراقبين للانتخابات خلال انتخابات 2022 النيابية، إلى جانب العديد من المشاريع الفعالة الأخرى في مجال توعية الشباب على أهمية المشاركة في الحياة السياسية.
استياء شبابي
كيف تقيّمين واقع انخراط الشباب اللبناني في الشأن العام اليوم؟ تجيب الخوري: "في أيار 2018، أظهرت استطلاعات الرأي العام التي أُجريت حول الانتخابات النيابية آنذاك مستوى عالياً من الاستياء بين فئة الشباب، إضافة إلى تدنّي مستوى فهمهم لكيفية الوصول إلى حقوقهم، والتفاعل مع بلدياتهم المحلية، وفهم الإجراءات الانتخابية والقوانين البلدية".
وتضيف: "لا شك في أن الرغبة متزايدة للانخراط في الحياة السياسية، لكن القوانين الحالية لا تساعد الشاب اللبناني. فمن هو في عمر 18 عاماً ينال كامل حقوقه كمواطن لكنه محروم من الانتخاب او الترشح. ويعتبر لبنان من البلدان الفتية، وخفض سن الاقتراع سيزيد حكماً اهتمام القوى السياسية بمصالح وحاجات هذه الفئة التي تعاني من التهميش. كل ذلك سيرفد في المستقبل القريب والبعيد دورهم في الشأن العام. فما دام هناك فئة من الشباب محرومة من حقوقها السياسية لا يمكن أن نتوقع تحسناً في دور الشباب السياسي، وفي عملية تطوير الممارسة الديموقراطية في لبنان، لذلك نلاحظ اليوم فورة عند الشباب اللبناني الرافض للفساد والمحسوبيات".
وتعلّق: "شبابنا اليوم بعيد عن الطائفية، ويسعى إلى الانخراط في العملية السياسية لتغيير الوضع القائم. لاحظنا ذلك في النشاطات التي ننظمها حيث نشهد على الاندفاع الشبابي الكبير والتوق إلى التغيير. ورأينا عدداً كبيراً من الشباب الذين ترشحوا إلى الانتخابات البلدية والاختيارية الحالية كأعضاء مجالس بلدية او كمختارين، وقد نجح عدد كبير منهم. نتمنى ان يستمر هذا الاندفاع، وأن يطال كافة الشباب اللبناني، لأن دورهم أساسي ومحوري في التغيير المنشود".
التمثيل محدود
تؤمن الشابة دانيا شبشول بأن العمل البلدي والاختياري هو الأقرب إلى الناس وهمومهم، وهي المرشحة عن المقعد الاختياري في حي النبي إنعام بمدينة بعلبك. تقول: "لأنني شابة، فأنا أعيش وأعرف التحديات التي تواجه جيلنا"، مضيفة إنها وجهت بعض التشكيك في البداية، لكنها ترى أن الناس بدأت تلاحظ الجدية والالتزام في عمل الشباب.
ضمن أولوياتها، وضعت شبشول خططاً تشمل دعم المبادرات الشبابية، وتوفير مساحات مفتوحة وآمنة، وتنظيم أنشطة ثقافية وفنية تشرك الشباب وتمنحهم دوراً قيادياً. تقول لـ"النهار": " ما زال التمثيل الشبابي محدوداً في معظم البلديات، ونحتاج إلى أصوات شابة تحمل أفكاراً جديدة وتفهم التغييرات الحاصلة في المجتمع، وبلا شك هناك وعي متزايد بأهمية التغيير، فالناس تريد التغيير، ووهدفنا هو المساعدة بكل ما نملك من قدرة، وهذا يفتح الباب أمام مرشحين شباب يحملون طاقة وأفكاراً جديدة".
رغم ما يبدو من دينامية شبابية جديدة على أبواب الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، ما زال الواقع السياسي والمجتمعي يفرض شروطه الثقيلة. فالحماسة قد تصطدم بنظام قائم على المحاصصة والولاءات العائلية والحزبية، حيث تُقصى المبادرات الفردية الشابة أمام النفوذ.
فهل يمكن اختراق جدران السلطة المحلية بأدوات بسيطة يملكها الشباب... وبإيمان بالتغيير؟
0 تعليق