نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لعبة الكراسي الموسيقية في سوريا... كيف تحاول فرنسا تأمين مقعدها؟ - تكنو بلس, اليوم الخميس 8 مايو 2025 08:48 صباحاً
دخل رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع القارة الأوروبية من بوابتها التقليدية باريس، إذ أجرى مباحثات في قصر الإليزيه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي جدّد دعم بلاده لـ"بناء سوريا جديدة حرة ذات سيادة تحترم جميع مكوّنات شعبها".
وجاء خطاب الإليزيه منسجماً مع المطالب الغربية المتمسكة بمحاكمة "المسؤولين عن المجازر المرتكبة وحماية المدنيين في سوريا".
بوابة دمشق نحو أوروبا
تحاول باريس، من خلال مبادرتها بدعوة الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني لزيارتها، التمركز في موقع وسطي بين الحماس البريطاني المتزايد للتواصل مع دمشق بعد سنوات من الاتصالات غير العلنية في إدلب، وموقف الولايات المتحدة التي أصرّ وفدها الرسمي الوحيد الذي زار سوريا على لقاء الشرع في الفندق بدلاً من القصر الرئاسي، والذي تُرجم لاحقاً بإجراءات بيروقراطية، كخفض مستوى تأشيرات الوفد الديبلوماسي السوري في الأمم المتحدة. أما السياسة الألمانية حيال دمشق، فتبدو حتى اللحظة متناغمة مع التوجهات التركية.
تبرز أهمية فرنسا في الملف السوري من زاويتين رئيسيتين: أولاهما ثقل باريس داخل الاتحاد الأوروبي ودورها القيادي في رسم السياسات الأوروبية، وثانيهما دورها التاريخي في سوريا وخبرتها في التواصل مع مختلف الأطراف، إلى جانب تأثيرها الثقافي وإرثها الدستوري والقانوني الذي لا يزال حاضراً.
ولطالما شكّلت باريس بوابة انفتاح دمشق على أوروبا، إذ كانت زيارة بشار الأسد الرسمية الأولى بعد تسلمه الرئاسة عام 2000 للقاء الرئيس جاك شيراك، الذي لعب دوراً محورياً في مباركة تولّيه الحكم خلفاً لوالده. وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، والعزلة الغربية التي أعقبت ذلك، عاد الأسد إلى القارة العجوز عبر بوابة باريس، بدعوة من نيكولا ساركوزي.
وأعطت فرنسا إشارات استعدادها للتوسّط مجدداً لإعادة دمج سوريا في الأسرة الدولية – الأوروبية خصوصاً – من خلال اجتماع ثلاثي قبل شهرين، شارك فيه الشرع والرئيس اللبناني جوزيف عون افتراضياً مع الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني والرئيس الفرنسي.
وبعدها، بدأت خطوات الشرع الإيجابية تجاه باريس بتعيين الوزير يعرب بدر، المتخصص المقرّب من التيار الفرنسي، في حقيبة النقل، وقيامه الأخير بتجديد عقد شركة "سي.جي.إم" الفرنسية للشحن والخدمات اللوجستية لتشغيل ميناء اللاذقية، وهو عقد أبرمه الوزير نفسه لأول مرة عام 2010.
تحاول فرنسا حجز مقعدها في سوريا الجديدة. (ا ف ب)
مبادرات الشرع تجاه باريس
ورغم هذه المبادرات، فقد تعمّدت باريس تخفيض مستوى الاحتفاء بضيفها، الذي لا يزال مدرجاً على قوائم الإرهاب الأميركية والأوروبية منذ عام 2013، وعلى القائمة السوداء للأمم المتحدة بموجب القرار 1267 (المتعلّق بالقاعدة وتنظيماتها) منذ 2015، بما يشمل حظر السفر وتجميد الأصول.
وتجلّى ذلك باستقبال متواضع في المطار من دون مراسم رسمية، وتسريبات ديبلوماسية من الخارجية الفرنسية أكّدت عدم نية باريس منح الشرع "شيكاً على بياض"، مع التمسّك بالمطالب القديمة - الجديدة.
لكن ذلك لا ينفي الأهمية التي توليها حكومة ماكرون لهذه الزيارة، بهدف حجز موطئ قدم في الساحة السورية المزدحمة بالفاعلين الإقليميين والدوليين، مستفيدة من الأفضلية التاريخية للشركات الفرنسية في قطاعات النقل واللوجستيات والطاقة واستخراج النفط والغاز.
تحاول فرنسا، التي كانت أول دولة أوروبية تعيد فتح سفارتها في دمشق بعد سقوط الأسد، تقاسم النفوذ مع كل من تركيا المسيطرة شمالاً، وإسرائيل المؤثرة جنوباً، وواشنطن الفاعلة شرقاً.
وهنا تتقاطع تطلعات باريس مع رغبات الشرع، الذي يسعى إلى رفع العقوبات الأميركية عن دمشق، بما يتيح استفادة الشركات الفرنسية من الامتيازات، في وقت يحتاج فيه الرئيس السوري إلى شرعية دولية ودعم أوروبي لتثبيت موقعه، سواء في الملفات العالقة مع واشنطن أو في مواجهة الصراع المتصاعد بين أنقرة وتل أبيب في الساحة السورية.
وتتماهى الرؤية الفرنسية مع التوجّهات العربية بشأن سوريا، عبر تسريع عملية الاستقرار، بخلاف الهدف الإسرائيلي المعلن بتفكيك الدولة وتقويض سلطة الحكومة المركزية.
إلّا أنّ الشكوك لا تزال تحيط بقدرة الشرع على اجتياز اختبار بناء الدولة المستقرة، خاصة بعد أحداث الساحل الأخيرة في حقّ العلويين، وصحنايا والسويداء في حقّ الدروز.
أوراق القوة الفرنسية في الملف السوري
تُضعف التوازنات الإقليمية والدولية قدرة الشرع على تقديم نفسه كضامن لوحدة البلاد ومنع انزلاقها مجدداً نحو الحرب الأهلية، في ظل تباطؤ تنفيذ الاتفاق مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في 10 آذار/مارس الماضي، والتوتر المستمر مع الدروز، وانعدام الثقة من قبل شريحة واسعة من علويي الساحل.
كذلك، تواصل الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا الحفاظ على بنيتها المستقلة ضمن "الجيش الوطني"، رغم انضمامها الشكلي للجيش السوري الجديد.
تمتلك باريس أوراقاً عدّة يمكن توظيفها، لا سيّما نفوذها في مناطق سيطرة "قسد" في شمال وشرق البلاد، وسط أحاديث متزايدة عن انسحاب أميركي محتمل. وكان لوزير خارجيتها دور مهم في المصالحة الكردية - الكردية، من خلال زياراته المتكررة لمناطق الإدارة الذاتية وأربيل.
وتتمتع فرنسا أيضاً بحضور تاريخي في الساحل، وكانت الوجهة المفضّلة للعلويين المعارضين للأسد، كما كانت لندن للإسلاميين سابقاً وتركيا لاحقاً.
ويبقى نجاح ماكرون مشروطاً بالحصول على ضمانات بعدم تغوّل الأجندة التركية على مستقبل سياسات دمشق.
وتضغط باريس على الشرع للبدء بمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، في ظلّ الشكوك في شأن جدية السلطة، مع تعيين شخصيات مطلوبة دولياً في مناصب قيادية، وغياب مسار فعلي للعدالة الانتقالية، وإفلات مرتكبي المجازر الأخيرة من العقاب.
تعكس زيارة الشرع إلى باريس محاولة لتعويم النظام الجديد في سوريا دولياً من البوابة الأوروبية التقليدية، لكنّ نجاحها يظلّ رهناً بإرضاء الغرب عبر إصلاحات سياسية وأمنية، وإقناع السوريين بأنّ هذه الخطوة لا تعني استبدال ديكتاتورية بأخرى، بضوء أخضر دولي متجدد.
في المقابل، تراهن دمشق على أن تشكل فرنسا جسراً نحو الاستقرار، وكابحاً لتوسع التدخلات الإقليمية التي تنذر بتحوّل الساحة السورية إلى ساحة صراع مفتوح.
0 تعليق