جاك لوسيران... بين العمى والنور - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جاك لوسيران... بين العمى والنور - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 7 مايو 2025 09:09 صباحاً

عندما سئلت هيلين كيلر، التي ولدت صماء وعمياء، عن الحياة، وصفتها بأنها "مغامرة جريئة أو لا تكون"، بعدما تركت وراءها عشرات الروايات والكتب. وربما من الجسارة أن نصف حياة جاك لوسيران، الكاتب والمناضل الفرنسي الأعمى، بأنها تجسيد لتلك المغامرة الجريئة التي لا تتجاوز عقبة الإعاقة فحسب، بل الشفقة الاجتماعية ومهالك العصر من حروب ومنافٍ وأفق بشريّ غير واضح. وهي المغامرة التي يوثقها كلٌّ من ماريون شوتين وسيلين روسيل وزينة ويغان في كتابهم "جاك لوسيران، بين العمى والنور" (236 ص، إصدارات رو دولمن باريس).

كان جاك لوسيران (1924-1971)، أديباً وكاتب مقالات أعمى، وعنصراً من عناصر شبكات المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية. وعلى رغم تجاهله لفترة طويلة في بلده -مع أنه سعى إلى ممارسة مهنة أستاذ للأدب في العديد من الجامعات الأميركية الكبرى- فإن حياته وعمله يثيران اهتماماً متزايداً في الأبحاث الفرنسية والدولية. يقدم هذا العمل استكشافاً واسعاً للرؤية الداخلية المتناقضة للوسيران الذي فقد بصره في سن الثامنة، والذي بنى نفسه حول الضوء والألوان، وهو الإدراك الذي يدّعي أنه يحتفظ به والذي يكبر معه من خلال الكتابة. إن المناهج التاريخية والأدبية والفلسفية، ولكن أيضاً العلمية (طب العيون العصبي) تثري هذا العمل بوصفه دراسة للمكانة التي احتلها داخل شبكات المقاومة، والموقف الذي اتخذه في مواجهة الواقع المأسوي لمعسكرات الاعتقال، حيث تم ترحيله إلى معسكر اعتقال بوشنفالد في ألمانيا، حيث أمضى 18 شهراً وسط ظروف قاسية، والتساؤل حول الفئات الأساسية لكتاباته، مثل التآزر الحسيّ الذي يساهم بطريقة مثالية في تطوير عالم داخلي غني وشاعري يتناقض مع التمثيلات الكلاسيكية لغياب البصر باعتباره حرماناً ونقصاً.

كتاب 'جاك لوسيران، بين العمى والنور'.

 

بعد الحرب، واجه لوسيران تمييزاً مؤسسياً بسبب القوانين التي منعت المكفوفين من العمل في التعليم العام. وعلى رغم حصوله على تعليم عالٍ وشهادات مرموقة، تم رفضه مراراً. اضطر للسفر إلى اليونان ثم إلى الولايات المتحدة حيث وجد فرصاً للتدريس الجامعي. في أميركا حيث حقق نجاحاً أكاديمياً كبيراً، كانت حياته الشخصية مضطربة بسبب علاقات عاطفية مثيرة للجدل. فقد كان آخر نصّ لجاك لوسيران هو"محادثة غرامية"، الذي هو تأملات عاطفية حول الحب موجّهة إلى زوجته ماري، قبل وقت قصير من وفاته معها بحادث سيارة في عام 1971.

ترك إرثاً أدبياً غنياً يشمل سيرة ذاتية تبحث في تجربة العمى، وتأمّلات فلسفية حول الإدراك الحسيّ، فضلاً عن تحليلات للوضع الإنساني في القرن العشرين. لكنه اشتهر بشكل خاص بكتابه "وكان هناك نور"، الذي يصف فيه تجربته مع "البصيرة  الداخلية". فقد كانت الحياة المأسوية والشخصية المعقّدة للرجل والكاتب مع عالمه الداخلي الشعري، وعمله الذي لا يمكن تصنيفه، والذي بني حول الضوء والألوان، والذي ادّعى أنه يحتفظ بإدراكه، هي كل هويته.  ويواجه خطاب لوسيران حول العمى - في هذا العمل - أيضاً خطاب كتّاب مكفوفين معاصرين آخرين، يضعون أعماله في شبكة من المراجع  تبدأ من العصور القديمة لهوميروس إلى كتابة الحياة اليومية التي تتميز بإزالة القداسة عن عدم البصر، مروراً برؤية فيكتور هوغو للعمى والتصوف. لأن لوسيران قام على مدى عمره القصير بتحويل وجهة العمى من مأساة إلى معنى، فقد حماه إيمانه الذي تلقاه من والديه -أتباع أحد أشكال الباطنية المسيحية- إلى الأبد، وفقاً لكلماته الخاصة، من الشك الميتافيزيقي. وأخيراً، فإن تجربته مع العمى، المصحوبة بنور داخلي ورؤية داخلية ملونة للكائنات والأشياء، والتي يعطيها معنى صوفياً يحللها بيت ديفوس هنا، يتم الطعن فيها أحيانًا بعنف من بعض المكفوفين الذين لا يشاركون في هذه التجربة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق