الصناعات الغذائية في لبنان: الدور والواقع والمستقبل - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصناعات الغذائية في لبنان: الدور والواقع والمستقبل - تكنو بلس, اليوم الاثنين 5 مايو 2025 02:38 مساءً

حسين حسن*

تساهم الصناعات الغذائية بشكل كبير في تحسين مستوى الحياة في الدول النامية والمتطورة حيث إنها قادرة على خلق فرص عمل، والتخفيف من الفقر والنزوح من الأرياف، بالإضافة إلى زيادة الحماية الاجتماعية. 

في عام 2019، بلغ عدد المصانع الغذائية في لبنان 750 مصنعاً تقريباً، وارتفع إلى 1614 مصنعاً حتى نهاية عام 2024، أي بزيادة تُقدّر بـ 54%، وذلك وفقاً لإحصاءات وزارة الصناعة اللبنانية ودليل الصادرات والمؤسسات الصناعية اللبنانية، ممّا جعل هذا القطاع يشكّل ربع العدد الإجمالي للمصانع في لبنان، ويحتل المرتبة الأولى بين القطاعات الصناعية من حيث عدد المؤسسات العاملة. يساهم قطاع الصناعات الغذائية في توظيف أكثر من 20 ألف عامل، أي ما يزيد عن 25% من مجمل التوظيف الصناعي، مما يجعله الأكبر من حيث توفير فرص العمل في الصناعة اللبنانية. وتحتل صناعات الألبان والأجبان، والمخابز، والفواكه والخضار، الصدارة من حيث العدد والقدرة على التوظيف والإنتاجية.

تنتشر المصانع الغذائية في مختلف المحافظات اللبنانية، مع تركّز ملحوظ في المناطق الريفية التي تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي. فعلى سبيل المثال، يُقدّر أن 71% من مصانع بعلبك-الهرمل متخصصة في الصناعات الغذائية، مقارنة بـ 28% في النبطية، و24% في جنوبي لبنان. في عام 2023، ساهمت الصناعات الغذائية بنحو 13% من مجمل الصادرات الصناعية اللبنانية، إذ بلغت قيمتها نحو 500 مليون دولار سنوياً في السنوات الأخيرة، رغم الأزمة الاقتصادية، مما يعكس مرونة هذا القطاع وقدرته على الصمود. وتُعدّ المعلّبات، المشروبات الروحية، والسكاكر/الحلويات من بين أبرز المنتجات المُصدَّرة. وتشمل وجهات التصدير الرئيسية دول الخليج، إلى جانب أوروبا، العراق، وشمالي أفريقيا، مما يدل على تنوّع الأسواق والإمكانات الكبيرة للتوسّع.

يتميّز هذا القطاع بنسبة مشاركة نسائية مرتفعة نسبياً (نحو الثلث)، خصوصاً في مجالات التصنيع، التغليف، والصناعات الحرفية الغذائية، كما يوفر فرص عمل أولية للشباب، لاسيما في المناطق الريفية. ويتمتّع لبنان بميزة تنافسية من خلال منتجاته الغذائية التراثية، بالإضافة إلى المنتجات المبتكرة مثل المنتجات العضوية والخالية من الغلوتين.

تكمن أهمية الصناعة الغذائية بأنها تساهم في تحريك العجلة الاقتصادية على امتداد الوطن. تعتبر الصناعات الغذائية رافعة الاقتصاد المنتج في لبنان بالرغم من التحديات والصعوبات المتلاحقة حيث إنها استطاعت أن ترفع من صادراتها إلى الخارج في السنوات الماضية، مما ساهم بشكل كبير في إدخال الأموال إلى البلد، وشجع المستثمرين على إنشاء معامل غذائية في كلّ أرجاء الوطن. 

مكامن الضعف يجب التركيز على معالجتها
تواجه الصناعات الغذائية في لبنان عدداً من مكامن الضعف التي ينبغي التركيز على معالجتها لدعم نمو هذا القطاع الحيوي. 

من أبرز هذه التحديات نقص الموادّ الخام الزراعية المناسبة للتصنيع، مما يستوجب توجيه المزارعين وإرشادهم ودعمهم نحو زراعات تتلاءم مع متطلبات الصناعات الغذائية، بدلاً من الاعتماد على الاستيراد. كذلك تشكّل نفقات التشغيل المرتفعة، خصوصاً تكاليف الكهرباء، عبئاً كبيراً على المصانع، مما يحتم الإسراع في تنفيذ خطة إصلاح قطاع الكهرباء. 

إضافة إلى ذلك، فإن صغر حجم المعامل الغذائية يحدّ من قدرتها على خفض التكاليف وتحقيق الكفاءة، مما يستدعي تشجيع هذه المعامل الصغيرة على التوسّع لزيادة إنتاجها وأرباحها. ويُلاحظ كذلك ضعف البنية التحتية في العديد من المناطق، خاصة في الأطراف، على صعيد الكهرباء، إدارة النفايات، وإمدادات المياه السليمة، كما أن 85 إلى 90% من المصانع الغذائية هي شركات عائلية مصنّفة ضمن الشركات الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي يتطلّب العمل على تأمين انتقال سلس للملكية والإدارة بين الأجيال. ومن ضمن التحديات الأخرى نقص المناطق الصناعية، وضعف الموارد المائية، وغياب المركزية في اتخاذ القرارات حيث تتداخل مسؤوليات وزارات متعددة مثل الزراعة، الصناعة، الاقتصاد، والصحة. ويؤثر التأخير في التعيينات في الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء سلباً على تطوير منظومة سلامة الغذاء في البلاد. إلى جانب ذلك، فإن واردات المنتجات الغذائية تؤثر سلباً على المنتجات المحلية، مما يستدعي فرض رقابة أكثر صرامة على الاستيراد. ويُلاحظ أيضاً ضعف في تبني التقنيات الحديثة في الإنتاج والمعالجة، مما يحدّ من الكفاءة وجودة المنتجات، إلى جانب محدودية البحث والتطوير، وانخفاض الاستثمارات في تحسين المنتجات وطرق الإنتاج. ضعف استراتيجيات التسويق المحلي والدولي يعوق بدوره نمو الصادرات.

وهناك أيضاً نقص في الوعي لدى المزارعين والمصنّعين حول معايير سلامة الغذاء والممارسات الجيدة، إلى جانب التأثير السلبي للأزمات السياسية والاقتصادية على استمرارية الإنتاج والقدرة التنافسية، كما أن الاعتماد المفرط على اليد العاملة غير المدربة يشكل تحدياً إضافياً، في ظل غياب قوانين فعالة لدعم الاستدامة والابتكار في القطاع الغذائي. أما ارتفاع تكاليف النقل والتوزيع بسبب ضعف البنية التحتية، فيؤدي إلى زيادة كلفة المنتجات المحلية. وأخيراً، فإن محدودية الوصول إلى التمويل أو الاستثمارات تعرقل عمليات التوسع والتجديد لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة، في وقتٍ تتفاقم فيه تأثيرات التغيّر المناخيّ التي تُلقي بظلالها على الإنتاج الزراعي وتُسرّع من تدهور الموارد الطبيعية.

فرص الصناعة الغذائية اللبنانية 
تشكّل الصناعة الغذائية اللبنانية قطاعاً واعداً يزخر بالفرص التي يمكن استثمارها لتعزيز النمو الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية. يُعتبر لبنان بوابة استراتيجية للوصول إلى 350 مليون مستهلك في السوق العربية (GAFTA)، و500 مليون في منطقة اليورو، كما يتمتع بعلاقات تجارية متينة تدعمها شبكة الاغتراب اللبناني النشطة حول العالم، حيث تصدّر المنتجات الغذائية اللبنانية إلى أكثر من 75 بلداً.

تزداد عالمياً مستويات الوعي بفوائد النظام الغذائي اللبناني والمتوسطي، المصنَّف ضمن الأنظمة الصحية، مما يعزز الإقبال عليه، كما تحظى الصناعات الغذائية باهتمام متزايد من قبل المؤسسات الدولية والمحلية الداعمة، التي تعمل على بناء بنية تحتية للجودة وتشجيع تطوير منتجات جديدة ذات قيمة مضافة أعلى. في هذا الإطار، يُعدّ تطوير المنتجات المرتبطة بالتسميات الجغرافية خطوة مهمّة لحماية هذه المنتجات وتعزيز هويتها. كذلك، يمكن للبنان الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرّة، ولا سيما الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لتوسيع أسواقه التصديرية.

من جهة أخرى، يشكّل التوسع نحو الأسواق الآسيوية والأفريقية فرصة واعدة، في ظل ارتفاع الطلب على الأغذية الصحية والمغذية. ويمكن للبنان أن يكون نقطة انطلاق لتلك الأسواق. السياحة الغذائية تمثل فرصة إضافية لتسويق المنتجات الغذائية محلياً وعالمياً، من خلال جذب السياح وتقديم تجارب غذائية وثقافية متميزة.

أما الابتكار في تطوير الأغذية الصحية، كالأغذية العضوية والخالية من الغلوتين ومنتجات الحمية، فيفتح الباب أمام تلبية احتياجات الفئات المهتمة بالصحة، كما أن الاستثمار في تقنيات التصنيع المستدام والحد من الفاقد الغذائي من شأنه تعزيز سمعة المنتجات اللبنانية وزيادة قدرتها على دخول الأسواق العالمية.

وأخيراً، فإن تعزيز الممارسات المستدامة في إنتاج الغذاء، مثل استخدام الطاقات المتجددة وتدوير النفايات الغذائية، لا يوفر فقط فرصاً تجارية جديدة، بل يعزز كذلك صورة لبنان كبلد ملتزم بالجودة والاستدامة.

الإجراءات الواجب اتخاذها على المدى القصير
هناك مجموعة من الإجراءات ذات المدى القصير، يجب اتخاذها لتعزيز قطاع الصناعات الغذائية في لبنان وتحقيق أمن غذائي مستدام. من أولى الخطوات المطلوبة إجراء مسح شامل للمنتجات الغذائية المصنعة محلياً بهدف تحديد الاحتياجات الفعلية والمساهمة الفعلية في الأمن الغذائي الوطني، كما ينبغي إنشاء لجان علميّة متخصّصة، تضمّ جامعات ومراكز أبحاث في مجالات سلامة الغذاء، التعاونيات، والأبحاث والتطوير، لتعمل تحت مظلّة الوزارات المعنيّة.

وفي هذا السياق، لا بدّ من تفعيل التعاون القائم منذ عام 2018 مع البنك الأوروبي للاستثمار، خاصة في ما يتعلق بإنشاء مناطق صناعية متخصصة. ولتحسين سلامة الغذاء، يجب تعزيز وتوسيع شبكة الرقابة، من خلال توظيف مفتشين إضافيين، وتحديث الأنظمة التكنولوجية المعتمدة في التفتيش، إلى جانب استكمال التعيينات في الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء، وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون سلامة الغذاء، الذي أُقرّ عام 2016 ولم يُنفّذ حتى اليوم. من الضروري أيضاً إشراك البعثات الدبلوماسية وتفعيل دور الملحقين الاقتصاديين في تنظيم معارض دورية للمونة والصناعات الغذائية التقليدية اللبنانية في الخارج، ودعم مشاركة الصناعيين اللبنانيين في معارض وفعاليات دولية، خاصة في الخليج وأوروبا.

على صعيد التشريعات، يتوجب إصدار قوانين تشجّع على دمج المؤسّسات الصغيرة، بما يمنحها إمكانية الحصول على قروض مدعومة طويلة الأجل ويفتح المجال أمامها للمنافسة على الصعيد الإقليمي. كذلك، من المهم تحديث قانون الجمعيات التعاونية الصادر عام 1964، وتفعيل الاتحاد التعاوني اللبناني، ودعم الاتحاد الوطني للائتمان التعاوني. ومن الإجراءات الداعمة على المستوى المحلي، إنشاء مراكز تصنيع غذائي في اتحادات البلديات، وتشجيع استخدام تقنيات حديثة كتحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو لتحسين الإنتاج والجودة. ولا بدّ من تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية للمزارعين والعمال في القطاع عبر غرف الصناعة والتجارة والزراعة، لتعزيز مهاراتهم في مجالات الإنتاج، سلامة الغذاء، التعبئة والتغليف.
ومن الضروري خلق بيئة تحفّز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير القطاع الغذائي، سواء عبر استثمارات مباشرة أم عبر برامج دعم حكومية.

 يمكن كذلك الاستفادة من حملات إعلامية لزيادة الوعي بفوائد المنتجات الغذائية المحليّة وتشجيع استهلاكها بدلاً من المستوردة. يجدر أيضاً استكشاف فرص التعاون مع المنظمات الدولية للحصول على الدعم المالي والفني. في هذا الإطار، يجب تحفيز المزارعين والمؤسسات على الابتكار عبر جوائز أو حوافز مالية للمشاريع التي تحسن الإنتاجية أو تعتمد تقنيات حديثة.

ومن الضروري كذلك توفير قروض منخفضة الفائدة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في القطاع الغذائي، مما يعزز فرص نموها وتوسعها، كما أن تشجيع التعاون بين الجامعات والشركات الغذائية في مجالات الأبحاث والتطوير يساهم في ابتكار حلول لتحسين الجودة ورفع الكفاءة. ولا بد من تعزيز استراتيجية واضحة لهوية العلامة التجارية اللبنانية، ترتكز على إبراز الخصوصية والجودة التي تتميز بها المنتجات اللبنانية مثل زيت الزيتون والمونة التقليدية.

وفي السياق نفسه، ينبغي جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتطوير تقنيات جديدة في معالجة الأغذية وتعبئتها، مما يساهم في خفض الكلفة وزيادة التنافسية، كما أن تشجيع المصانع على إنشاء أنظمة تتبع حديثة من المصدر إلى المستهلك يعزز الثقة بالمنتجات اللبنانية. وأخيراً، ينبغي دعم الشركات التي تعتمد ممارسات إنتاج وتغليف صديقة للبيئة، مثل تقليل البلاستيك واستخدام موادّ قابلة لإعادة التدوير، مما يساهم في تحقيق استدامة القطاع الغذائي وتعزيز سمعته محلياً وعالمياً.

 

* بروفيسور واستشاري في تصنيع وسلامة الغذاء - الجامعة اللبنانية الأميركية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق