نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إسرائيل وسياسة حافة الهاوية في سوريا - تكنو بلس, اليوم السبت 3 مايو 2025 02:52 مساءً
حسن جابر*
عقب اندلاع سلسلة اشتباكات في مناطق مختلفة جنوب العاصمة دمشق بين قوات الأمن العام ومجموعات محلية درزية، وظهور مجموعة مسلحة وصفت بالخارجة عن القانون، تبرز تساؤلات رئيسية حول دلالات التصعيد الإسرائيلي بعد الضربة الجوية في محيط القصر الجمهوري في دمشق، وتبعات استمرار الانقسام الدرزي في العلاقة مع دمشق.
تبع الضربة الإسرائيلية بيان مشترك لكل من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس عن هدف الضربة وغايتها، فصرّحا بأنها رسالة تحذيرية لعدم تشكيل خطر على الطائفة الدرزية، فيما يشير السياق السابق لها إلى معطيات مهمة. فعقب اندلاع اشتباكات مسلحة وصفت بالأعنف منذ سقوط النظام السابق في منطقتي جرمانا وأشرفية صحنايا جنوب العاصمة دمشق، وامتدادها على طريق دمشق السويداء، برز لاعب جديد وصف بـ"عناصر خارجة عن القانون"، لم تتضح خلفيته أو انتماؤه، إلا أن مصادر أمنية عرَّفت هذه العناصر بمجموعة تحت قيادة "ياسر أبو عمار"، كانت قد نصبت مكامن لقوات وزارة الدفاع في منطقة أشرفية صحنايا في 30 أبريل/نيسان. وقصفت إسرائيل منذ الساعات الأولى في اليوم نفسه مواقع داخل المنطقة، مما أدى إلى سقوط ضحايا من قوات الدفاع، بالإضافة إلى عشرات المصابين نتيجة الاشتباكات.
توازياً، يبرز حديث شيخ عقل الموحدين الدروز في إسرائيل موفق طريف عن تغيير كبير مرتقب في سوريا، ويبدو محفزاً مهما للتصعيد الإسرائيلي، خصوصا أن المقطع المصور سبق الضربة الإسرائيلية، وتبعها لقاء جمع نتنياهو بطريف يوم الجمعة، وفيه وجّه الأخير شكره لرئيس الحكومة، بما يشير إلى وجود اعتبارات داخلية إسرائيلية تتصل بالقاعدة الدرزية الانتخابية ومسائل تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي، وتضفي نوعاً من التبريرات التي يتم توظيفها لشرعنة التدخل الإسرائيلي المستمر في سوريا منذ سقوط النظام السابق. وإذا ربطنا هذه المبررات ببيان الشيخ حكمت الهجري الذي طالب بحماية دولية للدروز في سوريا، والذي تبعه بيان مشابه لما يعرف بالمجلس العسكري في السويداء، تتضح التقاطعات الرئيسية بين هذه الأطراف.
أمام ما سبق، يظهر بيان مشيخات الدروز في السويداء على النقيض من التحركات السابقة، وخصوصا الشيخين يوسف جربوع وحمود الحناوي- وغاب عنه الشيخ حكمت الهجري وشخصيات درزية أخرى- وقد شدد البيان على وحدة الأراضي السورية، والرفض القاطع لكل أشكال التقسيم أو الانفصال، وتأكيد دور وزارة الدفاع السورية وضرورة تفعيل الأجهزة الأمنية ضمن التفاهمات السابقة، أي بانتشار أبناء السويداء لتولي الأمن تحت مظلة وزارة الدفاع. ويتكامل مع ذلك موقف قيادات القوى الاجتماعية المسلحة وبخاصة يحيى الحجار وليث البلعوس وسليمان عبد الباقي.
أمام هذه المعطيات المتسارعة والتضارب في مواقف المشيخات الدرزية من الحكومة المركزية في دمشق بين رفض الانفصال والدعوات إلى التدخل الخارجي، تبرز الضربة الإسرائيلية الأخيرة كنقطة تحول في المقاربة الإسرائيلية في سوريا، ولا سيما أنها تتزامن مع تحركات عسكرية فعلية على الأرض، وتتصل بمجموعات جديدة خارجة عن القانون، بالإضافة إلى استمرار محاولات اغتيال قادة القوى الاجتماعية الدرزية أخيراً، كليث البلعوس وقبله سليمان عبد الباقي.
بذلك، ترفع إسرائيل سقف التصعيد أمام الحكومة السورية، وتضع المشهد الكلي في سوريا أمام حافة الهاوية. فإذا ما توسعنا في استنطاق التحركات الإسرائيلية ودلالات الضربة الأخيرة في محيط القصر الجمهوري، فهي تتجاوز المعادلة الإسرائيلية القديمة التي تركز على سماء سورية مفتوحة أمام المقاتلات الإسرائيلية، وخاصرة رخوة أمنياً وعسكريًا في الجنوب السوري، وتتجاوز ذلك إلى طرح سؤال عن التهديد المباشر والصريح باستهداف الشخصيات المركزية في دمشق، وفي مقدمهم الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مباشرة.
بطبيعة الحال، لا يمكن تجاوز الدور الرئيسي لشخصية الشرع في هذه المرحلة الحرجة من عمر سوريا، فبقطع النظر عن سردية مكتسبات الثورة السورية، أو بيان النصر الذي تم فيه تنصيب الشرع رئيساً انتقالياً، يتجلى بوضوح حجم التوافق المحلي والدولي على دور الرئيس الانتقالي، فإذا ما سعت إسرائيل أو أي طرف آخر إلى الاستهداف الفعلي للرئيس السوري، فإن ذلك سيفضي إلى دخول سوريا في حالة فوضى عارمة قد تعيدها إلى مربع الصراع الأول.
باحث أردني في معهد السياسة والمجتمع
0 تعليق