علينا ان نختار: التقسيم أم الفيديرالية؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
علينا ان نختار: التقسيم أم الفيديرالية؟ - تكنو بلس, اليوم السبت 3 مايو 2025 10:22 صباحاً


دعونا لا نضيّع مزيداً من سنوات العمر على طريق الاصرار على فبركة أفكار ورؤى لا تتناسب مع واقع مجتمعاتنا، التي ننتقل معها من مجزرة الى أخرى في هذه البلاد أو تلك.

لم يعد الخيار بين أنظمة مركزية نقترحها كحلول للأزمات المتلاحقة في دولنا، أكانت مقترحات دينية أم علمانية أم ما بين (نظام الطائفية السياسية (مثلاً). كما أنه لم يعد الخيار حتى بين الدولة المركزية والدولة الفيديرالية، بل أصبح بشكل لا لبس فيه، بين التقسيم والفيدريالية، إلا بالنسبة الى الذين يستمرون في التمسك بأفكار وتحليلات، لا ترد على بال "الشعب الواحد" ولا تقنعه، هو الذي يتكلمون باسمه وعنه. وكأنهم لا يبالون بانهيار بلدانهم بل يخافون على انهيار تماسكهم النفسي الهش الذي أمّنته لهم الايديولوجيات التي تربوا عليها.

فالصراعات الأهلية، الطائفية والمذهبية والاتنية (بأشكالها الدموية والفكرية والنفسية)، والصراعات الاقليمية (بخاصة الإسرائيلية والتركية والايرانية)، والهيمنة الأميركية شبه المطلقة مع حضور فرنسي خجول، جميعها عوامل باتت تدفع بقوة نحو خيارين لا ثالث لهما أمام شعوب المشرق العربي وبخاصة في سوريا، ولبنان والعراق وربما في الأردن. والخياران هما: التقسيم على أسس مذهبية أو طائفية أو اتنية، أو الفيديرالية على الأسس نفسها، مع بعض التعديلات التي قد تقتضيها الجغرافيا المحلية. 

على الأرجح ان القوى الدولية والاقليمية تفضّل التقسيم لأنها بذلك تحفظ لنفسها نفوذاً مباشراً على بعض المناطق المقسّمة، فالتقسيم تسبقه عادة حمايات دولية أو اقليمية بدأت تتكرر المطالبة بها. وربما أيضاً لأن التقسيم يحافظ على احتمال استمرار الصراع الدموي بين المناطق المقسّمة، لمصلحة القوى الدولية والإقليمية.

لا مصلحة لشعوب المنطقة بالتقسيم بل بالفيديرالية لسببين رئيسيين:
أولاً، لأن الخيار المركزي أصبح مكلفاً جداً وجودياً على حياة الشعوب، وفي المقابل لا وجود فعلياً لقوى محلية تحمل لواء الوطنية بوجه الصراعات الأهلية والهيمنة الخارجية على حد سواء، بعد سقوط شعارات "الشعب الواحد" و"العروبة" و"القومية السورية" و"العلمانية" و"الديموقراطية" و"الاشتراكية".

ثانياً، لأن الفيديرالية تحيّد ثلاثة عوامل تتسبب عادة بالصراعات الأهلية وتؤدي الى التقسيم: الأمن والمال والعلاقات الخارجية، وتحافظ من حيث المبدأ على علاقات سلام وتفاعل اقتصادي واجتماعي وسياسي بين المجموعات المحلية. الفيديرالية تحتاج بالطبع الى توافق اقليمي- دولي، لكنها تؤمّنه بالحياد وبأقل قدر ممكن من التبعية لطرف معيّن أو لأطراف عدة. وهي بذلك الرد الأفضل في آن واحد على تعاظم الصراعات الأهلية وعلى تزايد التبعية المطلقة للأطراف الخارجية.

في لبنان يبدأ مسار الحفاظ على السلم الاهلي بإقرار قانونَي مجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية الموسّعة بأسرع وقت ممكن، ومن دون انتظار التطورات السورية المتسارعة وعدواها التي بدأت تظهر. هذا لا يعني أن يترافق ذلك، كما أراد اتفاق الطائف، مع السعي لإلغاء الطائفية السياسية، فنحن نختبر حالياً الرعب من الانتخابات البلدية في بيروت التي قد تهمّش بشكل كبير التمثيل المسيحي، فنسمع الصراخ يعلو من أجل المحافظة على المناصفة بوجه الاتجاهات الطائفية الطاغية بين المواطنين. فماذا نتوقع ان يحصل اذا طبقنا إلغاء الطائفية السياسية على مستوى لبنان في الانتخابات النيابية؟

 مجلس الشيوخ واللامركزية الادارية الموسّعة يمتصان جزءاً من التجاذبات المذهبية والطائفية، وأعتقد أن ذلك يساعد أيضاً على مقاربة معضلة "حزب الله" وسلاحه، وهي المعضلة الوطنية الأساسية في هذه المرحلة من إعادة بناء الدولة. فما زلت عند رأيي الذي عبّرت عنه منذ أكثر من شهرين في مقال في "النهار"، وهو ان "حزب الله" يفضّل الحل الفيديرالي لأنه لم يعد يستطيع لا الهيمنة على الدولة ولا الانخراط فيها بشكلها الحالي، بحكم تنظيمه الديني- العسكري الذي لم يناسبه في السابق الا التقسيم عبر انشاء دويلته المستقلة عن الدولة اللبنانية، هذا التنظيم الذي يستحيل أن يندمج في نظام سياسي مركزي تعددي وديموقراطي. "ديننا عين سياستنا" كان يقول لنا الخميني.

الاتجاهات في البيئتين المسيحية والدرزية ترحبان ضمنياً بالفيديرالية، الا اذا كانت التطورات الحالية قد أعادت ثقة القوى المسيحية النافذة بالدولة المركزية، مع اعتقادها ربما أنه يمكنها أن تستخدم فائض القوة الخارجي لمصلحتها.

الأهم في الإطار الاقليمي، هو موقف القوى السياسية السنية، بعد هيمنة التنظيمات السنية المتطرفة على الحكم في سوريا. لقد شكل الاعتدال السنّي في لبنان، من خلال تيار الحريري أساساً، مدعّماً اليوم بتيار نواب التغيير داخل البيئة السنية، الضمانة الاولى لغلبة الاعتدال داخل هذه البيئة. يُعتمد عليها اليوم، هي التي قد لا تناسبها الفيديرالية بسبب توزعها الجغرافي، في تسهيل تأمين استقلالية الواقع اللبناني عن التطرف السنّي السوري، والمساعدة في الآن نفسه على إيجاد صيغة لامركزية تؤمّن التعايش السلمي بين الجماعات اللبنانية المتناحرة تاريخياً. وجود رئيس حكومة سنّي مثل نوّاف سلام، المعروف بالاعتدال والانفتاح، يضيف عاملاً مركزياً إيجابياً في هذا الاتجاه السياسي اللامركزي.

مع ذلك أخشى ألا نحسن الاختيار، نحن وجيراننا في المشرق العربي، بسبب الضغوط الخارجية بالدرجة الاولى، وضعف الإرادة الوطنية بالدرجة الثانية وتنكّر الجماعات المختلفة للكراهية في ما بينها بالدرجة الثالثة.

أخشى كذلك أن نندم بعد عقود، على عدم سعينا الجدي لتكوين دول فيديرالية قابلة للحياة، كما ندمنا بعد عقود أيضاً على عدم قبولنا قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين سنة 1948.

كنت أتمنى ان يكون رأيي مختلفاً، أنا العلماني الذي يطمح الى دولة ديموقراطية علمانية تحقق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية بين الطبقات الاجتماعية. لكن ما أرى وأسمع وأقرأ، وما يُستشرف من تطورات، يحتّم عليّ أن أفكّر وأن أقول بصدق، بعد كل التجارب التي مررنا بها ولا نزال، ما أعتقد أنه، وقبل أي شيء آخر، يختصر عدد المجازر ويقنّن من سيل الدماء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق