نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل يريد "التيار الوطني الحر" طرد اللاجئين السوريين من لبنان؟ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 02:00 مساءً
الان علم الدين
نظّم "التيار الوطني الحر" تحركاً في نهر الموت في الذكرى العشرين لجلاء الجيش السوري من لبنان، السبت 26 نيسان 2025، تحت شعار "محتلين بثياب نازحين". كذلك أعلن رئيسه جبران باسيل "حرب التحرير الثانية" في وجه "جيش المحتلين الجدد".
تنمّ هذه النظرة الهوياتية عن عدم فهم ماهية الاحتلال. فوجود أجانب على أرض ما ليس احتلالاً في ذاته. على سبيل المثال، اللبنانيون في فرنسا ليسوا محتلين، وحتى غير الشرعيين، هناك "مقيمون غير شرعيين" وليسوا محتلين، وحتى المجرمين منهم "مجرمون" وليسوا محتلين. أما الإسرائيليون في فلسطين فهم محتلون، ليس لأنهم يهود أو حتى لأنهم ليسوا فلسطينيين فحسب، بل لأنهم، وهم غير فلسطينيين، يحملون مشروعاً سياسياً لإقامة دولة خاصة بهم. فالاحتلال هو فرض هيمنة سياسية على مجتمع ما من خارجه وليس مجرد وجود جغرافي. وعليه، السوريون في لبنان ليسوا محتلين.
لكن لنتغاضى عن سوء الفهم هذا، "بريئاً" كان أم مقصوداً، في طرح التيار. ولنتغاضى عن الشق الأخلاقي المرتبط بطرد مئات الألوف من البشر بشكل تعسفي. ولنسأل: هل يريد التيار فعلاً طرد اللاجئين السوريين؟ للإجابة، علينا أن نعلم ما الخطوات الضرورية لذلك، وأن نتساءل إن كان يطرح فعلاً القيام بهذه الخطوات.
تعداد السكان: كان لبنان قد طالب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ببيانات اللاجئين السوريين وتسلمها منها عام 2023. وهذا ما يكشف أن لبنان نفسه لم يقم بالجهد المطلوب لمعرفة هوية المقيمين على أرضه وعددهم وخلفيتهم ووضعهم. وما زال حتى اليوم يجهل: تفاصيل أساسية عنهم كوضعهم الصحي والدراسي والمهني ومكان سكنهم، معلومات عن السوريين والأجانب الآخرين الموجودين على الأراضي اللبنانية، معلومات عن اللبنانيين أنفسهم المقيمين في لبنان كما المهاجرين. وعليه، لا يمكن الحكومة اللبنانية طرد اللاجئين إذ لا تعلم مكان إقامتهم. فهل يطرح التيار إجراء تعداد للسكان؟
البرنامج الاقتصادي: يشكل اللاجئون السوريون جزءاً من الاقتصاد اللبناني بطرق عدة. فهم يد عاملة خصوصاً في مجالات الإعمار والزراعة والخدمات والتنظيف والتجارة أو البيع. وهم مستهلكون محليون ومصدر دخل أموال خارجية من خلال هيئات دولة حكومية و"غير حكومية". وهذا بدوره ما يؤمّن الدخل لعشرات ألوف العائلات اللبنانية. بالتالي، أن طرد اللاجئيين السوريين من دون دراسة تأثير هذا الطرد على الاقتصاد المحلي خطوة كارثية. وطبعاً، تشترط هذه الدراسة القيام بتعداد يلحظ مكان السكن ومستوى التعليم والخبرة المهنية لكل المقيمين. فهل باشر التيار دراسة من هذا النوع؟
من ناحية أخرى، لا بدّ من التفكير في القيمة الإنتاجية والاقتصادية التي يشكلها العمال السوريون للبنان، فحتى اللاجئين العاطلين عن العمل، وهم كثر، يشكلون طاقة بشرية يمكن الاستفادة منها في إطار برنامج اقتصادي شامل من شأنه تخطي الأزمة الاقتصادية المستفحلة وردّ قيمة الليرة اللبنانية والحدّ من نزيف الهجرة. ومجدّداً، إن تعداد السكان أساس لوضع خطة من هذا النوع. فأين البرنامج الاقتصادي للتيار؟
العلاقة بالنظام السوري والدول الأخرى: إن طرد اللاجئين السوريين ليس خطوة أحادية يمكن للبنان التفرّد بها. فماذا لو رفض النظام السوري الجديد استقبال كل هؤلاء اللاجئين؟ هل المطلوب إعادة تأسيس المخيمات عند الحدود مع سوريا؟ وعليه، لا بد من التفاوض مع النظام السوري الجديد. وهذا ما يطرح، في المناسبة، علامات استفهام على من نادوا على مرّ السنين بطرد اللاجئين السوريين ومقاطعة نظام الأسد في آن واحد! كما أن لعدد من البلدان الأخرى مصالحها في وجود السوريين بلبنان، مما يعني أن التفاوض معها محسوم أيضاً. والعائق هنا أن ليست للبنان دولة وسياسة خارجية بل أمراء طوائف، "يُدخِل" كل منهم "خارجاً" إلى داخلنا. والأمر ليس محصوراً بالمفاوضات السياسية، إذ أن المجتمع نفسه مفكك من هذا الناحية. فما هي السياسات التي يطرحها التيار لإعادة اللُحمة المجتمعية وبناء دولة سيدة ومستقلة قادرة على مواجهة الخارج؟
بديهياً، نحن لا نقترح هنا خارطة طريق لطرد اللاجئين السوريين في لبنان. فقد شهدت منطقتنا نتائج المنطلقات الهوياتية ونتائجها الكارثية على مجتمعاتها. بل نهدف الى أمرين: أولاً، إثبات أن التيار لا يسعى الى طرد اللاجئين السوريين. بل أنه، هو ومعظم أحزاب لبنان التي تتبنى خطاباً مماثلاً، لا تكترث لا لبقائهم ولا لرحيلهم ولا للاقتصاد أو المجتمع اللبناني من الأساس. إذ أن سقف رؤيتهم هو استخدام الخطاب العنفي لشد العصب وكسب بعض الأصوات في الانتخابات البلدية المقبلة. وثانًاً، للإشارة الى عجز سلطتنا، ليس عن التعامل مع ملف اللاجئين فحسب، بل عن إدارة شؤون مجتمعنا ككلّ.
حان وقت تبني مشروع فرض الانتقال من المنطق الهوياتي العدواني لإرساء شرعية دولة قادرة على إدارة شؤون مجتمعها، من خلال تعداد السكان والخطة الاقتصادية (بما في ذلك تنظيم عودة عدد من اللاجئين بكرامة وتنظيم مساهمة البعض الآخر في الاقتصاد اللبناني)، والسيادة عند التعامل مع الخارج. لا جدوى، طبعاً، من مطالبة زعماء الطوائف والعصبيات بذلك، فهم يعلمون ماذا يفعلون. بل علينا الانتظام من خلال الانخراط في أحزاب سياسية تعمل على قلب موازين القوى لفرض هذا المشروع.
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية
0 تعليق