"رويترز": وثائق لصعود طموحات إيران التوسعية وأفولها في سوريا... نموذج مماثل لخطة "مارشال" الأميركية - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"رويترز": وثائق لصعود طموحات إيران التوسعية وأفولها في سوريا... نموذج مماثل لخطة "مارشال" الأميركية - تكنو بلس, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 10:59 صباحاً

كشفت وثائق إيرانية أنّ الجمهورية الإسلامية كانت لديها خطة كبرى لسوريا مستلهَمة من مشروع ضخم لأميركا.

 

فمثلما أحكمت الولايات المتحدة هيمنتها على العالم باستثمار مليارات الدولارات في إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كانت طهران تسعى لتكرار التجربة ذاتها في الشرق الأوسط من خلال إعادة إعمار سوريا التي مزقتها الحرب.

 

وأشارت الخطة الطموح المفصلة في دراسة إيرانية رسمية من 33 صفحة عدة مرات إلى "مشروع مارشال" الأميركي لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب. ووفقاً لما جاء في عرض تقديمي مصاحب للدراسة نجحت استراتيجية الولايات المتحدة في جعل أوروبا "معتمدة على أميركا" من خلال "التأسيس لتبعية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية".

 

وعثر مراسلو "رويترز" على الوثيقة التي تحمل تاريخ أيار/ مايو 2022 في سفارة طهران بدمشق التي تعرضت للنهب عندما زاروا المبنى في كانون الأول/ ديسمبر.

 

وأعدّت الدراسة وحدة إيرانية متخصصة في السياسات الاقتصادية تمركزت في سوريا. وكانت الوثيقة من بين مئات الأوراق التي عثروا عليها هناك وفي مواقع أخرى في العاصمة، منها رسائل وعقود ومخططات للبنية التحتية، وتظهر جميعها كيف خططت إيران لاستعادة المليارات التي أنفقتها لإنقاذ الرئيس السابق بشار الأسد خلال الحرب الأهلية الطويلة. وتحتوي وثيقة استراتيجية سوريا على تصوّر لبناء إمبراطورية اقتصادية في البلاد وتعزيز النفوذ الإيراني فيها.

 

وتشير واحدة من النقاط الواردة في الدراسة إلى ما وصفتها بأنها "فرصة بقيمة 400 مليار دولار".

 

وتحطّمت تلك الطموحات التوسعية حينما أطاحت جماعات من المعارضة المسلحة معادية لطهران بالأسد في ديسمبر كانون الأول وأجبرته على الفرار إلى روسيا. كما خرجت الجماعات المسلحة التابعة لطهران والدبلوماسيون والشركات الإيرانية من سوريا على عجل وتعرضت سفارة طهران في دمشق للنهب.

 

وكان المبنى مليئاً بالوثائق التي تسلط الضوء على تحديات واجهت المستثمرين الإيرانيين. وتمنح تلك الوثائق إلى جانب الأشهر الطويلة التي استغرقها الإعداد لهذا التقرير نظرة جديدة على جهود أخفقت في تحويل سوريا إلى دولة تدور في فلك إيران وتدر لها الأموال.

 

وأجرت "رويترز: مقابلات مع أكثر من عشرة من رجال الأعمال من إيران وسوريا وتحرت في أمر شبكة شركات إيرانية تلتف على العقوبات الدولية وزارت بعض مواقع لاستثمارات إيرانية مهجورة في سوريا شملت منشآت دينية وصناعية وعسكرية. وتعطلت تلك الاستثمارات بسبب هجمات المسلحين والفساد المحلي والعقوبات وموجات القصف الغربية.

 

ومن بين تلك الاستثمارات محطة كهرباء بقيمة 411 مليون يورو في اللاذقية على البحر المتوسط كانت تبنيها شركة هندسية إيرانية. وتعطلت الأعمال في المحطة. وتخلّت طهران أيضاً عن مشروع لاستخراج النفط في الصحراء الشرقية لسوريا، كما انهار جسر سكة حديد شيدته جمعية خيرية مرتبطة بالزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي على نهر الفرات بتكلفة 26 مليون دولار في غارة جوية شنّتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة قبل سنوات، ولم يُجرِ إصلاحه أو تسديد ثمنه بالكامل.

 

ولا تُمثّل المشروعات الأربعون تقريباً الواردة في وثائق السفارة سوى النزر اليسير من إجمالي استثمارات إيران. لكن في تلك المجموعة وحدها وجدت "رويترز" أن ديون سوريا المستحقة للشركات الإيرانية بلغت قرب نهاية الحرب ما لا يقل عن 178 مليون دولار. وقدر نواب إيرانيون سابقون في تصريحات علنية إجمالي ديون حكومة الأسد لطهران بأكثر من 30 مليار دولار.

 

وعلى سبيل المثال، خسر رجل أعمال إيراني يدعى حسن شاخصي 16 مليون يورو بعد أن شحن قطع غيار سيارات إلى ميناء اللاذقية قبيل سقوط الأسد. وقال شاخصي "أسست مكتبا ومنزلا في سوريا. وضاعا". وأوضح أنه لم يتحصل على أي أموال مقابل البضائع التي اختفت، قائلاً: "أتمنى ألّا يكون تاريخ إيران الطويل مع سوريا قد انتهى. أنا حاليا مضطر للبحث عن عمل في مكان آخر".

 

وفي نهاية المطاف، آلت طموحات إيران في استنساخ مشروع مارشال وبناء إمبراطورية اقتصادية تشمل سوريا إلى مصير يشبه نكسات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.

 

 

 

عنصر مسلّح في صحنايا السورية (أ ف ب).

 

ودعم التدخل المبكر في الحرب الأهلية السورية لمساندة الأسد نفوذ طهران في الدولة المطلة على البحر المتوسط. وتكشف الأموال التي تبددت في تلك الاستثمارات عن مخاطر مالية صاحبت ذلك التدخل وكيف أضر الاعتماد المتبادل بين حكومتي سوريا وإيران بكليهما.

 

وجاء سقوط الأسد وانهيار طموحات طهران في سوريا في وقت حرج لقادة الجمهورية الإسلامية. فقد تعرضت إيران لضربة قوية وجهتها إسرائيل لحليفها حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة.

 

كما تتعرض طهران لضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتفاوض على اتفاق من شأنه وضع قيود على البرنامج النووي الإيراني أو التعرض لعمل عسكري إذا رفضت. وتسارع أطراف إقليمية منافسة، منها تركيا وإسرائيل، إلى ملء الفراغ الذي نتج عن تراجع نفوذ إيران في المنطقة.

 

ويتعيّن على الحكومة السورية الجديدة التعامل مع العديد من مشاريع البنية التحتية المتوقفة بينما تحاول إعادة بناء دولة مزقتها الحرب.

 

وعثر مراسلو "رويترز" على مجموعة من الوثائق في أثناء زيارتهم لمؤسسات القوة الناعمة الإيرانية في سوريا بعد سقوط الأسد، منها مكاتب دبلوماسية واقتصادية وثقافية، وقاموا بتصوير ما يقرب من ألفي وثيقة، من بينها عقود تجارية ومخططات اقتصادية وبرقيات رسمية، قبل أن يتركوها حيث وجدت. واستخدم الصحفيون الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك برنامج المساعدة القانونية بالذكاء الاصطناعي (كو كاونسيل) المملوك لشركة تومسون رويترز، لتلخيص وتحليل النصوص.

 

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في كانون الأول / ديسمبر إنه يتوقع من القيادة السورية الجديدة الوفاء بالتزاماتها تجاه بلاده. لكن ذلك ليس ضمن أولويات الحكومة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام، الجماعة المعارضة السابقة التي حاربت الأسد وداعميه الإيرانيين.

 

وقال الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في مقابلة أجريت معه في كانون الأول / ديسمبر إنّ الشعب السوري يعاني من جرح سببته إيران وسيحتاج إلى وقت طويل حتى يلتئم.

 

وتقول الإدارة الجديدة إنّها تريد بناء سوريا ديمقراطية لا تستثني أحداً. ويخشى بعض السوريين، وخاصة الأقليات غير السنية، من أن تحتفظ بهدف إقامة حكومة إسلامية.

 

وبالنسبة لمعظم السوريين، كان رحيل الأسد والفصائل المدعومة من إيران مدعاة للاحتفال. إلّا أنّ السوريين الذين عملوا مع الإيرانيين لديهم مشاعر متباينة تجاه هجرة الشركات الإيرانية بعدما تركت العديد منهم دون دخل.

 

قال مهندس سوري عمل في محطة توليد الكهرباء المعطلة في اللاذقية "إيران كانت هنا، كان هذا هو الواقع، وظللت لفترة أكسب رزقي من وجودها".

 

طلب المهندس عدم الكشف عن اسمه خوفاً من الانتقام لعمله مع شركة إيرانية، بعد موجة من عمليات قتل الشهر الماضي لسوريين مرتبطين بالنظام السابق. وقال إنّ مشروع اللاذقية استعان بإيرانيين غير مؤهلين وواجه صعوبات مالية وفسادا، لكن كان من شأنه عند اكتماله أن يعزز شبكة الكهرباء السورية التي تعاني من ضغوط. وقال: "كانت محطة توليد الكهرباء شيئا لمستقبل سوريا".

 

رجل إيران في سوريا

 

كان الرجل المكلف بتنفيذ الخطط الاقتصادية الإيرانية في سوريا مدير إنشاءات من الحرس الثوري الإيراني يدعى عباس أكبري. ورُقي أكبري وسط ضجة إعلامية في مارس آذار 2022 لقيادة وحدة "مركز تنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية".

 

وكلفت الوحدة بتعزيز التجارة واسترجاع عوائد من الاستثمارات الإيرانية. وأعد فريقه دراسة اتخذت من خطة مارشال نموذجاً.

 

استعان أكبري برفاقه في الحرس الثوري للمساعدة في الخدمات اللوجستية للمشاريع المدنية.

 

وعثرت رويترز على رسائل موقعة من أكبري في السفارة الإيرانية المنهوبة. تتضمن الوثائق تفاصيل المشاريع التي دعمها والأموال التي أُنفقت. وبالقرب من الأوراق المتناثرة، اكتشف مقاتلون كانوا يحرسون المبنى قبوا وحزمة من متفجرات (سي4).

 

قوات الإدارة السورية في صحنايا (أ ف ب.)

قوات الإدارة السورية في صحنايا (أ ف ب.)

 

 

بدأ التدخل الإيراني في سوريا قبل وصول أكبري بوقت طويل. فقد فازت (مجموعة مبنا) وهي تكتل إيراني للبنية التحتية وظف المهندس السوري الذي عمل في مشروع اللاذقية، بأول عقد رئيسي لها عام 2008 لتوسيع محطة كهرباء قرب دمشق. وسرعان ما تبع ذلك عقد ثان لبناء محطة أخرى قرب مدينة حمص.

 

كانت الصفقات جزءا من استثمار إيراني متنام في سوريا خلال السنوات التي سبقت انتفاضة عام 2011 ضد الأسد، إذ عزلت العقوبات الأمريكية كلا البلدين عن الغرب. وكانت ثمرة علاقة تعود إلى الثورة الإيرانية عام 1979 التي أطاحت بنظام الشاه وأسست الجمهورية الإسلامية.

 

كان والد الأسد، الرئيس الراحل حافظ الأسد، أول زعيم عربي يعترف بالجمهورية الإسلامية، وساعد في تسليح النظام الديني الشيعي الوليد بقيادة آية الله روح الله الخميني في حربه مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. وقاتل البلدان إسرائيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وكان الدور الإيراني في تلك الحرب عبر دعم حزب الله. وأرسلا لاحقا مقاتلين وأسلحة لمقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق بعد عام 2003.

 

وآتت الاستثمارات السياسية الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان ثمارها لسنوات. ويعيش في العراق ولبنان عدد كبير من الشيعة، وقد هيمنت فصائل شبه عسكرية شيعية، برعاية الحرس الثوري، على الحكومات المتعاقبة في بغداد وبيروت.

 

وأصبحت سوريا طريق العبور الرئيسي للأسلحة والأفراد عبر "محور المقاومة"، وهو الاسم الذي تطلقه إيران على الجماعات المسلحة والدول التي تدعمها في مواجهة إسرائيل والغرب.

 

كما حظيت سوريا بأهمية دينية بالنسبة لإيران التي ترسل مئات الآلاف من الزوار الشيعة سنويا لزيارة مقام السيدة زينب بجنوب دمشق.

 

وانطلقت العلاقات الاقتصادية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقت حصول شركة مبنا على أول عقودها.

 

ثم اندلعت الانتفاضة السورية ضد الأسد عام 2011 ضمن انتفاضات الربيع العربي. وهددت الثورة المصالح الإيرانية العسكرية والسياسية والدينية وبشكل خاص الاقتصادية.

 

ثار مئات الآلاف من السوريين على حكومة الأسد التي حكمت من خلال نخبة من الأقلية العلوية.

 

وحولت الحملة الصارمة التي انتهجها بشار الأسد الثورة إلى حركة مسلحة هيمنت عليها جماعات إسلامية سنية. وتسببت الحرب الأهلية في انقسامات عرقية ودينية جلبت الفوضى إلى بلد يقطنه خليط من السنة والمسيحيين والعلويين والأكراد وغيرهم، مع تزايد خوف الأقليات من ثورة طائفية.

 

وهبت إيران الشيعية وكذلك روسيا، الداعم الرئيسي الآخر للأسد لنجدة حليفها بإرسال العتاد والأفراد. كما أرسلت إيران مهندسين ورجال أعمال.

 

"لم تترك إخوانها وحدهم"

 

في أواخر ديسمبر كانون الأول 2011، اصطدمت شركة مبنا بواقع العمل في سوريا في زمن الحرب. وأفادت وسائل إعلام إيرانية رسمية بأن مسلحين سوريين خطفوا سبعة إيرانيين من محطة جندر للطاقة قرب حمص. وقُتل اثنان منهم، وفقا لرسالة من الشركة عام 2018 لوزير الكهرباء السوري اطلعت عليها رويترز.

لكن الصراع زاد من استثمارات مبنا، إذ أتاح لها عقودا جديدة لإصلاح شبكة الكهرباء السورية المتضررة جراء المعارك، والتي كانت بحلول عام 2015 تنتج أقل من نصف إنتاجها قبل الحرب. وكانت الصفقة الأكثر طموحاً هي بناء محطة اللاذقية.

 

وبحسب رسائل من الشركة اطلعت عليها رويترز، وما كشفه المهندس السوري الذي عمل في اللاذقية، كانت المشاريع متعثرة ومكلفة منذ البداية.

 

وقال المهندس: "كان من المفترض أن يستغرق مشروع اللاذقية 20 شهراً، بدءاً من عام 2018 تقريبا. والآن المشروع متوقف".

 

وأعلنت شركة مبنا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، أي قبل شهر من الإطاحة بالأسد، أنها قطعت نصف الطريق تقريباً في البناء.

 

وقال المهندس إن سوريا أصرت على التعاقد مع مقاول فرعي مرتبط بعائلة الأسد، والذي وظف في كثير من الأحيان بنائين ومهندسين غير مؤهلين.

 

وأضاف أن مبنا ذاتها كان لديها عمال مؤهلون، فيما حصل آخرون على وظائفهم من خلال علاقات مع إيرانيين على ما يبدو.

 

وقال: "كانت هناك دائما مشاكل مالية (منها) تأخير في المدفوعات بين الحكومتين، بالإضافة إلى تقلبات أسعار العملات".

 

وتأكدت رواية المهندس عن مشاكل الدفع والبيروقراطية السورية من خلال رسائل في السفارة، أظهرت أيضا كيف كان رأس مال مبنا ذاته معرضا للخطر.

 

وفي رسالة من مبنا عام 2017 إلى السفير الإيراني، ذكرت الشركة أن سوريا تغير بنود صفقات جرى إبرامها بالفعل تاركة إياها أمام مسؤولية تمويل محطة توليد الكهرباء في اللاذقية بالكامل، بالإضافة إلى مشروع آخر جرى الاتفاق عليه مبدئيا بتمويل 60 بالمئة من الشركة.

 

وبعد عام، اشتكى رئيس الشركة في رسالة إلى وزير الكهرباء السوري من تجاهل الحكومة عرضا لشحن قطع غيار لمحطة في حلب، ومن تباطؤها أيضا في الموافقة على عقود أخرى مع مبنا كلفت الشركة عشرات الملايين من اليورو.

 

وختم عباس علي آبادي رئيس الشركة ووزير الطاقة الإيراني الحالي رسالته المحبطة عام 2018 قائلا "لم تترك مجموعة مبنا إخوانها في وزارة الكهرباء السورية وحدهم أبدا... خلال سبع سنوات من الحروب الأهلية، بينما غادرت جميع الشركات الأجنبية".

 

وتظهر رسائل داخلية أن الشركة تلقت في بعض الأحيان مساعدات لوجستية من أكبري، مدير الإنشاءات التابع للحرس الثوري. وشمل ذلك مطالبة وحدات الحرس الثوري الإيراني بتخصيص وقود لمبنا.

 

وأصلحت مبنا محطة حلب الحرارية على نحو جزئي بحلول صيف عام 2022. وظهر الأسد في صورة تذكارية وهو يتجول مزهوا في المحطة. وظلت مشاريع أخرى قيد التنفيذ.

 

وتعمل محطة جندر، التي تضررت أثناء القتال، بطاقة منخفضة.

 

ترك المهندس السوري مشروع اللاذقية عام 2021 لرفضه العمل لدى المقاول السوري المرتبط بالأسد بسبب الفساد، واعتبر المشروع محكوما عليه بالفشل. وقال "عانيت من أجل العثور على عمل دائم منذ ذلك الحين".

 

ولزم المهندس المنتمي للطائفة العلوية منزله الشهر الماضي حين شهدت البلاد موجة من أعمال العنف الطائفي.

 

طهران (أ ف ب).

طهران (أ ف ب).

 

 

عقوبات وديون

 

تكررت المشاكل الأمنية والمالية لشركة مبنا مع عدد من الشركات الإيرانية الأخرى في سوريا.

 

فقد فازت شركة "كوبر وورلد"، وهي شركة خاصة للأسلاك الكهربائية مقرها طهران، بمناقصة لتوريد كابلات لشركة كابلات سورية قبيل الحرب. وعندما بدأ القتال، بدا وضع الاستثمار غير مستقر.

 

وقال مصدر مطلع على الصفقات لرويترز إن المعارضة المسلحة سرقت شحنة بملايين الدولارات في سوريا عام 2012. وأضاف أن كوبر وورلد مضت قدما في سوريا لأن العقوبات أغلقت أسواقا أخرى أمامها. وطالبت كوبر وورلد بتعويضات من خلال المحاكم السورية، واستعادت بعضا من خسائر الصادرات. أما الباقي، المستحق على الشركة الوطنية للتأمين السورية، فلم يدفع حتى الآن.

 

وأضاف المصدر أن شركة الكابلات السورية طالبت بمبلغ 50 ألف دولار كشرط لمنح كوبر وورلد عقدا جديدا، في حين كانت تبرم الصفقة ذاتها مع شركة مصرية منافسة. وقارنت الشركتان البيانات واكتشفتا ما كان يحدث. ولم تعرف رويترز كيف تمت الصفقة.

 

وفي مناسبة أخرى، استخدمت شركة سورية لتحويل الأموال، مكلفة بتحويل الأموال إلى كوبر وورلد، أسعار صرف قديمة للمدفوعات وقت انخفاض قيمة الليرة السورية، مما أدى إلى نقص في تمويل كوبر وورلد.

وقال المصدر "التحويلات المصرفية وتقلبات أسعار العملات قضيا على ذلك الاستثمار".

 

وطلبت رسالة من كوبر وورلد عُثر عليها بالسفارة الإيرانية مساعدة أكبري في تجاوز صعوباتها المالية في سوريا. وطلبت الرسالة منه الضغط على مصرف سوريا المركزي وشركة تحويل الأموال لدفع 2.4 مليون دولار مستحقة لها.

 

وتضمن جدول منفصل لمشاريع ومدفوعات عالقة وتكاليف إضافية، شرحه مسؤولون إيرانيون، عشرات التأخيرات ومشاكل دفع لشركات أخرى.

ومع ذلك، ورغم محنة مبنا وكوبر وورلد وغيرهما، ضاعفت إيران استثماراتها في سوريا.

 

ووقعت إيران اتفاقية تجارة حرة عام 2011 مع سوريا، قبل أيام من واقعة خطف العمال التابعين لمبنا، ركزت على الصناعة والتعدين والزراعة.

 

وفتحت الحكومة الإيرانية خط ائتمان لدمشق بقيمة 3.6 مليار دولار في عام 2013، وخطا ثانيا بقيمة مليار دولار في عام 2015، في بداية سلسلة قروض كبيرة لمساعدة سوريا على سداد قيمة الواردات، بما في ذلك النفط.

 

وذكرت الأمم المتحدة في تقديرات نشرت مؤخرا أن إيران كانت تنفق ستة مليارات دولار سنويا في سوريا بحلول عام 2015. ووصفت إيران تقديرات إنفاقها في سوريا بالمبالغ فيها، لكنها لم تقدم رقما رسميا.

 

ووقعت إيران وسوريا سلسلة من الاتفاقيات بين عامي 2015 و2020 لسد الديون المستحقة لطهران لدى دمشق. وشملت الاتفاقيات حصول إيران على أرض زراعية، ورخصة لتشغيل شبكة للهواتف المحمولة، ومشاريع إسكان، وحقوق لتعدين الفوسفات، وعقود للتنقيب عن النفط.

 

وخلصت رويترز إلى أن العديد من هذه المشاريع واجهت صعوبات مماثلة تتعلق بالعقوبات والقوى العاملة والأمن، ولم تحقق دخلا يذكر أمام تلك المصاعب.

 

في غضون ذلك، كانت إيران تخسر صفقات لصالح دول أخرى. وأفادت دراسة أكبري أن روسيا، الحليف الكبير الآخر لسوريا، ركزت على "القطاعات المربحة" في البلاد، مثل النفط والغاز.

 

وبعد سبعة أشهر من الموافقة على تولي إيران إدارة ميناء اللاذقية، جددت سوريا في المقابل عقد إيجار مع شركة فرنسية.

 

"أصحاب المصلحة والمافيا الاقتصادية والتجارية"

 

كان أكبري ورؤساؤه في طهران يدركون تماما ضآلة عائد استثماراتهم في سوريا بحلول الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الإيرانية عن منصبه الجديد على رأس "مركز تنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية" عام 2022.

 

أُجريت الدراسة التي أشارت إلى خطة مارشال في عهد أكبري. وتُعدد الدراسة سلسلة من المشاكل التي عانت منها إيران في سوريا في القطاع المصرفي والنقل، و"انعدام الأمن"، والروتين.

 

كما أشارت إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي وكالة المساعدات الأمريكية التي أوقف ترامب تمويلها. وشأنها شأن خطة مارشال، اعتبر الإيرانيون الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أداة فعالة للغاية لترسيخ القوة الاقتصادية والقوة الناعمة الأمريكية - وهو نموذج "بناء أمة" أرادوا اعتماده في سوريا.

 

وذكرت الدراسة أن ذلك سيساعد إيران على "تحقيق أهداف مثل تعزيز الأمن الإقليمي"، بالإضافة إلى "تحييد" العقوبات الأميركية.

 

وبدون ذكر دول أخرى بالتفصيل، أشارت إلى أن سوريا تقع على "خط المواجهة" في معركة إيران مع إسرائيل، وحلقة وصل رئيسية مع جماعة حزب الله في لبنان. وتشمل مشاريع القوة الناعمة الإقليمية لإيران الأعمال الخيرية وأعمال البناء في العراق، وتمويل المعاهد الدينية في لبنان.

 

وقابل الإيرانيون هذا الإنفاق بانتقادات متزايدة بسبب معاناتهم في ظل تدهور الاقتصاد المحلي.

 

ومع تولي أكبري لمنصبه، كان الأسد قد دحر الانتفاضة إلى حد كبير بمساعدة إيرانية وروسية.

 

وجنت إيران بعض المكافآت الاستراتيجية، إذ عمقت نفوذها في الجيش السوري، وشكلت فصائل محلية مسلحة إلى جانب تلك التي جلبتها من الخارج، ونشرت قوات شبه عسكرية في مراكز رئيسية مثل دمشق والسيدة زينب وحلب.

 

لكن الشركات الإيرانية بدأت تفقد اهتمامها. وبعد انحسار القتال، لم تسجل سوى 11 شركة مرتبطة بإيران سنويا في سوريا في عامي 2022 و2023، وهو عدد يفوق بقليل ما كان عليه الحال خلال أسوأ سنوات الحرب الأهلية، وفقا لتحليل شاركه الخبير الاقتصادي السياسي السوري كرم شعار مع رويترز.

 

جاء في رسالة من مركز أكبري إلى السفير الإيراني في سوريا "عدم سداد البنوك السورية مستحقات الشركات الإيرانية يُثبط الاستثمار".

 

وألقى المركز باللوم على "البيروقراطية السورية المعقدة". واقترح عرض تقديمي على برنامج باور بوينت، كان موضوعا بجوار دراسة المركز في السفارة الإيرانية، حلا بديلا وهو "التعرف على أصحاب المصلحة الرئيسيين والمافيا الاقتصادية والتجارية" في سوريا.

 

وقال المركز إن العقوبات ستظل تمنع سوريا من التعامل مع الغرب، مما يجعل إيران أحد خياراتها القليلة. ومن الخيارات الأخرى الدول العربية وتركيا، التي سعت لإحياء علاقاتها مع الأسد بعد سنوات من دعمها للمعارضة.

 

ومضى أكبري في جهوده. ففي صورة مرفقة بنسخة مطبوعة من محضر اجتماع داخلي، يجلس الرجل مبتسما أمام وزير الصناعة السوري في فندق بحلب. وجاء في محضر الاجتماع "طلب السيد أكبري من الجانب السوري تحديد المصانع غير المكتملة" لتبنيها الشركات الإيرانية.

 

وقعت إيران اتفاقيات جديدة مع سوريا في عامي 2023 و2024، شملت إنشاء بنك مشترك، وتجارة خالية من الرسوم الجمركية، ومحاولة ثانية لتنفيذ معاملات باستخدام العملات المحلية - وهي خطوة من شأنها تجنب العقوبات من خلال الحد من استخدام الدولار.

 

لكن الوقت كان يوشك على النفاد أمام أكبري ومهمته.

 

انقلاب رأساً على عقب

 

تميط الأوراق والأغراض والمعدات العسكرية المتناثرة في أنحاء السفارة الإيرانية في دمشق وفندق للمهندسين والعمال الإيرانيين مجاور لمقام السيدة زينب ومركز ثقافي قريب اللثام عن مزيج من العقود والخطط وأنشطة لنشر المذهب الشيعي والخدمات اللوجستية العسكرية الصناعية.

 

وبجانب مجلدات الفقه الإسلامي وكتاب للتعريف بالمذهب الشيعي في المركز الثقافي، توجد طلبات مقدمة من إيرانيات للالتحاق بقوات الباسيج شبه العسكرية الإيرانية. وإلى جوار خطط بشأن تجديد مقام السيدة زينب، ظهر دفتر ملاحظات شخصية كان عامل إيراني في الفندق المجاور يعلم نفسه اللغة العربية فيه.

 

ورغم المشاكل المتعددة، ظلت إيران تضخ الأموال بسخاء لصيانة مقام السيدة زينب. كما كانت تدفع رواتب للعائلات الإيرانية التي انتقلت إلى المنطقة، وفقا لوثائق إيرانية عثر عليها في مقام السيدة زينب.

 

وأسدل سقوط الأسد العام الماضي الستار على خطة أكبري في سوريا. وحتى قبل ذلك، كانت إسرائيل قد سحقت تقريبا محور المقاومة الذي دعمته إيران وقتلت قادة حركة حماس الفلسطينية وجماعة حزب الله اللبنانية إلى جانب قادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني في سوريا.

 

وفي نيسان/ أبريل 2024، دمر هجوم إسرائيلي مبنى القنصلية الملحق بسفارة دمشق.

 

وكان أبو غسان واحدا من مقاتلي الحكومة السورية الجديدة المكلفين بحراسة السفارة في الأيام التي تلت سقوط الأسد. وقال إنه وزملاءه عثروا على عبوة ناسفة مخبأة في أحد الممرات وبعض صناديق الذخيرة الفارغة.

 

وأضاف "لا يزال سكان من المنطقة يأتون بحثا عن المال أو الذهب. لكن لم يتبق شيء له قيمة".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق