نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب في أول 100 يوم من ولايته الثانية: اقتصاد متأرجح وشعبية متآكلة تحت وطأة الأرقام - تكنو بلس, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 05:32 صباحاً
ينهي الرئيس دونالد ترامب الأيام المئة الأولى من ولايته الثانية محاصراً بجبهتين مشتعلتين: أسواق مالية مضطربة، وتأييد شعبي آخذ في التآكل. وبينما روّجت إدارته لهذه الفترة على أنها انطلاقة اقتصادية "غير مسبوقة"، تُظهِر الحقائق الماثلة على الأرض صورة أكثر هشاشة وتقلّباً، تنعكس بوضوح في أرقام البورصات، ومؤشرات الاستهلاك، وثقة الشارع الأميركي.
يُذكَر أن الأيام المئة الأولى من الفترة الرئاسية اكتسبت أهمية رمزية خلال ولاية الرئيس فرانكلين روزفلت الأولى، وباتت تُعتبَر معياراً لقياس النجاح المبكر للرئيس. فور تولّي روزفلت منصبه في 3 آذار (مارس) 1931، دعا الكونغرس إلى جلسة خاصة تمتدّ لثلاثة أشهر (نحو مئة يوم)، قدّم خلالها 15 مشروع قانون مصمّمة لمواجهة آثار الكساد الكبير، الذي بدأ في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1929، وتمكّن من تمريرها.
أما ترامب، فاعتمد اقتصادياً منذ اللحظة الأولى لعودته إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) 2025 سياسات حمائية شرسة: فرض رسوماً جمركية على الواردات الصينية وصلت إلى 145 في المئة، وأخرى على منتجات من كندا وأوروبا بنسب تراوحت ما بين 30 في المئة و90 في المئة. وأدّت هذه القرارات وتأجيل بعضها إلى تراجع حجم التجارة العالمية بنسبة 2.3 في المئة خلال الفصل الأول من عام 2025، بحسب منظمة التجارة العالمية. وسرعان ما انعكست هذه الصدمة التجارية على أسواق الأسهم الأميركية، إذ خسر مؤشر "داو جونز" الصناعي نحو 8.7 في المئة من قيمته خلال الأيام المئة الأولى من الولاية، في أسوأ أداء فصليّ منذ عام 2008، العام الذي بدأت فيه الأزمة المالية العالمية الأخيرة، بينما تراجع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنسبة 6.2 في المئة.
ولم تسلم العملات أيضاً: هبط مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 4.8 في المئة منذ بداية العام، فيما ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 18 في المئة لتتجاوز الثلاثة آلاف والـ 300 دولار للأونصة، في إشارة واضحة إلى بحث المستثمرين عن ملاذات أكثر أمناً وسط الفوضى التجارية. ووفق تقديرات وكالة "رويترز"، قفزت احتمالات الركود الاقتصادي العالمي من 25 في المئة في شباط (فبراير) إلى 47 في المئة في نيسان (أبريل)، مع دخول الأسواق في مرحلة انعدام يقين متزايدة.
ووصل الضرر إلى قلب الاقتصاد اليومي للأميركيين. تراجع مؤشر ثقة المستهلك إلى 50.8 في المئة في نيسان بعدما سجّل 71.7 في المئة في كانون الثاني، بينما ارتفعت أسعار البيض بنسبة 27 في المئة خلال ثلاثة أشهر فقط ليصل متوسط سعر الدزينة إلى 6.23 دولارات. كذلك سجّل قطاع التوظيف تباطؤاً ملحوظاً: انخفض عدد الوظائف الجديدة إلى 130 ألف وظيفة فقط في نيسان، مقارنة بـ228 ألف وظيفة في آذار.
أما في قطاع السفر والسياحة، فتراجعت أعداد الزوار الأجانب بنسبة 9.8 في المئة مقارنة بها قبل سنة، مما ألحق خسائر بـ18 مليار دولار في هذا القطاع خلال الفصل الأول وحده.
وعلى رغم محاولات ترامب تسويق بعض النجاحات، مثل إعلان شركة "إنفيديا" استثمار 500 مليار دولار في تصنيع الخوادم الذكية في الولايات المتحدة، وإعلان شركة "نوفارتيس" خططاً لبناء مصانع للأدوية بقيمة 10 مليارات دولار، لم تتمكّن هذه الإعلانات من التغطية على الانكماش العام الذي يهدّد العديد من القطاعات الأخرى.
بالتوازي مع هذا المشهد الاقتصادي المتقلّب، يواجه ترامب تراجعاً مستمرّاً في شعبيته. أظهرت أحدث بيانات صحيفة "النيويورك تايمز" أن نسبة تأييد الرئيس هبطت من 52 في المئة بعد أسبوع من تنصيبه إلى نحو 45 في المئة بحلول نهاية أبريل. في المقابل، ارتفعت نسبة الرافضين لأدائه إلى نحو 50 في المئة، وهي أرقام تضعه في موقع أدنى من معظم أسلافه في مرحلة مبكرة كهذه من الولاية الرئاسية.
وتساهم تقلّبات الأسواق، وارتفاع الأسعار، وتراجع المؤشرات الاقتصادية الأساسية، كلها في تآكل صورة ترامب كقائد اقتصادي قادر على تحقيق النمو السريع، بل إن أرقام استطلاعات الرأي أظهرت أن نحو 62 في المئة من المستقلّين، ذوي الدور الحاسم في الانتخابات، يرون أن سياسات ترامب التجارية تزيد من احتمالات الركود بدلاً من دعم النمو، في تحوّل لافت عن المزاج العام الذي كان سائداً خلال حملته الانتخابية.
قد يكون أثر الوضع الاقتصادي في شعبية ترامب هذه المرة أكثر حسماً مما كان عليه في ولايته الأولى. تشير بيانات مؤسسة "غالوب" إلى أن 48 في المئة من الأميركيين يعتبرون أداء الرئيس الاقتصادي العامل الأهمّ في تقييمهم له، مقارنة بـ34 في المئة فقط يولون الأولوية إلى مسائل أخرى مثل الهجرة أو السياسات الخارجية.
وسط هذه الأرقام، يحاول ترامب التخفيف من حدّة الأزمة عبر إطلاق تصريحات تفاؤلية، واعداً بإبرام اتفاقيات تجارية كبرى مع الصين والدول الأوروبية، ومؤكّداً أن الأسواق "ستشهد انتعاشاً غير مسبوق" خلال الصيف. لكن هذه الوعود تصطدم حتى الآن بحذر المستثمرين، الذين يترقّبون إقران التصريحات بأفعال.
في المحصلة، تبدو الصورة الاقتصادية للأيام المئة الأولى من رئاسة ترامب الثانية قاتمة؛ ومع بدء الأيام المئة الثانية، يلوح في الأفق سؤال مركزي: هل سيتمكّن ترامب من تصحيح المسار الاقتصادي واستعادة ثقة الأسواق والناخبين، أم أن الاقتصاد سيتحول إلى العقبة الكبرى في طريق طموحاته السياسية؟
0 تعليق