في إطار احتفالات شهر مايو بعيد العمال، خصصت متاحف الإسكندرية الثلاثة المفتوحة للزيارة — وهي: المتحف اليوناني الروماني، ومتحف المجوهرات الملكية، والمتحف القومي — قطعًا أثرية مميزة تُعرض تحت عنوان "قطعة شهر مايو 2025"، تجسد جميعها رمزية العمل في وجدان المصري القديم، وتُظهر مدى تقديره لأصحاب الحرف والمهنيين في مختلف العصور.

المتحف القومي بالإسكندرية: العمل مصدر الثروة والخلود في مصر القديمة

أوضح متحف الإسكندرية القومي أن المجتمع المصري القديم اعتبر العمل مصدرًا للثروة، كما أكد أن هذه الثروة لا تستمر إذا ما تم التخلي عن العمل. وبيّن المتحف أن المجتمع كان يتكوّن من عدة طبقات، تبدأ من علية القوم المرتبطين بالملك والطبقة الحاكمة، يليها طبقة المهن والحرفيين، التي شكّلت الطبقة الوسطى.

وأشار المتحف إلى أن هذه الطبقة كانت تحظى أحيانًا بمكافآت من شخصيات بارزة خلال عصر الدولة القديمة، تقديرًا لمساهماتهم في بناء وزخرفة المقابر. ويُعد الملك أمنحتب الأول أول من بادر بتأسيس طائفة خاصة من العمال والفنانين، ما منحهم مكانة شبه مقدسة. وكانت الدولة تتولى تزويدهم وأسرهم بحصص تموينية، وقد وثّقت النقوش على مقابرهم المهام التي أدوها، ومسارهم الوظيفي.

مركب خشبي من الدولة القديمة.. نموذج فني يجسد العمل الجماعي

بمناسبة عيد العمال، يعرض المتحف القومي نموذجًا أثريًا نادرًا لمركب خشبي يعود إلى الدولة القديمة، يصوّر أربعة رجال يرتدون النقبة القصيرة المطلية باللون الأبيض، ويظهرون في وضعية استعداد للعمل والتجديف. ويظهر خلفهم خمسة آخرون بأيدي ممدودة يمسكون بخيوط، ويقودهم شخص جالس بجوار تابوت داخل مقصورة المركب. هذه القطعة تُمثل مشهدًا متكاملًا لتعاون الأفراد في بيئة العمل في مصر القديمة.

متحف المجوهرات الملكية: مسطرين فضة محفور عليه اسم الملك فؤاد الأول

احتفالًا بعيد العمال، يعرض متحف المجوهرات الملكية قطعة أثرية مميزة تتمثل في مسطرين من الفضة بمقبض من النحاس الأصفر، محفور عليه تاج مرصع بأحجار الألماس والياقوت. ويحتوي المسطرين على نقوش عبارة عن:

"تذكار لوضع الحجر الأساسي لبناء مستشفى القصر العيني – كلية الطب، بيد حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول، ملك مصر، القاهرة، في 4 رجب سنة 1347 الموافق 16 ديسمبر عام 1938."

وأوضح المتحف أن هذه القطعة تعكس مساهمة أسرة محمد علي باشا في تأسيس منشآت خدمية كبرى مثل المصانع، والمدارس، والجامعات، والتي ما زالت تؤدي دورها الحيوي في خدمة الوطن حتى اليوم.

تمثال تراكوتا في المتحف اليوناني الروماني يجسد حياة العمال في العصر الهيلينستي

وفي سياق الاحتفاء ذاته، عرض المتحف اليوناني الروماني تمثالًا صغيرًا مصنوعًا من التراكوتا (الطين المحروق)، يُجسد عاملًا يرتدي رداءً بسيطًا ويحمل مطرقة، بتعابير وجه تعكس الجدية والتركيز. ويُعد هذا التمثال نموذجًا واقعيًا من الفن في العصر الهيلينستي، حيث اهتم الفنانون آنذاك بتصوير الحياة اليومية للناس في الشوارع، بما في ذلك العمال والحرفيين والعبيد.

ومن خلال هذه العروض المتحفية المتنوعة، تؤكد متاحف الإسكندرية على الرسالة الخالدة التي حملها العمل في الثقافة المصرية القديمة والحديثة. فالعمال لم يكونوا فقط حجر الأساس في تشييد الحضارات، بل خُلدت أعمالهم وأدوارهم في القطع الأثرية والنقوش والمعابد، وصولًا إلى الأدوات الملكية الحديثة التي خلدت مشاركتهم في بناء الدولة المصرية الحديثة.