نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"فينوس" بعد عشر سنوات: اللقاء المتجدد على المسرح بنضج التجربة - تكنو بلس, اليوم الخميس 1 مايو 2025 09:04 صباحاً
بعد عشر سنوات على عرضها الأول، تعود مسرحية "فينوس" (أو "فينوس في الفراء") إلى خشبة المسرح اللبناني، حاملةً هذه المرة ثقل السنوات، وراجعةً بنظرة أكثر نضجاً وعمقاً. لم يكن المخرج جاك مارون ينوي أن يعيد إحياء عمله المسرحي السابق، غير أن مكالمة من بديع أبو شقرا وريتا حايك، بطلي العمل، كانت كفيلة بإعادة إشعال الرغبة في التعاون معهما. الأمر ليس مجرد إعادة للعرض، بل احتفال مهني حميمي، يجمع ثلاثة فنانين اختبروا معاً رحلة نضج شخصي وفنّي امتدت عقداً من الزمن.
لا يُخفي مارون أنّ التجربة لم تكن سهلة كما ظن في البداية؛ وإذ اعتبر أنّ إعادة عرض المسرحية ستكون تمريناً بسيطاً، فوجئ بثقل التجربة والمسؤولية، وبأنّ السنوات العشر التي مرّت جعلت الفريق يشعر كما لو أنه تقدّم خمساً وعشرين سنة. "النص هو نفسه، لكن فهمنا للمسرحية تغيّر"، يقول لـ"النهار"، مؤكّداً في المقابل أنّ الرؤية الإخراجية لم تشهد تعديلات جذرية، لكن تعمّق الشعور بالشخصيات والنصّ، وازداد الإحساس بأبعاده النفسية والإنسانية.
بديع أبو شقرا في 'فينوس'. (جاك مارون)
"فينوس" في الأصل نصّ للكاتب الأميركي دايفيد آيفز، اقتبسته إلى العربية المخرجة لينا خوري، والممثل غبريال يمين، بمشاركة مارون. لم يبتعد الفريق كثيراً عن النصّ الأصلي، لكنهم أجروا تعديلات طفيفة تمسّ الهوية المحلية – أسماء، مناطق، عبارات – لتكون الشخصيات أكثر قرباً من المتلقّي العربي، من دون خيانة للنصّ.
تدور المسرحية الأصلية "Venus in Fur" حول مخرج مسرحي وممثلة غامضة تخضع لتجربة أداء، لتتحوّل الجلسة إلى لعبة قوة نفسية وجنسية معقدة بين السيطرة والخضوع. ويستلهم العمل رواية ليوبولد فون زاخر مازوخ ويستكشف الحدود بين الفن والواقع، الرغبة والهيمنة. وبرأي مارون، ليست المسرحية مجرّد مرآة للمجتمع اللبناني، بل تتجاوز حدود الجغرافيا والثقافة، وتتناول هواجس إنسانية يمكن أن تطال أيّ شخص، في أيّ مكان.
لعبة نفسية معقّدة
"المسرحية لا تعني المجتمع اللبناني وحسب، بل كلّ المجتمعات"، يخبرنا، "إذ إنها تعكس صراعات داخلية وتجارب عاطفية يمكن أن يتماهى معها الكثيرون، فالإنسان هو نفسه بغضّ النظر عن جنسيته".

مخرج 'فينوس' جاك مارون.
في إطار كوميدي ساخر، تستعرض "فينوس" لعبة نفسية معقّدة بين السيطرة والخضوع، بين الرغبة والخوف، بين قوة المرأة وهوس الرجل بأن يخضع لها. المسرحية تطرح أسئلة عن الطفولة والرغبات المكبوتة والانكسارات العاطفية، لكنها لا تسعى إلى تقديم أجوبة نهائية. ليس الفريق بصدد إعطاء دروس في الفلسفة، بل يتعمّق في سيكولوجيا الشخصيات ويكشف عن دوافعها. فالمسرح بالنسبة إلى مارون مساحة للتأمل، لا للوعظ، وللفن أن يثير الأسئلة لا أن يقدّم الإجابات.
عن ريتا حايك وبديع أبو شقرا، يصف مارون علاقته بهما بأنها استثنائية على المستويين الإنساني والفني، بدأت مع ريتا عام 2013 – حين اختارها بطلة لمسرحية "كعب عالي" – وتكرّست في "فينوس" عام 2015. خلال هذه السنوات، نما بين الثلاثي نوع من التفاهم العميق الذي جعل من تجربة العمل معهما متعة خالصة، لا تشبه أيّ تجربة أخرى في مسيرته التي تجاوزت خمسة وعشرين عاماً. أما اليوم، فيشعر بأنّ ريتا وبديع لم يعودا فقط ممثلين يؤدّيان أدوارهما، بل شريكان في قيادة السفينة الإبداعية، كما تقول ريتا نفسها: "قبل عشر سنوات كنا نتدرّب على المسرحية؛ اليوم نحن نعرضها فعلاً".

ريتا حايك في 'فينوس'. (جاك مارون)
نسأله عن مسألة الرقابة، فيشير إلى أنّ المسرحية صنّفتها السلطات الرقابية +18 عند بدء عرضها لأول مرة، رغم أنه لم يُطلَب منه يوماً حذف أو تعديل أيّ نص قدّمه سابقاً. "أنا فنان حر، أرفض الرقابة بالمبدأ، لكن لا يمكن القول إنها منعتني يوماً من قول ما أريد".
"فرصة للتنفّس والشعور بالأمان"
مارون لا يتوقّع من الجمهور قراءة المسرحية قراءة موحّدة أو تلقّيها بالطريقة نفسها. هو شغوف بردود فعل جمهور شاهدها قبل عشر سنوات، وسيعود إليها بنظرة مختلفة، وعينه على انطباعات الجيل الجديد الذي لم تسمح له الأعمار في السابق بدخول المسرحية. يرى أنّ "فينوس" قد تفتح نافذة لنقاشات عميقة حول مفاهيم السيطرة، الأمن النفسي، الرغبة، والهوية. فالفن برأيه قد يمنح الناس فرصة "للتنفس والشعور بالأمان"، حتى حين يقدّم لهم مرآة لما يخشون الاعتراف به.

بديع أبو شقرا في 'فينوس'. (جاك مارون)
لا يبحث مارون عن رسالة مباشرة في الفن، ولا يتبنّى خطاباً أخلاقياً برسالة مباشرة. "الفن مجرّد متعة والأعمال الفنية مستقاة من الواقع"، يقول، "بعضها يدفعني لتقديمه على المسرح، وأترك للجمهور استخلاص الرسائل والعبر التي يراها مناسبة من دون أن أؤدّي دور المرشد أو الواعظ".
هكذا، تعود "فينوس" إلى الخشبة لا كعمل من الماضي، بل كمرآة جديدة لفهم الذات، يعيد عبرها ثلاثة فنانين قراءة أنفسهم والمسرح والعالم من حولهم... بعين أكثر نضجاً، وصدقاً، وجرأة.
0 تعليق