الانتخابات الكندية تسجّل السيادة ضد الابتلاع أميركياً - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتخابات الكندية تسجّل السيادة ضد الابتلاع أميركياً - تكنو بلس, اليوم الخميس 1 مايو 2025 12:43 صباحاً

الدكتور كمال ديب

جرت الانتخابات الفدرالية الكندية يوم الاثنين 28 نيسان / أبريل 2025 وفاز حزب الليبرال بقيادة الخبير الاقتصادي مارك كارني، حاكم المصرف المركزي الكندي السابق.

 

وبعيداً من نتائج الفوز الحزبي، فقد أجمع كل المرشحين ومن جميع الأطياف السياسية على تمسّكهم بسيادة كندا أولاً، كما لم يصدر أي صوت في كندا يدعو إلى القبول ولو جزئياً بطروحات الإدارة الأميركية الحالية حول ضم كندا أو ابتلاعها لتصبح الولاية رقم 51. بل أقصى ما يمكن قبوله لدى الناخبين هو اتفاقية معدّلة للتجارة بين البلدين أو شيء من هذا القبيل. وإذا كان من سبب للفوز، كانت السيادة ضد الإبتلاع هي المؤشر الأكبر.

إذا عدنا إلى التاريخ، فليس من جديد في التوتر الحالي بين كندا والولايات المتحدة الأميركية؛ فمن المعروف أنّ الأميركيين بعدما حقّقوا استقلال أميركا في ثورتهم ضد بريطانيا عام 1776، حاولوا ولم ينجحوا آنذاك في ابتلاع الأراضي الواقعة شمالاً، والتي بقيت تحت السلطة البريطانية. فقد انتصر عليهم سكان تلك المناطق عام 1812 وبقيوا على ولائهم لبريطانيا. ثم أصبحت الأراضي الواقعة إلى شمال الولايات المتحدة مملكة مستقلة تحمل اسم كندا عام 1867. وعن ترسيم حدود هذه الدولة مع الولايات المتحدة تم الاعتراف بخطوط عرض تمتد من فانكوفر – سياتل غرباً على المحيط الباسيفيكي، إلى نيوفوندلاند – بوسطن شرقاً على المحيط الأطلسي. ولقد أُعيد تأكيد خط ترسيم الحدود هذا عام 1969، وبهذه المناسبة وصف رئيس الوزراء آنذاك، بيير ترودو (وهو والد رئيس الوزراء السابق جستن ترودو)، العلاقة مع الولايات المتحدة بأنها تشبه "العيش بجوار وحش عملاق نشاركه السرير نفسه، وهو عيش صعب مهما كان الوحش ودوداً وهادئاً وكأنّه فيل".

وثمة عشرة أسباب تفسّر لماذا كندا هي أكبر من أن تبتلعها جارتها الجنوبية أميركا:

1- كندا دولة رعاية اجتماعية والولايات المتحدة الأميركية ليست كذلك. لقد ظلّت كندا "أوروبية" في نظرتها وتطوّرها التاريخي. ومع مرور السنين تحوّلت إلى دولة رعاية على النمط الأوروبي ببرامج اجتماعية وصحية وتعليم شامل. بينما ظلت الولايات المتحدة المنفصلة عن بريطانيا وبالتالي عن أوروبا منارة اقتصاد سوق حر ولكنها بقيت عقلياً في القرن الثامن عشر حيث الفروقات الطبقية هائلة جداً وعلى المرء تسديد نفقات الصحة والتعليم. ولم تتبع أميركا قط تطور النموذج الأوروبي في الساسيات الاجتماعية.

2- كندا دولة مكتظة. يزيد عدد سكانها عن 40 مليون نسمة، وتضمّ 250 مجموعة عرقية وثقافية (وفق إحصاء عام 2021 لهيئة الإحصاء الكندية)، وهي تتمتع بثنائية لغوية نابضة بالحياة (الإنكليزية والفرنسية) ، وللشعب الأصلي في كندا مكانة بارزة في الحكومات المحلية كما في الدولة الفدرالية. وبالمقابل، تُعرّف الولايات المتحدة نفسها بأنها دولة ناطقة باللغة الإنكليزية فقط، مع اعتراف رسمي ضئيل بمكانة الناطقين بالإسبانية والذين أصبحوا ثلث السكان، واعتراف بالسكان الأصلييّن الأميركيين مع تمويل خفير لتعدّد الثقافات في الولايات المتحدة وهو تمويل غير كافٍ لخلق هوية وطنية تعددية كما هي الحال في كندا.

3- جغرافية كندا شاسعة (مساحة تقارب 10 ملايين كيلومتر مربع)، تضمّ عشر مقاطعات وثلاثة أقاليم وعدداً كبيراً من المدن الكبرى (تورنتو، فانكوفر، مونتريال، وينيبيغ، كالغاري، مدينة كيبيك، إدمونتون، هاليفاكس، وأوتاوا-جاتينو).

4- الاقتصاد الكندي مزدهر ومتقدم، يحتلّ المرتبة التاسعة عالمياً بناتج محلي إجمالي يقارب 2200 مليار دولار أميركي، ويضم العديد من البنوك العالمية المرموقة وبنكاً مركزياً، وقاعدة صناعية محترمة، وكميات هائلة من المياه والموارد الطبيعية.

5- تتمتّع كندا بمؤسسات راسخة، بما في ذلك البرلمان الفدرالي، ووكالة إحصائية وطنية موحّدة (هي الأكبر في العالم، وتجمع بيانات احصائية مفصلة عن عشرات آلاف المتغيرات variables)، وتدير حكومة كندا ما يقرب من 30 وزارة اتحادية تلبي احتياجات سكانها متنوعي الخلفيات.

6- سمعة كندا العالمية تعني أن لديها أصدقاء وتحالفات متينة، ليس فقط في الدول ذات التفكير المماثل في التحالف الغربي، ولكن أيضاً في الدول التي يأتي منها المهاجرون، حيث تتمتّع كندا بمؤشر تنمية بشرية مرتفع للأمم المتحدة (94% في عام 2023).

7- كندا هي دولة قائمة على الهجرة، رحبّت بملايين الأشخاص في القرنين العشرين والحادي والعشرين. وعندما يسُأل المهاجرون عن سبب اختيارهم كندا، يؤكدون في استطلاع تلو الآخر أن الخدمة الصحية والتعليم الشاملين هما العامل الرئيسي الذي يجذبهم إلى كندا، ما يعني أن دافعهم الأساسي للاستقرار في كندا هو تكوين أسرة، وليس كسب المال. حيث تتستقبل كندا 400 ألف مهاجر سنوياً ( أي 1 % من سكانها وهذا من أعلى النسب في العالم). وحالياً، ثمة ثمانية ملايين مقيم دائم - 20% من إجمالي سكان كندا - مولود خارج كندا.

8- تتمتع كندا بمستقبل واعد في البحث والتطوير واستكشاف الفضاء والتكنولوجيا وصناعة سينما مزدهرة ومشهد فني مزدحم وصحافة وطنية محترمة باللغتين الإنكليزية والفرنسية مع صحف ودوريات مرموقة، وما يقرب من 40 جامعة ومؤسسة تعليمية عالمية المستوى.

9- إنّ الحرب التجارية الحالية التي تشنها الولايات المتحدة على كندا ليس من الضروري أن تترجم إلى تراجع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الكندي. بل يؤكد الاقتصاديون أن مثل هذه الحروب (بما في ذلك إقامة تعريفات جمركية صارمة وحواجز تجارية) لها تأثير مؤقت فحسب، ولكن بعد فترة من الاضطراب، وما لم تخفف الولايات المتحدة من حدة هذه الحرب، يمكن أن تتاح لكندا فرص وخيارات جديدة (إيجاد أسواق جديدة، وتحويل قطاعات اقتصادية إلى نشاط آخر، وخلق فرص عمل جديدة، وما إلى ذلك).

10- وأخيراً، تتمتع كندا بحصانة لأنّ نظامها السياسي هو ديموقراطي ليبرالي برلماني، ذو قوانين وبرامج معقدة تحمي حقوق الإنسان ووضع المرأة والحرية الدينية، وتحفظ حقوق الأقليات والمثليين والمثليات، والشعوب الأصلية، وتضمن الحق في التصويت والترشّح للمناصب. وثمّة تقسيم واضح للسلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية. فلا يمكن لأحد التنصل من مسؤولياته عندما يتطلب الموقف الدفاع عن كندا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق