مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في العراق، تحدثت تقارير عن تحركات تقودها إيران لتوحيد القوى الشيعية وتنسيق المواقف بينها خوفا من فقدان طهران لنفوذها العراق خاصة بعد خروجها من سوريا وتراجعها في لبنان.

وتشهد الساحة السياسية العراقية تسارعاً في وتيرة التحولات مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، وسط انقسامات عميقة داخل “الإطار التنسيقي” الذي يُعدّ الواجهة السياسية الأبرز للموالين لطهران في البلاد.

هذه الانقسامات، التي تهدد وحدة الكتلة الشيعية الأكبر، باتت مصدر قلق متزايد لإيران، التي تواجه بدورها تراجعاً لافتاً في نفوذها الإقليمي، خصوصاً في سوريا ولبنان، إلى جانب تصاعد الضغوط الغربية على برنامجها النووي.

رسائل إيرانية تحذّر من تفكك الإطار التنسيقي

وكشفت تقارير صحفية عراقية، الثلاثاء، عن تلقي قادة الإطار التنسيقي رسالة مباشرة من الجانب الإيراني، شددت على ضرورة الحفاظ على تماسك مكونات الإطار لما بعد الانتخابات.

ووفقاً لمصادر سياسية دعت طهران إلى تجنّب التصعيد والانقسام الداخلي، محذّرة من أن التشتت قد يفضي إلى خسارة نفوذ كبير في البرلمان المقبل، ويضعف قدرة إيران على التأثير في القرار السياسي العراقي.

وأكدت الرسالة، بحسب التسريبات، أهمية “استيعاب الخلافات الداخلية” والتحرك نحو التفاهم مع التيار الصدري، رغم قراره السابق بمقاطعة الانتخابات، وذلك في محاولة لتفادي سيناريو الهزيمة الانتخابية.

خلافات المالكي–السوداني تتعمق

في موازاة ذلك، تتصاعد حدة التوترات بين جناح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني المدعوم من عمار الحكيم، من جهة، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، من جهة أخرى.

ويتهم المالكي خصومه بالسعي لتهميشه داخل الإطار والاستحواذ على ترتيبات التحالفات الانتخابية، في حين يرى الفريق المقابل أن المالكي يعطل جهود الإصلاح، ويستثمر الفصائل المسلحة لتحقيق طموحاته السياسية.

هذه الانقسامات تثير مخاوف من تفكك محتمل للإطار التنسيقي، خاصة في حال قرر كل طرف خوض الانتخابات بقوائم منفصلة، مثل هذا السيناريو من شأنه تقليص فرص القوى الشيعية التقليدية في الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية، ويفتح المجال لتحالفات جديدة تشمل قوى سنية وكردية ومستقلين.

خطة بديلة لاستثمار جمهور الصدر

ورغم تمسك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بموقفه بعدم المشاركة في الانتخابات، تشير تسريبات إلى تحركات إيرانية تهدف إلى استمالة جمهور التيار عبر تشكيل قوائم “مستقلة” غير مرتبطة رسمياً بالصدر، لكنها تحظى بقبول داخل قواعده الشعبية.

وقد صرّح مقرب من الصدر بأن هناك “خطة بديلة” يتم درسها، تتيح لبعض شخصيات التيار المشاركة بواجهات مستقلة، من دون دعم مباشر من الزعيم.

وتعكس هذه المناورات رغبة طهران في استثمار الزخم الشعبي للتيار الصدري، الذي أثبت في محطات عدة قدرته على قلب موازين القوى، بما في ذلك انسحابه المفاجئ من البرلمان العام الماضي، وما أعقبه من فراغ سياسي لا يزال تأثيره قائماً.

تدخل مباشر من إيران في هندسة التحالفات بـ العراق

وعلى الرغم من نفي طهران الرسمي لأي تدخل في الشأن الانتخابي العراقي، إلا أن رسالة قادة الإطار الأخيرة تؤكد عكس ذلك، إذ تسعى إيران إلى رسم خارطة تحالفات انتخابية موالية لها، مع الحرص على إدخال شخصيات سياسية وعسكرية مرتبطة بها إلى البرلمان الجديد.

وتنتقد قوى عراقية هذا التدخل بوصفه “انتهاكاً للسيادة الوطنية”، محذّرة من أن محاولات فرض الوصاية السياسية لن تساهم إلا في تأجيج التوتر الداخلي، خصوصاً مع تغيّر مزاج الرأي العام العراقي الذي بات أكثر استقلالية ويرفض إعادة تدوير الوجوه التقليدية المحسوبة على طهران.

سياق إقليمي مضطرب يدفع إيران نحو العراق

وتأتي التحركات الإيرانية في لحظة إقليمية حرجة. ففي سوريا، تراجعت قدرة طهران على التأثير، وسط انفتاح عربي متسارع على النظام السوري دون وساطة إيرانية.

أما في لبنان، فيواجه حزب الله، الذراع الأقوى لإيران، أزمة مالية خانقة وتراجعاً في شعبيته بسبب الانهيار الاقتصادي.

على المستوى الدولي، تستمر طهران في مواجهة ضغوط متزايدة تتعلق ببرنامجها النووي والعقوبات الأميركية–الأوروبية، ما يجعل من العراق الساحة الأهم التي لا تزال توفر لطهران هامشاً للمناورة، سواء عبر الإطار التنسيقي أو من خلال أدوات غير مباشرة.

نهاية النفوذ أم إعادة التموضع؟

تُظهر المؤشرات الحالية أن قدرة إيران على الحفاظ على تماسك وكلائها السياسيين في العراق باتت مهددة بشكل غير مسبوق.

فبين انقسامات المالكي–السوداني، وتردد الصدر، وتنامي الحس السيادي لدى الجمهور، تبدو خيارات طهران محدودة. وإذا لم تتمكن من إعادة هندسة المشهد السياسي قبل موعد الانتخابات، فإنها قد تجد نفسها أمام خسارة جديدة في عمق نفوذها الإقليمي.

اقرأ أيضا

إسرائيل تتدخل ودعوات لإنقاذ دولي.. تطورات خطيرة فى أزمة دروز صحنايا سوريا

نسخ الرابط تم نسخ الرابط