في عالم الحيوان المذهل، لطالما استحوذت بعض الكائنات على اهتمامنا بقدراتها الذهنية الفريدة. من بين هذه الكائنات، تحتل الببغاوات، بما في ذلك الببغاء الدرة أو البراكيت المعروف باسم "البادجي"، مكانة مميزة بفضل براعتها الاستثنائية في محاكاة النطق البشري.

ومن بين هذه الطيور الناطقة البارزة، برز اسم "باك"، وهو ذكر بادجي أزرق اللون من مدينة بيتالوما بولاية كاليفورنيا الأمريكية، الذي ذاع صيته عالميا بفضل قاموسه اللغوي المذهل.

رقم قياسي عالمي

لقد منحت القدرة اللغوية الفائقة التي امتلكها باك مكانا مرموقا في موسوعة غينيس للأرقام القياسية عام 1995، حيث لُقب بـ "الطائر الذي يمتلك أكبر مفردات في العالم". فقد كان يتمتع بقدرة استيعابية مذهلة للكلمات، حيث بلغ رصيده اللغوي ما يقارب 1728 كلمة.

والأكثر إثارة للدهشة أن معرفته بالكلمات لم تكن مجرد ترديد عشوائي للأصوات، بل كانت مبنية على فهم وإدراك. وعلى مدار ستة أشهر، قام فريق مكون من 21 متطوعا، ضم خبراء في علم الطيور وطبيبين بيطريين متخصصين في الطيور، بتسجيل وتوثيق دقيق لما ينطق به باك خلال جلسات مراقبة متعددة.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت صاحبته تسجيلات صوتية ومرئية موثقة إلى موسوعة غينيس كدليل قاطع على قدراته اللغوية الفريدة.

مهارات لا مثيل لها

لم يقتصر إبداع باك اللغوي على مجرد تكرار الكلمات والعبارات، بل كان يمتلك القدرة على تكوين جمل أصلية من تلقاء نفسه، كما ذكرت مجلة "American Cage-Bird Magazine" ومجلة "Bird World".

تتذكر صاحبته، كاميل جوردان، حادثة وقعت في صباح عيد الميلاد عام 1993، عندما كان باك يلعب على طاولة القهوة ونطق بجملة كاملة تعبر عن المناسبة: "إنه عيد الميلاد. أنا أحب باكي. أنا أحب الجميع". يوضح هذا المثال قدرة باك على استخدام اللغة في السياق المناسب وفهم المعنى.

حياة قصيرة ونهاية مأساوية

لكن حياة هذا الطائر العبقري كانت قصيرة ومأساوية، حيث وافته المنية في 25 أغسطس 1994، عن عمر يناهز الخمس سنوات، نتيجة إصابته بورم في الغدد التناسلية.

وعلى الرغم من وفاته المبكرة، فقد ترك باك إرثا لغويا فريدا. فقد ورد ذكره في طبعات موسوعة غينيس للأرقام القياسية من عام 1995 وحتى عام 1998، كما ظهر في العديد من وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك نشرات الأخبار المحلية في منطقة خليج سان فرانسيسكو.

كيف تتحدث الطيور؟

تعد قدرات باك اللغوية الاستثنائية دليلا على الإمكانات المعرفية الكبيرة التي تتمتع بها طيور البادجي والأنواع المشابهة. وعلى الرغم من أن حالة باك فريدة من نوعها، إلا أنها تظهر مدى تعقيد مهارات التواصل التي يمكن أن تمتلكها بعض الطيور.

وقد أظهرت الدراسات أن طيور البادجي، وخاصة الذكور منها، قادرة على تطوير مفردات لغوية واسعة. فكيف تتمكن هذه الطيور من التحدث؟

تستطيع الطيور الناطقة، مثل البادجي والببغاء الرمادي الأفريقي، تقليد الكلام البشري من خلال الجمع بين هياكل دماغية متطورة وأعضاء صوتية متخصصة للغاية. فعلى عكس الثدييات، لا تمتلك الطيور حبالا صوتية، بل تستخدم عضوا فريدا يسمى "المصفار" (syrinx)، يقع في قاعدة القصبة الهوائية.

يتيح لها هذا العضو إنتاج مجموعة واسعة من الأصوات المعقدة. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي أدمغتها على مناطق مشابهة لتلك الموجودة في الدماغ البشري والمسؤولة عن التعلم والذاكرة. تساعد هذه المناطق الطيور على التعرف على الكلمات التي تسمعها وتذكرها وإعادة إنتاجها، خاصة عندما تكون لديها روابط اجتماعية قوية مع البشر أو الطيور الأخرى.