مارينا تسفيتايفا تصوغ ثلاثيّة الكتابة والحبّ والأسى - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مارينا تسفيتايفا تصوغ ثلاثيّة الكتابة والحبّ والأسى - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 07:21 صباحاً

ضمن كتاب يجمع مجموعتها "ألبوم المساء" وقصائد أخرى، قدّم المترجم اللبناني محمّد شريف الأمين ملخّصاً شعريّاً لتجربة الشاعرة الروسيّة مارينا تسفيتايفا (1892-1941) بعنوان "ألبوم المساء وقصائد أخرى" (دار مرفأ - 2024)، عبر انتخاب قصائد تسلّط فيها الشاعرة الضوء على حياتها واحتكاكها بالموجودات، ولا سيّما الطبيعة والأمكنة، بالإضافة إلى إظهار الجانب المعتم من حياتها المتمثل بالفقد الأسري.

المترجم بدأ الكتاب المؤلّف من 180 صفحة بصيغة بانوراميّة لحياة تسفيتايفا المليئة بالخسارات الأسريّة والمطاردات السياسيّة ومحاولة اسكتشاف الذات، لتكون هذه التوطئة مدخلاً لفهم طبيعة شعرها الخالي من الفنيّة والرمزيّة والذي يتكئ على اليوميّة أو فنّ اليوميات من دون تأريخ، ما يجعلنا أمام تجربة شعريّة لحظويّة.

الفقد والتمرين على الكتابة 
يقول الشاعر والناقد الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس في مستهلّ حديثه عن القراءة "إنّنا كبشر نُعدّ نتاج ما نقرأ، لا ما نكتب"، معادلة تتقاطع مع ما قاله رائد علم النفس التحليلي الطبيب النمسوي سيغموند فرويد الذي يعتبر أنّ حياة كلّ مبدع فيها ألم وكبت وحرمان.

انطلاقاً ممّا سلف نلاحظ أنّ شعر تسفيتايفا هو تحرير للمكبوت عبر تكوين مشهد قصير تمثل فيه الدراما والوحدة والاغتراب "غربة، أنت يا وطني!/ بعد، مولود مثل الألم" (ص.46). الحديث بهذه النبرة الدراميّة عن الوطن يعيدنا إلى الخلفيّتين الاجتماعيّة والسياسيّة للشاعرة، فهي عانت ودفعت ثمن معارضتها للثورة البلشفيّة بقيادة لينين في روسيا، وقد أعلنتها صراحة أنّها لا تكره الشيوعيّين بل تكره الشيوعيّة، وهي إشارة خطابيّة عقلانيّة وذكيّة نادراً ما نرى المثقفين يتلطّون خلفها، وتفسّر ضرورة تموضع المثقف في بوتقة النقد من دون أن يرى نفسه ذائباً ضمن حلقة جماهيريّة مضادّة.

 

الشاعرة الروسية مارينا تسفيتايفا.

 

في قصيدتها "إلى قصائدي المكتوبة"، ترسم مارينا تسفيتايفا عتبات الكتابة التي تخطتها وتتخطاها في سبيل صوغ قصيدة "إلى قصائدي المكتوبة باكراً: لم أكن أعلم أنّني شاعرة..." (ص.95)، "لقصائدي التي مثل النبيذ: سيأتي دورك" (ص.96)، تحاول تسفيتايفا أن ترسم منحنى الكتابة، أن تظهر درجات احتكاك المؤلف بنصّه ومدى محاورته لها، فالكاتب الذي يتلقّى النصّ قبل القارئ العادي يتحوّل أيضاً إلى قارئ لا يملك سوى تأويل النصّ.

الحبّ ومحاولة التشبّث بالقصّ 
يطغى على القصائد التي اختارها المترجم محمّد شريف الأمين للشاعرة الروسيّة الطابع العاطفي الرومنطيقي، وهو ما يؤكّد ترنّح الشاعرة بين حبّ الحياة والتشبّث بها وبين محاولة نسج عزلتها من خلال مشاعر لن يفصح عنها "اسمك: آه، مستحيل!/ اسمك: قبلة في العينين" (ص.49)، "اطرق الباب بيدك/ حول هذه الطرقة/ ستقول أمّي في نومها إنّه غصن شجرة التنوب" (ص.53)، تحاول تسفيتايفا أن تكون في منأى عن تكرار اللازمة العاطفيّة، الذكرى نفسها تدخل التخييل لتصنع مشهداً عاطفيّاً قد لا يكون مكتملًا "اسمكَ: عصفورٌ في اليد/ اسمك: قطعة جليد على اللسان" (ص.48).

تتعاطى الشاعرة مع الشعر كأنّه قطعة سرديّة وهذا يتّضح أيضاً من خلال اللغة الناقلة (اللغة العربيّة) الخاصّة بالمترجم والتي تتسّم بالسلاسة والوضوح، بالإضافة إلى شكل النصوص الأقرب إلى باقة مقاطع بقدر ما هو قصيدة متماسكة، وهو ما يبشّر بحداثة نظّرت لها سوزان برنار حول قصيدة النثر "قطعة بلّور متوهّجة مجانيّة" في كتابها "قصيدة النثر من بودلير إلى يومنا"، ولعلّ الأسلوب القصصي يظهر بوضوح من خلال الإكثار من الأفعال في بعض القصائد بشكل متتالٍ "أعددتُ مأدبة لستةٍ، أكرّر سطر شعركَ الأوّل" (ص.109).

تتعاطى مارينا تسفيتايفا مع القصيدة على أنّها رواية وقصّة وشعر ونثر ورسالة عاطفيّة، يهمّها التمرّد على الصمت من دون أن يشاركها أحد البوح، توحي للمتلقّي، بتوظيف الأفعال الماضية، أنّها ترسم لسيَرٍ لن تحيا، لذاكرة تنسخ ما حدث، لمستحيل جميل كونه لن يكون ممكنًا "أن أكون فزّاعة بين الأحياء/ أفضل من أن أكون شبحاً مع شبحك..." (ص.11).

تعكس التجربة العاطفيّة للشاعرة شخصيّتها النقيضة على الأرجح، شخصيّة أنهكتها الهموم والخذلان والفقد، فصارت متمرّدة بالحكي المتواصل الذي صاغ نصوصاً قد تكون بعاطفتها محض حديث حميميّ وديّ.

تخرج مارينا تسفيتايفا من مظلّة الزخرفة والتلميح والترميز نحو التخاطب بلغة القلب والكتابة على الورقة من دون حواجز أو خوف أو ارتياب، وكأنها تنتحر على مهل متماهية مع سيطرة المستحيل والبعد والاغتراب، لتكون عبر قصائدها واحدة من المحدثين في قصيدة النثر العالميّة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق