موت النجاح وفلسفة تبرير الفشل - تكنو بلس

مديا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
موت النجاح وفلسفة تبرير الفشل - تكنو بلس, اليوم الأحد 27 أبريل 2025 04:07 مساءً

عرف النجاح على أنه حليف المبدعين وعشق من يتغلبون على الصعاب؛ ليصلوا إلى المستقبل، في عالمٍ تتداخل فيه الآراء، وتكثر فيه المواقف المتضاربة، لكن عندما تموت هذه اللغة ويجهض ذلك الإحساس.. عندها تظهر على السطح فلسفة تبرير الفشل، عندما لم يعد كافياً أن نعبّر عن قناعاتنا أو نتخذ قراراتنا من منطلق شخصي أو عاطفي فقط؛ ليصبح لزاماً علينا أن نبرر هذه القناعات والقرارات بمنهجية عقلانية واضحة.

ومع هذا الطوفان وغيره، تبرز منهجية التبرير، ليس كمجرد عملية فكرية، بل كممارسة ضرورية في الفلسفة والعلم والإعلام والحياة اليومية، فمعروف أن التبرير هو تقديم الأسباب والحجج التي تشرح أو تدعم فكرة أو موقفًا معينًا، أما «منهجية التبرير»، فهي الطريقة النظامية التي نتبعها للتأكد من أن أفكارنا ومواقفنا تستند إلى أسس منطقية ومعرفية صحيحة، وهذه المنهجية ترتكز على وضوح الفكرة، وسلامة الأدلة، واتساق المنطق، والقابلية للفحص والنقد، حيث اعتبر أفلاطون التبرير شرطًا للمعرفة.. حين قال: المعرفة هي الاعتقاد الصادق المبرّر، وهو ما يُعرف في الفلسفة بنظرية التبرير المعرفي، ولا يكفي هنا أن نؤمن بشيء ليكون صحيحاً، بل يجب أن ندعم هذا الإيمان بأدلةِِ عقليةٍ واضحةٍ.

وتبرز أنواع عدة من التبرير، منها التبرير العقلاني الذي يعتمد على المنطق والأدلة، كأن يبرر الطبيب وصف دواء معين استناداً إلى نتائج الدراسات السريرية، وهناك التبرير الأخلاقي الذي يستند إلى القيم، كتبرير شخصٍ لموقفه في مساعدة الآخرين بناءً على مبدأ إنساني، مثال الغش في الاختبار يعتبره بعض الطلاب مساعدة لزملائه وليس غشاً يعاقب عليه القانون، كما يوجد التبرير الذاتي، حيث يبرر الإنسان أفعاله لنفسه لتخفيف الشعور بالذنب أو التناقض الداخلي.. وقد حذّر كارل بوبر من التبريرات الزائفة التي لا يمكن فحصها أو دحضها، وقال: العلم لا يقوم على تبريرات مطلقة، بل على فرضيات قابلة للاختبار والنقد.

وتلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل التبريرات وتعزيزها أو تفنيدها، وذلك باستخدامها استراتيجيات مختلفة لتبرير مواقف أو قرارات معينة، فمثلاً عند وقوع أزمة اقتصادية أو ارتفاع الأسعار، تقدم هذه الوسائل تحليلات وأسباب تبريرية تربط ذلك بعوامل خارجية، مثل: التضخم العالمي أو الكوارث الطبيعية.

وفي المقابل.. قد تسلط وسائل الإعلام الضوء على أخطاء معينة لتبرير فشل مشروع ما أو قرار معين. كما يتم توظيف السرد العاطفي أحياناً في الإعلام لتبرير بعض الأحداث، مثل: إبراز الجانب الإنساني في قصة معينة بهدف كسب التعاطف، بغض النظر عن الحقائق الكاملة للقضية.

أخبار ذات صلة

 

في الواقع المعاصر، باتت مواقع التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لتداول التبريرات، بعضها منطقي وبعضها الآخر عاطفي أو مضلل.. فكثيراً ما نسمع تبريرات لأخطاء أو قرارات غير سليمة.. تُصاغ بطريقة تُخفي المسؤولية وتوجه اللوم إلى ظروف أو أطراف أخرى، مثل قول البعض: لم يكن لديّ خيار آخر أو لم أكن أعلم بالنتائج المترتبة، ولبناء تبرير عقلاني لا بد من عرض الفكرة بوضوح، وتقديم الأدلة، والرد على الاعتراضات، وضمان عدم التناقض مع المبادئ العامة للفرد أو المؤسسة.

وقد شدد الفيلسوف السياسي جون رولز على أهمية هذا الجانب حين قال: لا يُعتبر المبدأ عادلاً إلا إذا أمكن تبريره لكل فرد بصفته شخصاً حرّاً ومتساوياً.. ومع هذا وفي زمنٍ تتعدد فيه المواقف وتزداد فيه الضغوط، تبقى منهجية التبرير ضرورة فكرية وأخلاقية.. إنها ليست ترفاً فلسفياً، بل حاجة لكل فرد يسعى إلى التفكير السليم، والحوار الهادف، واتخاذ القرارات الواعية.

فبدون تبرير عقلاني.. نصبح أسرى للتقليد أو الانفعال أو الأهواء؛ ولهذا فإن بناء ثقافة التبرير يبدأ من التعليم، ويستمر في الإعلام، ويتجذر في الوعي العام، ليُنتج مجتمعاً قادراً على اتخاذ المواقف والدفاع عنها بوعي ومسؤولية واحترام.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : موت النجاح وفلسفة تبرير الفشل - تكنو بلس, اليوم الأحد 27 أبريل 2025 04:07 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق