نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الثبات في زمن الفتن! - تكنو بلس, اليوم الأحد 27 أبريل 2025 11:13 صباحاً
في عالم تتسارع فيه الإيقاعات وتتشابك فيه المسارات، تتكاثر الفتن وتتعدد مظاهر الحيرة، فتغدو النفس الإنسانية كزورق تائه وسط محيط مضطرب، يبحث عن شاطئ أمان وعن بوصلة تعيد ترتيب الأولويات والمعاني. وفي خضم هذا التيه، تتجلى عظمة القرآن الكريم، لا كنصٍّ يُتلى فحسب، بل كمنهج حياة، ومصدر ثبات، ومرفأ للقلوب المرتجفة في زمن الاهتزاز والاضطراب!
يقول الله تعالى:
﴿ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ (الفرقان: 32).
آية تختصر فلسفة الاستقرار الداخلي، وتكشف لنا عن سر عظيم: كيف يكون القرآن معينًا على الثبات، لا في عهد الرسالة فحسب، بل في كل عصر تتعرض فيه القلوب لاختبارات الشك واليقين.إن الفتن التي نعاصرها اليوم لا تقتصر على الابتلاءات الظاهرة فحسب، بل تتسرب خفية إلى القيم، إلى المعاني، إلى صميم الوعي والهوية. إنها فتن تخدر الضمير، وتستنزف الروح، وتدفع الإنسان إلى التساؤل عن جدوى المسير. وفي هذا المشهد المربك، تبرز الحاجة الماسة إلى الثبات: ثبات لا يشبه جمود الأحجار، بل أشبه بثبات الجبال الشامخة، التي تقاوم عواصف الزمن، وتستمد صلابتها من جذور مغروسة عميقًا في تربة الإيمان.
القرآن الكريم، حين يُتدبر بصدق، لا يطمئن القلب فحسب، بل يعيد تشكيل الوعي، ويهدي الإنسان إلى اكتشاف ذاته من جديد. إنه ينقذنا من صخب الخارج ليعيدنا إلى سكينة الداخل، حيث تنمو البصيرة، وتُضاء دروب الحكمة، وتنضج الرؤية.وفي زمنٍ تغرينا فيه الماديات وتُشتتنا الشاشات، يصبح الرجوع إلى القرآن فعلًا من أفعال التحرر، وموقفًا ثوريًا ضد السطحية والاستهلاك. فالقرآن لا يقدم حلولًا وقتية عابرة، بل يعيد بناء الإنسان من جذوره، يربّيه على الصبر العميق، ويهديه إلى التوازن بين العقل والقلب، بين الفكر والعاطفة!
كل آية فيه نافذة على التأمل، وكل سورة فرصة لإعادة التقييم. إنه لا يقصي واقع الحياة، بل يعيد ترتيب أولوياتها، ويضع الإنسان أمام مسؤوليته العظمى: أن يكون خليفة في الأرض، واعيًا برسالته، فاعلًا في مجتمعه، مصلحًا لنفسه قبل أن يسعى لإصلاح العالم من حوله.
ومن أعظم فتن هذا العصر، فتنة الانشغال بالمظاهر على حساب الجوهر، وفتنة الركض الأعمى نحو نجاح سطحي، يخلو من تأصيل داخلي متين. وهنا تأتي دعوة القرآن الخالدة: أن نزرع المعنى قبل الإنجاز، ونغذي الروح قبل مطاردة بريق الإنجازات الخارجية.إن الثبات القرآني ليس عزلة عن المجتمع، بل هو تأهيل للانخراط فيه بوعي ونضج واتزان. فالمؤمن الثابت هو من يصنع الفارق، لا من يذوب في زحام التيارات، وهو من يحقق الانسجام بين الإيمان والعمل، بين الروح والحياة، بين ذاته والآخرين.
ولذلك، نرفع أيدي الدعاء أن يجعل الله القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، ومذهب همومنا، وأن يرزقنا الثبات في زمن الفتن، لا لمجرد النجاة الفردية، بل لنكون منارات تهدي الحيارى، وشموعًا تضيء عتمات الطريق.
إنها دعوة إلى التغيير الحقيقي، الذي يبدأ من الذات وينساح إلى المجتمع. دعوة لاجتماع الأرواح المتعطشة للنور في بستان الدعوة والإيمان، حيث تزهر الأفكار، وتثمر العلاقات الطيبة، وتنمو القلوب الصادقة.
فلنكن ممن إذا استمعوا القول اتبعوا أحسنه، وإذا تدبروا القرآن تجددوا، وإذا ابتلوا ثبتوا، وإذا أنعم عليهم شكروا!
0 تعليق