سجال مصري حول تهنئة الفائز بـ"البوكر العربية": فوزٌ للكاتب أم لمصر التي لم تنشر روايته؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سجال مصري حول تهنئة الفائز بـ"البوكر العربية": فوزٌ للكاتب أم لمصر التي لم تنشر روايته؟ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 25 أبريل 2025 02:21 مساءً

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية المشهورة باسم "البوكر العربية" فوز الكاتب المصري محمد سمير ندا لعام 2025 عن روايته "صلاة القلق"؛ ومنذ تلك اللحظة انطلقت المدافع الثقيلة بين أطياف الوسط الثقافي المصري!
معظم المثقفين حرصوا على استهلال التهنئة بعبارات مثل: "مبروك لمصر"، و"مصر فازت بالبوكر"، أو كما كتبت الروائية صفاء النجار: "مصر أخذت البوكر".
كان تبرير تلك التهنئة هو الشعور القومي العام المعروف لدى معظم المصريين، واعتبار أيّ إنجاز تحققه شخصية مصرية عربياً أو عالمياً إنجازاً مصرياً يمثل الجميع وينوب عنهم. هكذا احتفوا بفوز نجيب محفوظ وأحمد زويل بجائزة نوبل، وللسبب ذاته يشجعون محمد صلاح في الدوري الإنكليزي باعتبار ذلك واجباً قومياً.
يُضاف إلى ذلك شعور آخر بالجدارة والاستحقاق وبأنه ليس منطقياً أن تفوز مصر بأول جائزتين في المسابقة عبر الراحل بهاء طاهر ثم يوسف زيدان، وبعدها يغيب اسمها عن منصّة التتويج منذ ستة عشر عاماً!

 

 

لكن تلك المبالغة "القومية" تنطوي على شعور مضمر بالحاجة إلى "اعتراف" الآخر، وتختزل قيمة المنجز الأدبي المصري بالتتويج. فثمة من يتوهم أن عدم فوز كاتب مصري طوال هذه السنين يعني أن الأدب المصري كان متدنّياً، وانتظر "صلاة القلق" لرد الاعتبار إليه!
هذا قطعاً توهم غير صحيح؛ فمنذ نشأة "البوكر" في صيغتها العربية، حضر المنجز الروائي بكثافة، ومن الأجيال كافة، في الفوز والترشح لجوائز عربية ومصرية لا حصر لها. ولا يمكن اختزاله في التتويج بجائزة معينة، كما لا يصح عموماً رهن الأدب بعملية التسويق الملازمة للجوائز، وافتراض أن الجائزة هي من تمنح الكتابة "قيمتها"، وإلا نسفنا إبداعات دوستويفسكي وكافكا وبورخيس وكازانتزاكيس وكونديرا، لأنها لم تحصل على "نوبل"، رغم أنها حية وعالمية أكثر من نصوص فازت بالجائزة!
لا شك في أن الفوز تقدير محترم لكاتب ومنجزه، لكنه مجرّد تلويحة وإشارة محبّة؛ فإن لم تتوافرا فلا يعني ذلك عدم جدارة الأدب! بمعنى آخر، لا تصلح أي جائزة أن تصبح أهم من الأدب نفسه وهي التي تعطيه القيمة!
كما أن الرواية التي تفوز ـ أياً كانت الجائزة ـ تنال عظمة تسويقية لكن ذلك لا يعني أنها "أعظم رواية" مكتوبة باللغة العربية، وإنما هي ببساطة "رواية مميزة" من وجهة نظر ثلاثة أو خمسة محكّمين، وتغيير عنصر واحد في التحكيم سوف يؤهل رواية غيرها.
فمهما كانت قيمة الجائزة  وشهرتها ـ حتى نوبل نفسها ـ فإن الجمهور يعيد الاستفتاء على الكتب الفائزة عبر التداول والقراءة، لأن الجدارة الحقيقية لأيّ كتاب أن يستمر مقروءاً عبر الأجيال. فالناس تقرأ "هاملت" منذ أربعة قرون، بينما روايات ومسرحيات كثيرة حصلت على جوائز ضخمة خسرت الاستفتاء الشعبي وأصبحت كأنها لم تكن.

معارضون
ممن عارضوا الزج باسم مصر في التهنئة للكاتب عماد الدين الأكحل، الذي قال: "صادفني الكثير من التهاني التي تنسب الفوز إلى مصر، وهذا مبرر ومدلل إلى اعتزازنا بمصريتنا، ولكنني صراحة أرى هذا النسب غير لائق، ولا بدّ من أن يكون النسب بالكامل للمبدع محمد سمير ندا. هو مصري الجنسية والأصل، وعربي الثقافة".
وأضاف: "الرواية لم تصدر عن دار نشر مصرية لأسباب نعرفها، ولا نستطيع ذكرها صراحة، مما دفع الكاتب إلى نشرها من خلال دار نشر غير مصرية. هل هذا قصور من دور النشر المصرية أم فقر في آليات تقييم الأعمال لديها، أم تشدد في الرقابة الذاتية، أم توتر ورهبة في الأجواء الثقافية؟ أترك لكم الإجابة".
كما تطرق الأكحل في تدوينته إلى الشعور القومي قائلًا: "هناك عادة مصرية نمارسها كل يوم، ولم تتبدل منذ عشرات السنين لأكثر من نصف قرن، وهي الاعتزاز وتبجيل المصري بعد أن ينجح دولياً، فنسارع ونتذكر مصريته، وننسب نجاحه إلينا جميعاً. وفي أمثلة كثيرة لم توفر مصر البيئة المناسبة لهذا المبدع للنجاح داخليًا".
وختم بالقول: "إذا كنا نريد أن ننسب النجاح إلى مصر، فلا بد من أن ندعم كلّ ما هو مصري بدءاً من مبدعينا في كلّ المجالات داخل مصر ثم خارجها... وإن لم نوفر هذا الدعم وأوجدنا المعوقات، فلا يصح التبجح بنسب تميز أي منهم بعد نجاحه دولياً إلينا وكأننا من صنعنا هذا النجاح".
منطق لا يخلو من وجاهة، يشير إلى التناقض بين التهليل في نسبة "الإنجاز" إلى مصر بينما الفائز نفسه لم يستطع نشر روايته في بلده! مثلما فشل محمد صلاح في اللعب للأهلي أو الزمالك، ولم يصبح نجماً عالمياً إلا بعد الخروج من وطنه. ولكي ننسب الإنجاز إلى البلد يفترض أن مؤسساته الراعية للفنون والآداب ترعاها حقاً ولا تتحول إلى أجهزة طرد للموهوبين!
في السياق نفسه، رفض الروائي وجدي الكومي، المقيم في الخارج، في أكثر من تدوينة له، التهنئة "القومية"، وطالب بأن يتوجه الفرح إلى صاحبه الحقيقي وهو الكاتب، لأن ذلك بمثابة خطف لمنجزه من دون أن تقوم المؤسسات الثقافية بأيّ دور يُذكر فيه! والدليل أن تلك المؤسسات ـ حسبما أشار ـ لم تمنح ندا أي جائزة محلية، ولا حتى منحة التفرغ الهزيلة!
قد يكون المعارضون على حق في ضرورة مساءلة مؤسسات الثقافة الرسمية لو قارنا ذلك بمرحلة طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ الذين تمتعوا بتقدير شعبي ورسمي هائل قبل أي تكريم خارجي.
وفجر آخرون إشكالية إضافية حول طباعة الرواية لدى "دار مسكيلياني" التونسية، بسبب رفض أربع دور نشر مصرية لها، مما يعني أن "العجز" المؤسساتي يشمل القطاع الخاص أيضاً.
من المؤكد أن لكل دار نشر خاصة سياسة تحريرية، وربما تبتعد عن نشر نص ما لأسباب رقابية أو تسويقية، أو تتعلق بعدم شهرة الكاتب نفسه، أو بسبب ضخامة حجم الرواية فيصعب تداولها بثمن يفوق القدرة الشرائية للقارئ المصري.
صحيح أن هناك أزمة نشر يعاني منها العالم العربي كله، لكن اعتذار أكثر من ناشر مصري لا يعني أن هؤلاء الناشرين "جهلة" ولا يفقهون في الإبداع، كما زعم البعض، والدليل أنهم نشروا عشرات الروايات الجميلة، سواء أنالت جوائز أم لا.

مأزق كانون الثاني/يناير
تعلق السجال العام بمشروعية التهنئة هل هي للكاتب الشاب المكافح أم للدولة التي ينتمي إليها، وإن لم تفعل له شيئاً، وتخللته سجالات أخرى ثانوية كأن يصدر أحدهم تهنئته بعبارة "الله أكبر ولله الحمد"، وهو الشعار الإخواني المعروف، رغم أنه لا علاقة له بالجائزة ولا الرواية؛ وعندما يعترض البعض يتلقى هجوماً بزعم أنه يعترض على ذكر الله وحمده!
هل تلك السجالات جديدة على الوسط الثقافي المصري؟ بالتأكيد لا.. لكنها باتت أكثر حدة وتطرفاً منذ ثورة كانون الثاني/ يناير وما تبعها.
تحول كل موقف إلى تخندق فظيع تنصب فيه المشانق وتشهر البنادق، وكل المتمترسين هنا وهناك لن يتزحزحوا قيد أنملة عن مواقفهم، ما دام كل طرف يصرّ على تلوين كل حدث بما يناسب تصوره الخاص. من ثَمّ يغيب النقاش الحقيقي وتبادل الرأي والرأي الآخر، ويسهل مسبقاً توقع ماذا سيقول كل مثقف في أي موقف قادم.
هذا المأزق الذي يعاني منه المثقفون المصريون يشوش على حيوية الثقافة المصرية وأدائها وإبداعاتها. لذلك تكتب آلاف الأطنان من الكلمات بشأن جواز التعزية بالبابا فرانسيس أو طريقة تهنئة محمد سمير ندا بجائزة عربية، لكن لن يهتم أحدهم بالنقاش الجدي حول مواقف البابا الراحل المناصرة للحقوق العربية، ولا أحد سيهتم بأن يخبرنا شيئاً عن تميز وجدارة رواية "صلاة القلق" نفسها! لأن وهج الترند وحدة الاستقطاب كانا أسوأ تعمية على الثقافة المصرية ذاتها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق