نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المصالحات في نظام الإفلاس اللبناني - تكنو بلس, اليوم الجمعة 25 أبريل 2025 01:40 مساءً
د. سيبيل جلول - أستاذة في الجامعة اللبنانية
هل نحن في زمن المصالحة أم في زمن التصفية؟
"صلح" و"إصلاح" مفهومان متشابهان في المضمون، ويشكلان أولوية لمعالجة قضايا الإفلاس، في ظل أزمة اقتصادية عميقة.
برزت في الآونة الأخيرة محاولات لإحياء موضوعات متعلقة بالإفلاس، تترافق مع سعي لإيجاد حلول قانونية تتناسب مع سوء الوضع الاقتصادي. ومن هنا بدأ الحديث عن مشاريع لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، تحت مسميات مثل "الإصلاح المصرفي" أو "الإصلاح الاقتصادي".
لكن هذه الفكرة ليست جديدة على المشهدين القانوني والاقتصادي في لبنان. فقد شهد لبنان أزمات مصرفية عديدة، أدت إلى إصدار سلسلة من التشريعات بدءاً من القانون رقم 2/67 المتعلق بتوقف المصارف عن الدفع، وصولاً إلى تعاميم مصرف لبنان منذ العام 1998 حتى العام ، المتعلقة بعملية إعادة هيكلة وجدولة الديون المشكوك في تحصيلها.
ها هو اليوم يواجه أزمة شبيهة، تتطلب آليات قانونية عادلة لحلّها. من بين هذه الآليات، يبرز الصلح الاحتياطي في قانون التجارة اللبناني، ولا سيما المادة 459، كخيار بديل عن الإفلاس الكامل.
حيث إنه بموجب المادة 459 تجارة، يمكن للمصرف إعلان مصالحته مع الدائنين لتفادي الإفلاس، بعد موافقة المحكمة، شرط أن تُصاغ هذه المصالحة بشكل يحمي مصالح الجميع، ويحقق العدالة للمدين والدائن على حد سواء.
لكن السؤال يبقى: أيهما أفضل للدائن؟ الاستحصال على كامل الدين مقسطاً وعلى مدى أطول، أو الاستحصال على جزء منه فوراً؟
هنا تبرز أهمية تحديد الأولويات ومراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً إذا كانت الأوضاع صعبة، والديون ضخمة.
لقد أسس القانون اللبناني لمفهوم "المصالحات السابقة للإفلاس"، وهو ما يعكس توجهاً إصلاحياً لحماية الاقتصاد الوطني. فالنصوص القانونية تشجّع على هذه المصالحات، رغم أنها لم تلغِ الإفلاس كخيار نهائي. وتبقى الغاية الأساسية من هذه المصالحات حماية الدائنين، والمحافظة على الأموال العامة.
كما كرست المواد 459 وما يليها من قانون التجارة مفهوم المصالحات السابقة لإعلان الإفلاس، فافترضت من التاجر حسن نية للذهاب إلى المحكمة والمطالبة بإجراء مصالحة مع الدائنين.
إن هذه النصوص على الرغم من احتوائها بعض الثغرات القانونية غير أنها كبيرة الأهمية إذ تشجع على تلافي مساوئّ الإفلاس، وعلى تسديد الديون لأصحابها، على اعتبار أن مصلحة الدائن كانت ولم تزل الغاية الأساسية لاي نظام اقتصادي .
أما اليوم، يجب أن يكون الاتجاه لتلافي إعلان الإفلاس، لا بل يجب النظر إلى الأموربطريقة أكثر إيجابية ومحاولة التوفيق بين عدة مصالح. أولاها مصلحة الشركة أو المصرف، ثانيها مصلحة الدائن أو الائتمان، ثالثها البعد الاجتماعي لناحية عدم خسارة فرص العمل في هذه القطاعات.
ان النهج الإيجابي يدعو إلى التفاؤل في إيجاد حلول واقعية تخرج لبنان من مأزقه الاقتصادي؛ فإن مراجعة مشروع قانون إصلاح الوضع المصرفي تتطلب وضع آلية جديدة تُصنف المصارف وفق مؤشرات مختلفة، لتحديد من يمكن إنقاذه، ومن يجب تصفيته.
كل ذلك يجب أن يتم ضمن كلفة معقولة على الدولة والمواطنين، دون اللجوء إلى إعلان الإفلاس الكامل الذي سيكون له تبعات مالية ضخمة.
حيث نرى في مشروع القانون المطروح بأنه أوجد هيئة جديدة مختصة بإصلاح وضع المصارف، معرفاً معايير التعثر، محددا أدوات إصلاح الوضع المصرفي. كما طرح صلاحيات " المدير المؤقت"، ليذهب أخيراً إلى التصفية ودور لجنة التصفية.
كل ذلك بعد تحديد كلفة تمويل هذه العملية، ما يؤكد أن هذا الحل مكلف وسوف يرتب نفقات واعباء جديدة على كاهل الدولة والمواطنين.
في هذه المرحلة، لا بد من الإشارة إلى أن مخاطر التصفية تشمل احتمالية عدم استيفاء الدائنين لكامل أموالهم.
في المقابل، لا يجوز تحميل العبء كاملاً للمودعين أو الدائنين، بل يجب البحث عن توازن بين حقوق الدائنين، والمصلحة العامة للدولة، والقطاع المصرفي.
من ناحية أخرى، تتطلب المعالجة إشراك ثلاثة أطراف أساسية:
1. الدولة، بما تمثله من سلطة وصاحبة المصلحة العامة.
2. المصرف المركزي، المسؤول عن تنظيم القطاع المصرفي.
3. المصارف نفسها، التي يجب أن تتحمل مسؤولية أفعالها، وتساهم في تحمل الخسائر.
بناءً على ذلك، وبعد إجراء مقارنة مع ما كرسته المصالحات في قانون التجارة اللبناني من صلح احتياطي الى صلح بسيط إلى صلح بالتنازل عن الموجودات، نرى أنه حدد الأطر التي تتم من خلالها المصالحة بعد التصويت عليها من قبل الأغلبية المطلقة للدائنين، معتبراً أنه يُعرض على الدائن استيفاء كامل قيمه دينه مقسطة على ثلاث سنوات، أو 75% من الدين على 18 شهراً، وأخيراً 50% من الدين مدفوعة خلال سنة.
غير ان التجربة تظهر أن استيفاء نصف الدين حالياً، وعلى الفور، قد يكون أفضل من انتظار استيفاء الدين كاملاً لاحقاً، خاصة مع فقدان الثقة بالقطاع المصرفي والانهيار الحاصل في قيمة العملة.
أما عن الأموال المودعة، والتي فقدت من قيمتها بشكل كبير، فيُطرح السؤال: كيف يمكن معالجتها بشكل عادل؟ خاصة أن المودعين يطالبون بحقوقهم المشروعة، فيما الدولة تواجه أزمة سيولة.
ناهيك عن أن الأموال المودعة والتي كانت قيمتها توازي 1500 ليرة لبنانية، فقدت من قيمتها، ما يجعل إمكانية سحبها على قيمة سعر صرف السوق (89750) أمراً صعباً، لا بل يحقق عدم المساواة النسبية التي نادى بها قانون الإفلاس ( تطبيقاً لمبدأ قسمة الغرماء)، واثراءا غير مبرر على حساب بقية القطاعات.
في النهاية، إن الحلول تكمن في اعتماد صيغ مصالحات مرنة، تراعي التفاوت بين المصارف وحجمها، وتفرض مساهمات من الدولة، ومن أصحاب المصارف أنفسهم.
كما أنه لا يمكن تجاهل أهمية تنظيم عمل المصارف، ومراقبة أدائها، واتخاذ قرارات إصلاحية تُنفذ عبر الأجيال، كي لا تتكرر الأزمة نفسها. بحيث إن تعديل بعض النصوص أقل كلفة من إعادة هيكلة قطاع كامل.
من جهة أخرى، إن تحميل الدولة والمصرف والمودع مسؤولياتهم بطريقة عادلة هو السبيل لتحقيق التوازن المطلوب.
أما عن المودعين، فمن الضروري إجراء إحصاء دقيق يحدد نسبة الديون ونوع المودعين، مع تمييز بين كبار المودعين وصغارهم، بما يسمح باستعادة الحقوق بشكل تدريجي ومنصف.
أخيراً، فإن مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة تبقى المدخل الحقيقي لتحقيق العدالة الاقتصادية. فهل تصل الأزمة إلى خواتيمها السعيدة؟
0 تعليق