نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المرشّح والناخب.. بين الحقوق والواجبات - تكنو بلس, اليوم الجمعة 25 أبريل 2025 11:56 صباحاً
شادي ديراني
باحث في الإدارة السياسية
الانتخابات البلدية في مسار اللامركزية والديموقراطية
بينما نستعدّ لاستحقاق بلدي قد يحمل في طيّاته تحوّلاً مصيرياً، ولا سيّما مع تصاعد الحديث عن وجوب تطبيق اللامركزية الإدارية المنصوص عليها في الدستور، وفي لحظة دقيقة من تاريخ لبنان، إذ إننا في بدايات عهد جديد تتقاطع فيه المتغيّرات المحلية مع الإقليمية والدولية، من الضروري الإضاءة على دور المرشّح والناخب، حقوقاً وواجبات. ففي الديموقراطيات المتحضّرة، الشأن العام ساحةٌ للخدمة ومجالٌ للتكليف، وميدانٌ للتنمية والتقدّم والتخطيط والرقي. وهو يُختصر بأسمى تعبير في "الخير العام"، أي ما ينفع الجميع، لا ما يرفع فرداً أو فئةً على حساب الآخرين. وهنا بالضبط يتجلّى الفرق الجوهري بين "المركز" و"الدور".
السلطة وسيلة لا غاية
حين يتحوّل الشأن العام إلى شأن خاص، تضيع بوصلة "الخير العام" وتفقد السياسة معناها، فتتحوّل المؤسسات من أدوات خدمة وإدارة إلى أدوات نفوذ، ويغدو الكرسي غاية لا وسيلة. ندرك جميعاً، من دون اجتهادات، أنّ في بلدنا طلابَ مراكز أكثر من طلاب أدوار. والمركز هو الموقع، الكرسي، الامتياز. أما الدور، فهو المهمة، الرسالة، المسؤولية. لا ضير في السعي إلى مركز، متى كان وسيلةً لأداء دور. ولكن حين يغيب الدور ويبقى المركز، تبهُت الديموقراطية، وتُختزل السلطة في مظهر بلا جوهر.
لماذا يترشّح الناس؟
مع كل استحقاق انتخابي، يتزاحم المرشّحون وتكثُر الشعارات، وتدور المبارزات الانتخابية، فنتساءل: لماذا يترشّح الناس؟ وهل كل من ترشّح يستحق؟ الإجابة تبدأ بفهم الدوافع التي تتلخّص علمياً، بثلاثة أساسية لا رابع لها:
١- السلطة(Power): السعي إلى موقع عام لتحقيق مشروع أو أجندة، أو دعماً لفكرة أو قضية. وهو دافع مشروع في النظام الديموقراطي، لا بل مطلوب، إذ يُمكن مساءلة صاحبه على أساس ما وعد به.
٢- الغرور (Ego): دافع شخصي لإثبات الذات أو كسب الإعجاب. ورغم أن طبيعته أنانية، قد تدفع الحاجة إلى الظهور وتغذية الغرور أحيانًا نحو بذل جهدٍ مثمر، وإن كان مدفوعًا بالـ"أنا".
٣- أسلوب الحياة (Lifestyle): هو الأخطر. عندما يُصبح المنصب أداةً للوجاهة والتسلّط، تتفكّك المعايير وتتشوّه القيم، ويغدو الشأن العام مسرحاً للاستعراض لا ميداناً للخدمة. فتقع الديموقراطية ضحية "خديعة" يتقنها بعض المتسلّقين بمهارة فائقة.
متى فُرّغت السلطة من معناها وصار الكرسي وسيلة ترفٍ واستعلاء، يفقد العمل العام قدسيّته، وتتحوّل السياسة إلى سوق منافع لا ميدان رسالات. والأمثلة كثيرة، بل إنّ وضع وطننا الصعب هو إلى حدّ كبير نتيجة مباشرة لهذه الممارسات وأصحابها. لذا على المرشح أن يحمل فكرة أو مشروعا ويبلورهما كخطة أو استراتيجيا مع لائحته، وأن يكون مستعدا لدفع فاتورة خدمة الشأن العام على كل الصعد.
مسؤولية الناخب وأهمية الوعي الانتخابي
هنا تبرز مسؤولية الناخب. فهو ليس رقما في صندوق، بل شريكٌ في القرار، وصانعٌ في المسار. الورقة التي يضعها الناخب في الصندوق لا تقلّ أثرا عن خطابٍ رئيس بلدية أو مشروع مجلس بلدي. فكلّ اقتراع شهادة: إمّا تُمنح لمن يستحق، وإما تُهدى إلى من يُجيد التمثيل. من هنا أهمية رفع الوعي الانتخابي. ليس المطلوب أن يكون كلّ مواطن خبيراً في الشأن العام، بل أن يُدرك الفرق بين من يسعى إلى المركز لأداء دور، ومن يريده للوجاهة. أن يرفض من يستغلّ صوته، ويمنحه لمن يعتبر الثقة أمانة. أن يسأل عن المشروع، لا أن يكتفي بالشعار.
قد نهمس في أنفسنا أنّ هذا مثالي أو بعيد عن الواقع. صحيح، فالخيارات أحيانًا محدودة، والوجوه في المُدن والبلدات والقرى قد تتكرّر. لكن الوعي يبدأ من الإقرار بأنّ ما هو كائن ليس بالضرورة ما يجب أن يكون. والتمسّك بالمُثُل ليس وهما، بل قرار وواجب. فالتغيير الإيجابي لا يُصنع في صناديق الاقتراع فقط، بل في العقول أولا، وفي منظومة القيم والمبادئ التي يحملها المرء، والتي بدورها ستنعكس في ما بعد خيارات في صناديق الاقتراع. وعليه، فإن مسؤولية التقدّم لا تقع على المرشّح وحده، بل على الناخب أيضا. وعندما يقوم كلٌّ بدوره، تتحوّل الانتخابات البلدية من واجبٍ شكلي إلى أداة تغييرٍ حقيقي.
ثلاثية المسؤولية
المعادلة لا تكتمل بالمرشّح والناخب فقط، فهي ثلاثية الأضلع. وكما أن هناك من يترشّح ومن ينتخب، هناك من يصنع الوعي ويوجّهه، كالإعلام والأحزاب والمرجعيّات وقادة الرأي. هؤلاء أيضاً مسؤولون تحديداً عن تشكيل الرأي العام، سلباً أو إيجاباً، وتالياً عن رفع الوعي أو تضليله. لذا، في الجزء الثالث من هذه السلسلة، سنتناول هذا الموضوع ونناقشه: من يصنع الرأي العام؟ كيف يُبنى الوعي؟ ومن يصقل الثقافة الديموقراطية أو يشوّهها في زمن السرعة والتواصل والمعلومات؟
0 تعليق