كوريا الجنوبية: نهاية عهد فوضى دولة وديبلوماسية على حافة الهاوية - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كوريا الجنوبية: نهاية عهد فوضى دولة وديبلوماسية على حافة الهاوية - تكنو بلس, اليوم الخميس 24 أبريل 2025 08:40 صباحاً

بعد خمسة أشهر على إعلان الأحكام العرفية، أصدرت المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية حكمها الحاسم: الرئيس يون سوك-يول عُزل رسمياً من منصبه. قرار تاريخي يضع حداً لأول فصل من مسلسل سياسي مضطرب. وبينما حسم القضاء الموقف على المستوى الدستوري، لا تزال الفوضى بعيدة عن نهايتها. فقد أُفرج عن يون لأسباب تتعلق بعيوب إجرائية بعد قضائه شهرين في السجن، لكنه لا يزال ملاحقاً بتهم خطيرة تشمل التمرد، إساءة استخدام السلطة، وعرقلة سير العدالة – تهم قد تؤدي نظرياً إلى الحكم بالإعدام.

 

نهاية ولايته لا تمثل سوى بداية لمعركة قضائية وإعلامية محتدمة قد تشد انتباه الأمة بأكملها.

 

في الوقت الراهن، تتجه كوريا الجنوبية نحو المستقبل عبر انتخابات رئاسية مبكرة مقررة في 3 يونيو. غير أن هذه الخطوة لا تبدد الانقسامات العميقة التي تمزق المجتمع الكوري. فالحملة الانتخابية المرتقبة تُنذر بتوتر شديد في بلد لا يزال جريحاً بفعل الأحداث الأخيرة. الانقسامات السياسية، والعمرية، والجندرية التي برزت خلال انتخابات 2022، تعمّقت أكثر فأكثر. وفي الشوارع، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الإعلام، تتصلب المواقف: مؤيدون أو معارضون ليون، مع أو ضد عودة النظام – الجميع متمترس خلف آرائه.

 

يبرز لي جاي-ميونغ، شخصية بارزة في الحزب الديموقراطي والمنافس الخاسر ليون عام 2022، كمرشح مفضل. وقد استفاد أخيراً من تبرئته في قضية قضائية، لكنه لا يزال يواجه تحقيقات تتعلق بمشاريع عقارية أُطلقت خلال توليه مناصب محلية. في المقابل، يعاني المعسكر المحافظ من انقسامات داخلية وخسارة مصداقية بعد سقوط يون، ما يترك الحزب دون مرشح طبيعي في وقت حرج للغاية.

 

انتقال سياسي وسط أزمات متتالية  

تجري هذه التحولات السياسية في ظل سلسلة من الكوارث. فمنذ ديسمبر، توالت الأزمات: حرائق من بين الأسوأ في تاريخ البلاد حصدت أرواح ثلاثين شخصاً، وكشفت عن ضعف في آليات الوقاية والتدخل. لكن الضربة الأقسى جاءت من الخارج: إعلان الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على معظم الصادرات الكورية، باستثناء أشباه الموصلات. وهي صدمة اقتصادية لدولة تعتمد بشدة على صادراتها.

 

القطاع الصناعي الأبرز – صناعة السيارات – كان أول المتضررين. وسرعان ما تراجعت بورصة سيول عقب إعلان هذه الإجراءات، كما هي الحال في بقية الأسواق الآسيوية. وقد مُنحت كوريا الجنوبية مهلة مؤقتة مدتها 90 يوماً قبل تنفيذ القرار، لكنها مجرد هدنة قبل مفاوضات مصيرية مع واشنطن في ظل غياب قيادة سياسية فاعلة في البلاد.

 

لعبة توازنات بين واشنطن وبكين وطوكيو  

رغم الفراغ السياسي، لا تزال كوريا الجنوبية تملك أوراق قوة في ميزان العلاقات الدولية. أولاً، يمكنها زيادة وارداتها من المنتجات الأميركية، لا سيما الغاز الطبيعي المسال. فمنذ عام 2024، أصبحت الولايات المتحدة المورد الأول للغاز المسال إلى كوريا، متفوقة على أستراليا وقطر. وهناك هامش لتعزيز هذه الواردات، وكذلك في مجال النفط.

 

ثانياً، تتمتع كوريا الجنوبية بميزة استراتيجية في مجال بناء السفن. فقد توصلت أخيراً شركة "هيل" الأميركية العملاقة إلى اتفاق مع شركة "إتش دي هيونداي" الكورية، بهدف تعزيز إنتاج السفن المدنية والعسكرية. وبالنسبة إلى واشنطن، التي تسعى لإحياء صناعتها البحرية في مواجهة الصين، تُعد كوريا شريكاً رئيسياً لا غنى عنه.

 

المسار الثالث للنقاش يشمل القواعد العسكرية الأميبركية المنتشرة على الأراضي الكورية. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد طالب مراراً بأن تتحمل سيول نصيباً أكبر من تكلفة بقاء القوات الأميركية، التي تشكل درعاً ضد تهديد كوريا الشمالية. ولم تُنشر أي أرقام بعد، لكن من المرجح أن تُضطر كوريا إلى زيادة مساهمتها.

 

وأخيراً، تُسجل الاستثمارات الكورية في الولايات المتحدة نمواً متواصلاً منذ عام 2020. وبفضل الحوافز الضريبية التي أقرها قانون "خفض التضخم" (IRA) وقانون "الرقائق والعلوم"، ضخت الشركات الكورية استثمارات ضخمة في قطاعات استراتيجية مثل أشباه الموصلات، السيارات الكهربائية، والبطاريات. وفي إعلان حديث، كشفت شركة "هيونداي" عن خطة استثمارية بقيمة 21 مليار دولار تشمل مصنعاً للفولاذ في لويزيانا سيغذي إنتاجها من السيارات الكهربائية.

 

خيارات ديبلوماسية معلقة على نتائج الانتخابات  

غير أن هذه الاستراتيجية البراغماتية المبنية على التعاون والتسويات، قد تتغير تبعاً لنتائج الانتخابات المقبلة. فإن فاز لي جاي-ميونغ، المعروف بانفتاحه النسبي تجاه الصين، فقد تشهد السياسة الخارجية تحولاً كبيراً، خصوصاً إذا تضمّن أي اتفاق مع واشنطن شقاً عسكرياً.

بالتوازي، أعادت كوريا الجنوبية تنشيط مفاوضاتها مع الصين واليابان للتوصّل إلى اتفاق تجارة حرة ثلاثي. وقد أُطلقت هذه المفاوضات عام 2013، لكنها توقفت في 2019 قبل أن تُستأنف مجدداً عام 2024. الهدف: التوصل إلى اتفاق أوسع من اتفاق "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" (RCEP) يشمل الاستثمارات.

تشكل هذه الدول الثلاث مجتمعة نحو 20% من التجارة العالمية، وتسعى إلى حماية نظام متعدد الأطراف يواجه ضغوطاً متزايدة بسبب التوترات الصينية-الأميركية.

مصير سياسي على حافة السكين  

لكن بالنسبة إلى كوريا الجنوبية، فإن هذا التوازن الحرج محفوف بالمخاطر. فأي تقارب مفرط مع الصين قد تفسّره واشنطن على أنه استفزاز. لذا، سيكون على سيول أن تناور بدقة فائقة في بيئة جيوسياسية متقلبة.


في هذا السياق غير المستقر، تبقى الأولوية القصوى هي استعادة سلطة سياسية شرعية وقوية. فغياب القيادة، والغموض الاقتصادي، والتوترات الاجتماعية، والضغوط الدولية، كلها عوامل تجعل من الضروري بروز زعامة واضحة قادرة على تهدئة الداخل، واستعادة الثقة، والدفاع عن مصالح البلاد برؤية طموحة ومستقرة.  

وها هي الأنظار تتجه نحو يونيو: هل تنجح كوريا الجنوبية، الواقفة على حافة العاصفة، في استعادة بوصلتها؟

 

* جوزيف عازار، أستاذ في جامعة باريس دوفين– PSL  

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق