يأتي شم النسيم كل عام ليمنح المصريين فرصة للاحتفال بالحياة والطبيعة، في يوم يعبق بألوان الربيع ونسماته العليلة. ومن أبرز تقاليد هذا العيد الشعبي المتجذر في التاريخ المصري، الخروج إلى الحدائق والمتنزهات العامة، حيث تقضي العائلات يومها وسط المساحات الخضراء، تتناول الأطعمة التقليدية مثل الفسيخ والبصل، ويتبادل الأطفال الضحكات وهم يلوّنون البيض أو يلعبون بالألعاب الشعبية. ومع ازدحام المدن وكثافة السكان، تبرز أهمية الحدائق العامة باعتبارها المتنفس المثالي والوجهة الأكثر شعبية للاحتفال بشم النسيم، سواء في العاصمة القاهرة أو في المحافظات المختلفة.

حديقة الأزهر: واحة خضراء في قلب القاهرة

من أبرز الوجهات التي يفضلها المحتفلون بشم النسيم في العاصمة المصرية، حديقة الأزهر الواقعة على تلال الفسطاط بالقرب من شارع صلاح سالم. تُعرف الحديقة بمساحاتها الشاسعة وتنسيقها البديع، حيث تجمع بين الحداثة والطابع الإسلامي التقليدي. يمكن للعائلات هنا الاستمتاع بجلسات هادئة على المسطحات الخضراء، أو تناول الطعام في أحد مطاعم الحديقة المطلة على أفق القاهرة القديمة، حيث يظهر بوضوح مسجد محمد علي وقلعة صلاح الدين. إلى جانب ذلك، تُتيح الحديقة للأطفال مناطق ألعاب آمنة، مما يجعلها خيارًا مثاليًا ليوم شم النسيم العائلي.

حديقة الفسطاط: التاريخ والطبيعة يلتقيان

في حي مصر القديمة تقع حديقة الفسطاط، وهي من أكبر الحدائق في القاهرة، وتجمع بين التاريخ العريق والطبيعة الهادئة. أُنشئت الحديقة لتكون متنفسًا للأهالي بعيدًا عن صخب المدينة، وتضم مساحات شاسعة من الأشجار والنباتات، إلى جانب مناطق للجلوس وأماكن لممارسة الرياضة. تتميّز الحديقة بقربها من مواقع أثرية مهمة مثل جامع عمرو بن العاص، مما يجعل زيارتها تجربة ثقافية وترفيهية في آنٍ واحد. خلال يوم شم النسيم، تمتلئ الحديقة بالأسر التي تفرش البطاطين وتحمل سلال الطعام، في مشهد يعبّر عن تقاليد مصرية أصيلة.

حدائق النيل والمحافظات: التنوع الجغرافي للبهجة

لا يقتصر الاحتفال بشم النسيم على القاهرة الكبرى، بل تمتد فرحة الربيع إلى مختلف المحافظات، حيث تزدهر الحدائق العامة كأماكن تجمع وترويح. في الإسكندرية، تبرز حدائق المنتزه وقصر أنطونيادس كخيارات ساحرة، حيث يلتقي عبق التاريخ بجمال الطبيعة، بينما يستقطب كورنيش النيل في مدن مثل المنيا وأسيوط وأسوان العائلات التي تبحث عن نزهة تطل على الماء والزهور. 

في الدلتا، تتجه العائلات إلى الحدائق القريبة من الأنهار أو المزارع المفتوحة، حيث تختلط الأجواء الريفية الهادئة بالطقوس الشعبية الأصيلة. هذا التنوع في الوجهات يُعزز من روح شم النسيم، كعيد شعبي لا يقتصر على فئة دون أخرى، بل يعكس انتماء المصريين للطبيعة والفرح الجماعي.

تمثل الحدائق العامة في مصر أكثر من مجرد أماكن خضراء، فهي ساحات لخلق الذكريات وتبادل الفرح في مناسبات مميزة كشم النسيم. فبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي، توفر هذه الحدائق فرصة حقيقية للهروب من صخب الحياة اليومية، والعودة إلى لحظات بسيطة لكنها عميقة، حيث تلتقي العائلات على مائدة واحدة في أحضان الطبيعة، لتجدد الروح وتحتفل بالحياة.