نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين تُباع السندات والدولار والأسهم... الذهب يعلو فوق ضجيج الأسواق - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 22 أبريل 2025 09:37 صباحاً
في عالم تتبدل فيه العملات، وتتقلب الأسواق، ويبقى الدولار واليوان ضحية للصراعات، هناك أصل واحد يرفض التلاشي: الذهب. منذ آلاف السنين حتى الآن، لا يزال هذا المعدن الأصفر يحتفظ بمكانته كأكثر الأصول موثوقية في الاحتياطيات الاقتصادية العالمية. فما الذي يجعل الذهب يحتفظ بهذا العرش؟ ولماذا تتهافت البنوك المركزية على اقتنائه في زمن الأزمات؟
الذهب: أصل لا يُطبع… ولا يُكسر
على عكس العملات الورقية التي يمكن طباعتها بقرارات حكومية، أو سندات الخزانة التي يمكن إصدارها بلا سقف، فإن الذهب محكوم بندرته الطبيعية. لا يمكن تصنيعه، ولا يمكن تضخيمه، ولا يمكن حذفه من النظام بمجرد قانون أو تغيير سياسي.
هذه المحدودية تجعل منه الأصل الأكثر مناعة ضد التآكل النقدي. ففي وقت يُباع فيه كل شيء - من الدولار إلى السندات الأميركية إلى الأسهم - يظل الذهب هو الأصل الوحيد الذي لا يُمس، بل يزداد بريقاً مع كل أزمة.
الذهب، ببساطة، هو العملة الوحيدة التي لا تُخضعها قرارات البنوك المركزية.
من الفراعنة إلى الفيديرالي: التاريخ يكرّس الثقة
الذهب ليس حديث الولادة في النظام المالي. فقد استخدمته الحضارات القديمة في المعابد، والملوك في سك العملات، والإمبراطوريات في توثيق النفوذ.
ومع تأسيس النظام المالي الحديث، تبنّى العالم قاعدة الذهب، وربط قيمة العملات بهذا المعدن النفيس حتى 1971، حين تخلّت أميركا عن “بريتون وودز”. لكن حتى بعد فك هذا الارتباط، لم يفقد الذهب سحره. بل على العكس، تحوّل من أصل نقدي رسمي إلى أصل سيادي خفي.
البنوك المركزية لم تتخلَ عنه وجعلته احتياطياً استراتيجياً. الصين، روسيا، تركيا، الهند… كلها تكدّس الذهب بهدوء، وتعتبره ضماناً استراتيجياً في حال انهار نظام الدولار العالمي.
أوقات الأزمات: الذهب لا يخذل أحداً
في كل لحظة بيع جماعي، من أزمة 2008 إلى جائحة 2020، وحتى نيسان (أبريل) 2025، عندما تساقطت الأسهم والسندات والدولار في وقت واحد، كان الذهب هو الاستثناء الوحيد.
خلال هذه المدة، قفزت عوائد السندات الأميركية الى أعلى مستوياتها في عامين، الدولار فقد قوته رغم العوائد، والأسهم الأميركية عانت من أكبر عمليات التصفية منذ سنوات. وسط هذه الفوضى، وجد المستثمرون ملاذاً آمناً لا يتغيّر: الذهب.
ولعل أكثر ما يُثبت مكانة الذهب الآن، أنه أصل يُشترى في زمن تتفكك فيه الثقة - الثقة بالاقتصادات، بالعملة، وب مؤسسات الحكم المالي مثل الاحتياطي الفيديرالي.
بنوك مركزية تشتري الذهب... بلا ضجيج
تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن مشتريات البنوك المركزية من الذهب بلغت مستويات قياسية خلال 2022 و2023، واستمرت بالزخم نفسه في 2024 ومع بدايات 2025. الصين وحدها أضافت أكثر من 200 طن خلال أقل من عام. تركيا رفعت حيازتها رغم ضغوط الليرة. الهند رفعت وتيرة الشراء، بينما أعادت دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا ذهبها إلى أراضيها.
لماذا؟ لأن هناك إدراكاً عميقاً أن العالم يتغير، وأن الذهب، كأصل سيادي، لا يمكن مصادرته، تجميده، أو التحكم به عبر العقوبات. إنه جوهر السيادة الاقتصادية.
التعريفات الجمركية... وسردية الركود
مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى واجهة المشهد، أعاد معه أدوات الحرب التجارية: تعريفات جمركية هائلة على الواردات الصينية. هذه الخطوة أطلقت موجة قلق عالمية، فسرعان ما عاد مصطلح “الركود” إلى العناوين. فالحرب التجارية تصوغ في الأذهان فكرة سلبية الاقتصادات ودفع عجلة التضخم.
الأسواق لا تُحب الحروب التجارية. ومع كل جولة تعريفات، ترتفع أكلاف الواردات، ترتفع الأسعار، ويهدّد التضخم مسار السياسة النقدية. ومعه، تهتز الثقة بالسندات، وتُصاب الأسهم بالذعر، ويتراجع الدولار.
وسط كل هذه المتغيرات، الذهب يربح. لأنه لا يتأثر بالتعريفات، ولا تديره البنوك، ولا تربطه الأسواق ببيانات موقتة. بل يُشترى لأنه ببساطة لا يتحرك وفقاً لقواعد الآخرين.
شرخ استقلالية الفيديرالي... وزلزال الثقة
منذ أسابيع، تصاعدت لهجة ترامب ضد رئيس الفيديرالي جيروم باول، إلى أن بلغت ذروتها بمطالبته بعزله. هذه سابقة خطيرة تهدد مبدأ استقلالية السياسة النقدية.
الفيديرالي، في نظر المستثمرين، هو صمّام الأمان الأخير ضد الانهيار المالي. فإذا شعر السوق بأن هذا الصمام قد أصبح رهينة الرغبات السياسية، فإن كل الثقة المتبقية ستتبدد.
وما الأصل الوحيد الذي لا يحتاج إلى ثقة بالمؤسسات؟ الذهب.
العرش الذي لا يُنتزع
في هذا الزمن المضطرب، الذهب لا يلمع لأنه نادر فحسب، بل لأنه لا يكذب.
لا يخضع، ولا يُطبع، ولا تُفرَض عليه فائدة، ولا يحتاج إلى سند ائتماني. وجوده وحده كافٍ لإثبات قيمته.
ولهذا، في ظل عالم تُباع فيه كل الأصول، يظل الذهب هو العرش الذي لا يُنتزع.
0 تعليق