في الوقت الذي يتزاحم فيه السياح على أشهر المدن الأوروبية مثل باريس وروما وبرشلونة، هناك مدن أوروبية أخرى لا تقل سحرًا أو أهمية، لكنها غالبًا ما تغيب عن خرائط الرحلات السياحية التقليدية. هذه المدن، التي يمكن وصفها بالوجهات المنسية، تزخر بجمال طبيعي خلاب، وتاريخ عريق، وثقافة أصيلة لم تفسدها كثافة الزوار. ما يميز هذه المدن هو هدوؤها وصفاؤها، ما يجعلها خيارًا مثاليًا لمن يبحث عن تجربة سياحية مختلفة، تبتعد عن الصخب والزحام، وتقترب أكثر من روح المكان وسكانه.

ترير الألمانية: أقدم مدينة في ألمانيا تخفي كنوزًا رومانية

قد لا يعرف الكثيرون أن مدينة ترير (Trier) الواقعة على نهر موزيل في غرب ألمانيا هي أقدم مدينة في البلاد، ويعود تاريخها إلى العهد الروماني. تحتفظ ترير بأطلال رومانية محفوظة بشكل مدهش، من أبرزها "بوابة بورتا نيجرا"، وهي من أعظم بوابات المدن الرومانية الباقية حتى اليوم.

كما تحتوي المدينة على حمامات رومانية ضخمة، وكاتدرائية تاريخية، وقصور من العصور الوسطى. إضافة إلى معالمها التاريخية، تشتهر ترير بمزارع الكروم المحيطة بها، ما يجعل زيارتها فرصة للاستمتاع بجمال الطبيعة وتذوق النبيذ المحلي. ورغم هذا الإرث الغني، فإن المدينة لا تزال بعيدة عن الزحام السياحي، مما يجعلها وجهة مثالية لهواة التاريخ والاستكشاف بهدوء.

بليد السلوفينية: بحيرة رومانسية وأجواء أسطورية

تقع مدينة بليد (Bled) الصغيرة في شمال غرب سلوفينيا، وتُعد من أجمل الوجهات الطبيعية في أوروبا، لكنها لا تزال مجهولة نسبيًا للكثير من السياح العرب. تتمركز المدينة حول بحيرة بليد الساحرة، وفي وسطها جزيرة صغيرة عليها كنيسة بيضاء أنيقة يمكن الوصول إليها عبر قارب تقليدي. ومن أعلى الجرف يطل "قلعة بليد" على البحيرة، موفرًا مشهدًا بانوراميًا لا يُنسى. 

ما يجعل بليد وجهة مميزة هو توازنها بين الطبيعة الساحرة والبنية السياحية المريحة، فهي تقدم أنشطة مثل المشي والتجديف وركوب الدراجات، مع مقاهي هادئة ومطاعم تطل على المياه. ورغم شهرتها المتزايدة، إلا أن بليد لا تزال محتفظة بجو من العزلة الراقية والهدوء.

غنت البلجيكية: المدينة التي تتألق بعيدًا عن بروكسل وبروج

في بلجيكا، تتجه الأنظار عادة إلى بروكسل العاصمة أو إلى بروج ذات القنوات الرومانسية، بينما تمرّ مدينة غنت (Ghent) غالبًا دون أن تُمنح حقها من الاهتمام. تقع غنت بين بروكسل وبروج، وتجمع بين الحداثة والتاريخ في تناغم نادر. في قلب المدينة، تنتشر الأبنية القوطية والممرات المائية والقلاع التي تحكي عن عصرها الذهبي كتقاطع تجاري هام في العصور الوسطى. تعتبر "قلعة غرافنستين" من أبرز المعالم، وهي قلعة تعود إلى القرن الثاني عشر، تطل على المدينة وتوفر جولة شيقة بين الجدران الحجرية وأبراج الحراسة. وتنبض غنت بالحياة الجامعية، ما يمنحها طابعًا شابًا ومليئًا بالحيوية، وتتميز بأسواقها الليلية، ومهرجاناتها الثقافية، ومأكولاتها المتنوعة، كل ذلك دون أن تغرق في الزحام الذي تعاني منه المدن السياحية الكبرى.

تكشف المدن المنسية في أوروبا عن وجه آخر للسفر، حيث يمكن للمسافر أن يختبر الأصالة والهدوء والجمال بعيدًا عن المسارات السياحية المعتادة. إنها دعوة لاكتشاف ما وراء العناوين الكبرى، ورؤية أوروبا بعين أكثر عمقًا وشغفًا بالتفاصيل.