حتى وقت قريب، كان المتداولون في سوق النفط يعانون من صعوبة تحقيق الأرباح، حيث ظل السوق راكدًا وتحركاته محدودة. لكن في الأسابيع الأخيرة، شهدت السوق تحركات سعرية غير متوقعة، جعلت المتداولين يعيدون تقييم استراتيجياتهم. جاءت هذه التغيرات في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2 أبريل عن فرض تعريفات جمركية شاملة، ما أشعل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وبعد أقل من 24 ساعة، فاجأت "أوبك+" الأسواق بالإعلان عن خطط لزيادة إنتاج النفط بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا. أدت هذه الصدمات المزدوجة إلى انخفاض العقود الآجلة للنفط الأمريكي بنحو 7%، وهو أكبر تراجع منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، بينما قفز مقياس التقلبات إلى أعلى مستوى له منذ ستة أشهر.

تحديات الربح وسط تقلبات السوق السريعة

رغم أن التقلبات الكبيرة قد تكون فرصة للربح، إلا أن المتداولين يعتبرون أن الاضطراب السائد في السوق يجعل تحقيق الأرباح أمرًا صعبًا. فبينما تؤثر العوامل السياسية مثل الحرب التجارية على أسعار النفط، تتغير السوق بشكل يومي مما يصعب بناء رؤية متوسطة المدى. كما أشار جورج كولتارّو، الرئيس العالمي لوحدة السلع في "بنك أوف أميركا"، إلى أن هذه التقلبات تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل السوق، حيث قد تتغير التعريفات الجمركية بشكل مفاجئ أو يتم تأجيلها تمامًا، مما يؤدي إلى صعوبة تسعير العقود وإدارة المخاطر.

عودة التقلبات والمخاطر التي ترافقها

كان برنت بيلوت، الرئيس التنفيذي للاستثمار في "كايلر كابيتال"، من بين المتداولين الذين تمنيوا عودة التقلبات في بداية العام، خاصة في ظل الركود السائد في السوق. لكنه فوجئ بأن التقلبات الحالية أكثر قسوة مما كان يتوقع، حيث تسببت في خسائر لبعض رهاناته في السوق. وأوضح بيلوت أنه شعر وكأنه اصطدم بحائط خرساني بعد أن اعتقد أن التصريحات الأخيرة للرئيس ترامب بشأن الرسوم الجمركية ستكون أقل تأثيرًا.

التقلبات تهدد سيولة السوق على المدى البعيد

رغم أن هذه التقلبات قد أسهمت في زيادة حجم التداول مؤقتًا، إلا أنها تمثل تهديدًا للسيولة في السوق على المدى البعيد. فقد سجلت "جيه بي مورغان تشيس" في مذكرة لها أن تدفقات الأموال الخارجة من أسواق النفط تزايدت، حيث تراجعت أحجام التداول وانخفضت عدد العقود المفتوحة لخام غرب تكساس الوسيط. هذا الانسحاب من السوق جعل السيولة تنخفض، ما يؤدي إلى اتساع الفجوات بين أسعار البيع والشراء، مما يعقد المشاركة في السوق بالنسبة للمتداولين.

تحولات استراتيجيات صناديق التحوط بسبب الحرب التجارية

أدت الحرب التجارية المتسارعة إلى تغييرات سريعة في استراتيجيات صناديق التحوط. فبعد التوترات التي تسببت بها الحرب التجارية، غيّر المتداولون اتجاهاتهم في خام برنت بشكل أسرع من أي وقت مضى، وهو ما أظهرته بيانات "آي سي إي فيوتشرز يوروب". في الوقت نفسه، تراجعت رهانات الشراء على خام غرب تكساس إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2009، بعد أن كانت قد وصلت إلى أعلى مستوياتها في أسابيع قليلة قبل ذلك. مع تصاعد التوترات، لجأ بعض المتداولين إلى استراتيجيات جديدة، مثل الاستفادة من فروقات الأسعار بين العقود بدلاً من الرهانات المباشرة.

تحوط المستهلكين وسط التقلبات الكبيرة في السوق

مع استمرار التقلبات الحادة في الأسعار، بدأ مستهلكو النفط في اتخاذ خطوات لتثبيت تكاليف الشراء المستقبلية. فوفقًا لبيانات "آي سي إي"، أضاف المتداولون أكبر عدد من مراكز الشراء في برنت وزيت الغاز على الإطلاق، مما يشير إلى تحوط من قبل المستهلكين الصناعيين ضد ارتفاع الأسعار المحتمل في المستقبل.

أزمات أخرى تضاعف تعقيد المشهد

تعتبر العوامل الأساسية مثل التعريفات الجمركية من المحفزات الأولية للتقلبات، لكنها ليست الوحيدة. فالتأثيرات الأخرى مثل خيارات التداول وتمركزات الصناديق التي تتفاعل مع تحركات السوق تؤدي إلى تسريع الانهيارات السعرية. أظهرت بيانات "بريدجتون ريسيرش جروب" أن مستشاري تداول السلع بدأوا في التحول إلى مراكز بيع بنسبة 100% في خام غرب تكساس، في خطوة وصفها التقرير بأنها الأكبر منذ انهيار "بنك وادي السيليكون" في عام 2023.

فرص للربح وسط الاضطراب

بالرغم من حالة الفوضى التي تشهدها أسواق النفط، هناك بعض الفرص التي يمكن للمتداولين الاستفادة منها. فقد أدت التقلبات الكبيرة بعد انهيار بنك وادي السيليكون إلى تراجع سعر النفط بنسبة تقارب 20%، ليعود بعدها ويحقق ارتفاعًا بنسبة 40%. كما أشار جون كيلدوف، الشريك في "أغين كابيتال"، إلى أن الأسواق الجانبية قد تصبح مملة، لكن الوضع الحالي يوفر مستوى جديدًا من التحدي، حيث أن من يحبون المخاطر قد يجدون هذه الفترة مثيرة.