نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأردن أمام خطر الإخوان المسلمين: إما اجتثاثه أو القبول باستمراره - تكنو بلس, اليوم الأحد 20 أبريل 2025 05:32 صباحاً
د. سعود الشرقات*
لم يعد الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مجرد نقاش سياسي أو أيديولوجي، بل أصبح اليوم ملفًا أمنيًا حساسًا بعد الكشف عن ضلوع الجماعة المنحلة في تشكيل خلايا إرهابية مرتبطة بتنظيمات خارجية. فالجماعة التي حُلّت رسميًا بقرار قضائي عام 2020 بعد فشلها في تصويب أوضاعها القانونية، لم تتوقف فعليًا عن النشاط، بل أعادت تموضعها في الساحة عبر واجهتها السياسية المرخصة قانونياً "حزب جبهة العمل الإسلامي" الذي يسيطر اليوم على 22 بالمئة من مقاعد مجلس النواب الأردني.
لكن هذه العلاقة بين الجماعة والجبهة ظلت تتسم بالغموض والازدواجية وتقاسم الأدوار وممارسة التقية السياسية؛ إذ تبيّن لاحقًا أن كوادر من الجناحين واصلوا التنسيق في ملفات ذات طبيعة أمنية خطيرة، معتقدين أنهم بعيدًا عن مراقبة دائرة المخابرات العامة الأردنية. الأخطر من ذلك هو ما كُشفت عنه دائرة المخابرات العامة في 15/4/2025 عن وجود أربع خلايا إرهابية مرتبطة بالجماعة، تولّت تنظيم عمليات تسلّح وتدريب عناصرها محليًا وخارجيًا، في تعاون مع حركة حماس من جهة، وإيران وحزب الله من جهة أخرى. هذه العلاقة الملتبسة أيديولوجيًا والمكشوفة أمنيًا تكشف حجم الانزلاق الذي بلغته الجماعة: من تنظيم سياسي شرعي ومرخص تحت عباءة حزب جبهة العمل الإسلامي إلى شبكة إرهابية تتعاون مع كيانات إقليمية معادية وخارج حدود الأردن مع كل ما يمكن أن يشكله هذا السلوك الأرعن من توتر مع دول عربية وصديقة.
الواقع الذي يفرض نفسه اليوم أن هذه الخلايا الإرهابية الأربع لم تكن فقط تتبادل المعلومات أو الأموال مع حركات خارجية، بل كانت تخطّط عمليًا لتنفيذ أعمال تخريبية داخل الأردن. فقد كشفت الأجهزة الأمنية أن بعض أعضاء الخلايا تلقوا تدريبات عسكرية متقدّمة على يد عناصر من حزب الله في لبنان، كما حصلوا على تمويل مخصص لتصنيع طائرات مسيّرة وصواريخ محلّية الصنع بهدف تنفيذ هجمات نوعية تستهدف منشآت أمنية وحيوية. هذا التوجّه يشي بأن الجماعة أو ما تبقّى من بنيتها التنظيمية تحوّلت من "معارضة فكرية" وسياسية إلى فاعل تخريبي يحمل مشروعًا يتجاوز حدود الد اخل الأردني.
هذه التطورات لم تمرّ مرور الكرام على الدولة. فقد شنّت دائرة المخابرات العامة الأردنية حملة اعتقالات واسعة طالت أفراد الخلايا، بعضهم من الناشطين المعروفين في الجماعة والحزب، وتبيّن من التحقيقات أن بينهم طلبة جامعيين ومهندسين ومسؤولين سابقين في الجماعة. هذا التورّط شكّل صدمة للرأي العام، وأعاد تسليط الضوء على خطورة التنظيمات المؤدلجة التي تلبس ثوب العمل السلمي لكنها تمارس في السر أدوارًا خطيرة تهدّد الأمن الوطني للأردن وسط دعوات شعبية واسعة حالياً لحظرها بشكل كامل.
أمام محكمة أمن الدولة، لم تقتصر القضية على الاتهامات فقط، بل جاءت الاعترافات العلنية لتشكّل تحوّلاً مفصليًا في التعاطي مع الجماعة. فقد أدلى عدد من المتهمين باعترافات تفصيلية حول عمليات تصنيع الصواريخ، وتلقي أوامر من قيادات خارجية، وتورّطهم في مخططات كان من شأنها أن تقود البلاد إلى اضطرابات خطيرة. هذه الاعترافات، إضافة إلى الأدلة المصادرة من مقرات سرية ومصانع صغيرة، تمثّل أرضية قانونية صلبة لدى محكمة أمن الدولة والهيئة المستقلة للانتخابات لإعادة تصنيف الجماعة بشكل رسمي كتنظيم إرهابي، ولحظر حزب جبهة العمل الإسلامي إذا ثبت تواطؤه أو تستّره.
خلاصة القول، إن ما كشفته تفاصيل القضية - حتى الآن - لا يعكس فقط خطورة الجماعة على الأمن الوطني الأردني، بل يضع الدولة أمام لحظة حاسمة: إما اجتثاث هذه البنية الموازية بشكل نهائي، أو القبول باستمرارها كخطر كامن قابل للانفجار في أي لحظة. الأردن اليوم لا يقف فقط أمام تنظيم ظلامي لا يتورع عن خروجه على القانون، بل أمام مشروع إرهابي مكتمل الأركان وعابر للحدود، يتغذى من أزمات الإقليم ويستغل الانفتاحات الديمقراطية لزرع الفوضى باسم الدين والسياسة والمقاومة معًا. والحزم وحده هو السبيل لحماية الدولة من الداخل قبل أن يتسلل العنف والإرهاب إلى مؤسساتها من جديد.
*مؤسس ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب
0 تعليق