الانتخابات البلدية في النظام الديموقراطي: أساس في اللامركزية ورسم مستقبل المواطن - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتخابات البلدية في النظام الديموقراطي: أساس في اللامركزية ورسم مستقبل المواطن - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 15 أبريل 2025 03:07 صباحاً

شادي ديراني 
باحث في الإدارة السياسية

في خضمّ التحضير للاستحقاق البلدي المرتقب في لبنان، ووسط نقاشات لا تزال بمعظمها سطحية أو محكومة بالزمن الانتخابي، تلقي هذه السلسلة من المقالات الضوء على جوهر العملية الانتخابية كفعل ديموقراطي عميق، يتجاوز كونه استحقاقاً دورياً، ليُصبح أداةً لبناء الدولة من الأسفل إلى الأعلى.
الديموقراطية: نظام يصحّح نفسه ويعكس وعي الشعوب
الديموقراطية ليست فقط نظام حكم، بل ثقافة سياسية واجتماعية، تقوم على مبدأ أن السلطة مصدرها الشعب، وأن المؤسسات التمثيلية انعكاس لخياراته ومستوى وعيه. وهي، رغم نقائصها، أفضل ما توصّلت إليه البشرية من وسائل لتنظيم الشأن العام، وضمان تداول السلطة، وتوزيع الحقوق والواجبات. ومن المهم أن ندرك أن دفاعنا عن الديموقراطية يأتي من اعتبارها وسيلة، لا غاية، إذ إن الهدف يبقى الخير العام، أي تنمية المجتمعات وتحسين حياة الإنسان فيها.
لكن ما يميّز الديموقراطية عن غيرها من الأنظمة هو قابليتها للتصحيح الذاتي. إذ تمنح الشعوب، من خلال آليات الانتخاب والمساءلة، فرصة متكررة لتقييم من يُمثّلها، وتجديد العقد الاجتماعي مع السلطة، محلية كانت أم مركزية. وهي في المحصلة مرآة تعكس مستوى تطوّر المجتمعات، ومدى نضجها السياسي، والتزامها المصلحة العامة.
البلديات: التعبير الأقرب عن إرادة الناس
انطلاقًا من هذه المقاربة، تصبح الانتخابات البلدية ركنًا أساسيًا في البناء الديموقراطي، ولا سيما في دولة كلبنان، حيث لا تزال الدولة المركزية عاجزة عن مواكبة تطلعات المناطق والأطراف (رغم أن اللامركزية الإدارية جزء من دستورنا ـ وثيقة الوفاق الوطني ـ وأقرّت قبل أكثر من ثلاثة عقود)، فالبلدية، في جوهرها، ليست إدارة بيروقراطية باردة، بل كيان سياسي واجتماعي وإنمائي، يُمثّل الناس في بيئتهم المباشرة، ويجسّد حضور الدولة حيث يعيش المواطنون. والبلدية الناجحة هي حكومة محلية مصغّرة، تخطّط، وتدرس، وتنفّذ، وتُحاسب. من البنية التحتية إلى التنمية الاقتصادية، ومن التعليم إلى البيئة، ومن الأمن المحلّي إلى السياحة، تتداخل صلاحياتها مع تفاصيل الحياة اليومية، بما يمنحها القدرة على إحداث فرق فعلي في حياة الناس، إذا ما توافرت الإرادة، والكفاءة، والظروف، والموارد.
كيف نحمي الانتخابات من التكرار؟
لكن هذا الدور الريادي يواجه تحديات كبيرة. فالثقافة السائدة لا تزال تجرّ الانتخابات البلدية إلى منطق الزعامة، أو الولاءات العائلية أو السياسية، أو المال الانتخابي، حيث ينظر البعض إلى البلدية على أنها أداة للوجاهة أو النفوذ، لا رافعة للتنمية. وهذا واقع نعيشه في معظم البلدات اللبنانية، صغيرة كانت أم كبيرة، حيث يتحوّل التصويت أحيانًا إلى فعل انفعالي أو تبعي، لا خيارا واعيا ومسؤولا. ويُفاقم هذا الواقع غياب الوعي الكافي حيال صلاحيات البلدية، وحدود دورها، ومسؤولياتها. كما يفتقر العديد من المرشحين إلى الرؤية الواضحة، والخطط العملية، والقدرة على العمل ضمن فريق متجانس، وتحمّل المسؤولية أمام الناس.
بلديات نموذجية وأخرى عاجزة
رغم هذا الواقع المعروف، تظهر تجارب ناجحة، استطاعت بموارد محدودة، تحقيق نقلة نوعية في حياة الناس، بفضل إدارة متميزة، ومجالس منتخبة بوعي، وتعاون بنّاء بين أعضاء المجلس البلدي، وبينهم وبين المواطن. في المقابل، هناك بلديات انهارت أو تحوّلت إلى عبء، بسبب الكسل، أو الفساد، أو العجز، أو ضعف التخطيط، وخصوصا أن عمر البلديات الحالية طال لتسع سنوات بدل ست.
ومن المهم أن نعي أن الفرق لا تصنعه الأحجام فقط، أو الإمكانات المادية، بل الرؤية والفاعلية والمحاسبة. فالمجلس البلدي، كأي سلطة منتخبة، يمكن أن يكون أداة بناء، أو عنوان فشل، تبعا لديناميّته وخياراته، ولطبيعة العلاقة التي يُقيمها مع الناس، وللثقة التي منحوه إياها في صناديق الاقتراع.
نحو انتخابات بلدية تُحدث فرقًا
الانتخابات البلدية ليست فرصة لتكرار الماضي، بل لحظة مفصلية تُعيد فيها المجتمعات تقييم نفسها، وتختار على أساس البرامج لا الشعارات، وعلى أساس الكفاءة لا القربى أو الولاء. الصوت ليس مجاملة، بل مسؤولية، ليس هبة، بل أمانة.
فليكن هذا الاستحقاق مناسبة نعيد فيها الاعتبار إلى البلديات والمجالس المنتخبة، بوصفها أدوات للتخطيط والتنمية والتقدم، وخدمة الخير العام. فلنحوّل هذا الاستحقاق إلى بداية جديدة، تعبّر فيها البلديات عن نبض الناس وطاقاتهم وتطلعاتهم. ولنتذكّر دائما: لا دولة فاعلة من دون حكم محلي فاعل، ولا ديموقراطية حقيقية من دون مواطن واعٍ، يُدرك أن التغيير لا تصنعه الثورات في الأنظمة الديموقراطية، بل يُصنع، أولًا وأساسًا، في صناديق الاقتراع. وهناك، كلنا مسؤولون.
في المقال المقبل، سنتناول موضوع الناخب والمرشّح، من منطلق المسؤولية التشاركية التي يفترض أن تحكم أدوارهما في أي نظام ديموقراطي سليم، فنضيء على دور كل طرف، وحقوقه، وواجباته، وكيف يمكن تعزيز ثقافة الاختيار الواعي، والمساءلة الديموقراطية، والمشاركة العقلانية، سبيلا لترسيخ شراكة فعلية تُمكّن من رسم السياسات المحلية وتنفيذها، وتاليًا تطوير بلدنا، لبنان.

 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق