نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لجان توجيه صناعة الدراما في مصر.. الحرية والرقابة في خلطة واحدة! - تكنو بلس, اليوم السبت 17 مايو 2025 07:22 صباحاً
رغم أهمية صناعة الدراما المصرية وضرورة تطويرها بشكل مهني واحترافي بواسطة المختصين والمعنيين بهذا المجال في إطار المنظومة الفنية، فإن ما يصدّره المشهد الراهن من تكريس رسمي حاشد لهذا الملف على أعلى المستويات والدوائر المؤسسية والحكومية والحزبية، يكاد أن يعكس تصعيد الأمر من مجرد مشكلة فنية نوعية إلى أزمة عامة ملحّة تتطلب أشغالاً استثنائية لمواجهة التحديات.
ولعل الانتقادات الحادة لمسلسلات الموسم الرمضاني المنصرم 2025 على وجه الخصوص، بوصفها ذروة السطحية في المعالجة الدرامية وغاية الإسفاف في تقديم التعرّي والإدمان وتجارة المخدرات والأسلحة والسلوكيات الاجتماعية المنحرفة والشاذة، وراء هذه الانتفاضة الفجائية المبالغ فيها أيضاً بدعوى وضع سياسات وخطط استراتيجية وخريطة طريق لإصلاح مسيرة الدراما المصرية.
جدل وتناقضات
تثير هذه الهبّة الجماعية لإنقاذ الدراما، بإجراءاتها المتعددة المتشابكة ومؤتمراتها المتعاقبة ولجانها المتنوعة خلال الفترة الوجيزة الماضية، تساؤلات وجدليات كثيرة. ومن أبرزها تلك التوصيات والمناشدات التي أفرزتها هذه الجهود المؤسسية بضرورة هيمنة الدولة على شركات الإنتاج وقطاعاته، مع أنها في الأصل، أو غالبيتها، مملوكة بالفعل من الدولة وخاضعة لإدراتها وإشرافها.
ومن لوائح التعليمات المثيرة أيضاً ذات الصبغة السيادية التوجيهية، الدعوة إلى زيادة تفعيل الرقابة السياسية والدينية والاجتماعية وغيرها من أنماط الرقابة على الأعمال الدرامية وفق مواثيق وأكواد وبروتوكولات إعلامية وأخلاقية فضفاضة، مع التأكيد أيضاً، في الوقت نفسه، على توسعة نطاق الحرية الإبداعية إلى أقصى حد ممكن، في خلطة واحدة تبدو متناقضة في مكوّناتها وقوامها الأساسي.
المعايير المجتمعية
مضت جهود إيجاد حلول لأزمة الدراما في اتجاهات شتى، على أنها التقت في الانطلاق دائماً من المعايير المجتمعية أكثر من حفرها في التفاصيل الفنية والاختصاصية. فقد أوصت "أمانة الفنون" في "حزب الجبهة الوطنية،" برئاسة مدحت العدل، على سبيل المثال، في اجتماعاتها ومؤتمراتها بضرورة الالتزام التام في صناعة الدراما بالقيم الأخلاقية التي تحكم المجتمع المصري، ووضع استراتيجيات مدروسة للنهوض بالأعمال الفنية لكي تتمكن من خدمة المجتمع.
ولم تغفل أمانة الفنون الدعوة الغرائبية ذات الشقين المتعارضين، فمن جهة نادت بزيادة تفعيل دور الرقابة على المصنفات الفنية، ومن جهة معاكسة طالبت بزيادة مساحة الحرية في طرح الأفكار المختلفة. كما حرصت على مناشدة الدولة، ممثلة بقطاع الإنتاج، إنتاج الأعمال الدرامية التي ربما لا يتحمس لها القطاع الخاص، كالدراما التاريخية والوطنية.
وعلى صعيد آخر، وبتشكيلها الجديد في العام الجاري 2025، مضت "لجنة الدراما" التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في السياق ذاته إزاء "أزمة الدراما المصرية"، كما اتفق على تسميتها. ووجهت اللجنة أعمالها واجتماعاتها برئاسة ماجدة موريس صوب ضبط الأداء المهني الدرامي وفق ما يحافظ على قيم المجتمع وأخلاقياته، ومراقبة التزام المعايير والأعراف والأكواد الصادرة عن المجلس، وفحص المخالفات التي يجري رصدها واقتراح القرارات المناسبة للتصدي لها.
و لا تجد اللجنة، أيضا، تناقضاً بين تلك الضوابط والآليات الرقابية المراد فرضها على صناعة الدراما بهدف "تقديم نماذج إيجابية تعكس المجتمع المصري الحقيقي، والتصدي للظواهر السلبية بجدية"، وبين تعظيم حرية الإبداع، إذ إن هذه الحرية "لا تعني عدم وجود إطار تنظيمي واضح لصناعة الدراما"، وفق اللجنة.
أما مؤتمر مستقبل الدراما المصرية الذي أقيم في ماسبيرو تحت رعاية الهيئة الوطنية للإعلام برئاسة أحمد المسلماني، فإن لجنته التنظيمية أطلقت مجموعة توصيات، بينها ضرورة تصوير الدراما للشارع المصري بشكل واقعي يشمل كل أطياف المجتمع بعيداً من حصره فى العشوائيات أو الكومباوندات، والحرص على تجنب مشاهد التدخين والإدمان وما إلى ذلك فى الأعمال الدرامية.
ويشار إلى أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أصدر في وقت سابق لائحة لضوابط الإبداع على وجه العموم، والأعمال الدرامية بصفة خاصة. ومن بين بنودها: احترام الآداب العامة، وتوخّي الكود الأخلاقي، والارتقاء بالذوق العام، وحماية قيم المجتمع، وتجنب الفحش والبذاءة والسباب والعنف غير المبرر والحض على الكراهية ومشاهد التدخين والمخدرات.
تحديات مستقبلية
وخلال الأيام القليلة الماضية، تشكلت لجنة أخرى رفيعة المستوى بقرار من رئيس مجلس الوزراء لدراسة التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام، وبحث التحديات المستقبلية في هذا الشأن، بمشاركة ممثلي الهيئات الإعلامية، والجهات المعنية، وذوي الاختصاص.
وتستهدف اللجنة، التي عقدت اجتماعين موسّعين برئاسة وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، بحث التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام خلال العشرين عاماً الأخيرة، وإعداد خطة مرحلية متكاملة لتنفيذها خلال السنوات العشر المقبلة.
وتشتمل هذه الخطة على تفعيل دور الإعلام والدراما من أجل إعادة صوغ الشخصية المصرية، وإصلاح المزاج العام، وخلق وعي مجتمعي متوازن، وتوجيه رسائل تُساهم في ترسيخ الانتماء وتعزيز القيم الإيجابية وإبراز الهوية. كما تؤكد اللجنة أهمية حماية حرية التعبير والابداع ركيزة لأي نهضة فنية حقيقية، إذ إن دور اللجنة "ليس فرض الوصاية على الفن، بل لاستعادة بريقه وبهائه"، وفق وزير الثقافة المصري.
وفي النهاية، تبقى مثل هذه الجهود، وغيرها، معلقة في الفراغ، ومحسوبة على الإيعاز بفرض مزيد من القيود الصارمة على ممارسة الفن، والتوجيهات المُلزمة، ما لم تنفتح هذه الجهود بشكل أوسع على المشكلات الحقيقية لصناعة الدراما، وما لم تستوعب حضوراً أكبر للمختصين من الفنانين وأعضاء نقابة المهن التمثيلية واتحاد النقابات الفنية والعناصر الاحترافية والمعنيّة، للوصول إلى المعنى الحقيقي للتطوير أبجديات تنفيذه الممكنة.
0 تعليق