نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب في أبوظبي: شراكة تصنع الغد - تكنو بلس, اليوم الجمعة 16 مايو 2025 06:19 صباحاً
محمد فيصل الدوسري*
حين حلّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضيفاً على العاصمة الإماراتية أبوظبي الخميس، لم تكن الزيارة مجرد محطة بروتوكولية في جولة شرق أوسطية، بل لحظة مفصلية تكشف تحولات بارزة في شكل العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة، وفي طبيعة المنطقة ككل.
تستقبل دولة الإمارات ترامب وهي تعيش عصرها الذهبي، شريكاً ناضجاً يمتلك رؤية للمستقبل، ويتقاطع في مصالحه مع القوى الكبرى من موقع التفوق عنوان الانسجام والتكامل. ما يفسر اللقاءات التي سبقت الزيارة، بدءاً من الزيارة الأخيرة لسمو الشيخ طحنون بن زايد نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني إلى واشنطن، والزيارة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، ولقائه كلاً من ترامب ومنافسته كامالا هاريس، في ذروة السجالات الانتخابية الأميركية، وفي توقيت دقيق كانت فيه العواصم العالمية تترقب نتائج صناديق الاقتراع، اختارت أبوظبي حينها أن تسبق الجميع، مؤكدة أن علاقتها بواشنطن ليست رهينة الحزب الحاكم، بل هي علاقة مؤسسات وشراكات ممتدة تتجاوز السياسة اللحظية.
الإمارات ليست مجرد شريك تقليدي في الملفات الأمنية أو التجارية. إنها اليوم أحد أكبر المستثمرين في الاقتصاد الأميركي، وأسرع شركائه نمواً في مجالات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة، والبنية التحتية الرقمية. زيارة ترامب تتزامن مع إعلان التزامات استثمارية غير مسبوقة، تتجاوز 1.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل، في مؤشرات واضحة على أن أبوظبي تبني نفوذاً من نوع جديد، يرتكز على الاستثمار في المستقبل لا على استهلاك الماضي.
وفي سياق أوسع، تعكس زيارة ترامب المقبلة إلى أبوظبي ملامح مرحلة جديدة في العلاقات الإماراتية-الأميركية، تتركز حول التكنولوجيا المتقدمة، كمحاور رئيسية لشراكة الغد. فالمحادثات المرتقبة ستشمل شراكات بين مؤسسات إماراتية مثل MGX وG42 مع شركات أميركية عملاقة مثل Microsoft وNvidia وxAI، ما يكرّس أبوظبي مركزاً عالمياً لتقاطع التقنية والاقتصاد والسياسة.
واللافت في هذه الزيارة ليس ضخامة الصفقات فحسب، بل البُعد الاستراتيجي الذي تحمله. فالإمارات لا تبني فقط جسور استثمار، بل تصوغ نموذجاً جديداً في إدارة علاقاتها الدولية، قائماً على تنويع الشراكات من دون الانحياز الكامل لأي طرف في ظل تصاعد التنافس بين واشنطن وبكين. إنها مقاربة قائمة على القوة الذكية، والانفتاح على العالم، والاستثمار في التقدم، وتحييد التوترات، ما يجعلها لاعباً يصعب تجاوزه في معادلات المستقبل. فالإمارات ببساطة، لا تتعامل مع التكنولوجيا أداة اقتصادية فحسب، بل رافعة نفوذ سياسي وموقع جيوسياسي جديد في استعدادها لمراحل ما بعد النفط.
وفي ظل التحديات الدولية المعقدة، من أوكرانيا إلى غزة، ومن مضيق باب المندب إلى تايوان، تدرك واشنطن أن المقاربة الامارتية لا غنى عنها، ليس كشريك اقتصادي فحسب، بل كجسر سياسي قادر على التواصل مع أطراف الصراعات كافة بكل صدقية وموثوقية.
وصول ترامب الى أبوظبي يشكل لحظة فارقة، وسيكتشف عند وصوله أن ما تغير ليس موقع المنطقة في ميزان القوى فحسب، بل موقع الإمارات في هندسة الميزان الإقليمي والدولي. فالعاصمة التي كانت تُقرأ في السابق كطرف إقليمي باتت اليوم تُكتب كفاعل دولي. ومن هنا، فإن زيارة ترامب ليست حدثاً عابراً، بل صفحة جديدة تُكتب في كتاب المستقبل.
*كاتب إماراتي
0 تعليق