نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قراءة في كتاب “الخروج إلى الداخل”: تطوير للذات وتنمية اجتماعية للكاتب المخضرم عيسى المزمومي! - تكنو بلس, اليوم الخميس 15 مايو 2025 10:42 صباحاً
بقلم: محمد التهامي
في زمنٍ تتسارع فيه الخطى وتتناهشنا ضوضاء الماديات، يأتينا الكاتب والإعلامي السعودي عيسى المزمومي بصوت مختلف؛ همسٌ فكري عميق يتجاوز ضجيج الحياة ليقودنا إلى رحلة معكوسة نحو الداخل. “الخروج إلى الداخل”، الصادر عن دار صوت المؤلف عام 2025، ليس مجرد عنوان لكتاب، بل فلسفة حياة، ودعوة للتأمل والمواجهة الهادئة مع الذات.
كتاب أم مرآة وجودية؟!
يمتد الكتاب على 428 صفحة، ويتوزع على ثلاثة فصول رئيسية تتناول تطوير الذات، السلوك الإنساني، والبرمجة اللغوية العصبية (NLP). غير أن جوهر الكتاب لا يكمن فقط في بنائه الموضوعي، بل في روحه الفكرية التي تمزج بين التأمل الفلسفي والتحليل النفسي، وتنتقل بسلاسة بين عمق الذات ومرايا المجتمع. لا يُقدِّم المزمومي وصفاتٍ جاهزة، ولا يقع في فخ الحلول السطحية، بل يطرح أسئلة وجودية تشبه المطارق الصغيرة التي تطرق على جدران وعينا المغلقة: من نحن؟ ولماذا نفعل ما نفعل؟ كيف نتحرر من التلقائية والبرمجة الموروثة؟ إنها دعوة للتفكير لا للتلقين، وللتغيير لا للتزيين.
الخروج الحقيقي يبدأ من الداخل!
بعنوان يحمل مفارقة فلسفية، يذكّرنا المزمومي بأن الهروب من الذات إلى العالم الخارجي لن يمنحنا الخلاص، وأن المواجهة الحقيقية تبدأ من الداخل. هنا يبرز الكتاب كمرشد صامت لثورة هادئة، ثورة ضد القيود النفسية والاجتماعية التي تكبلنا، وضد الضغوط الثقافية التي تفرض علينا أنماطًا جامدة من النجاح والسعادة. في هذا السياق، يتناول الكاتب مفهوم “الوعي الذاتي” بوصفه حجر الزاوية لأي تغيير مستدام، ويؤكد أن التنمية الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق ما لم تترافق مع تنمية حقيقية للفرد. هذه الثنائية – الفرد والمجتمع – تتكرر في الكتاب كأنها رقصة جدلية لا تنفصم.
اللغة: تزاوج بين الشعر والفكر!
من أبرز سمات الكتاب أسلوبه الأدبي الرفيع، حيث تمزج اللغة بين النثر الفلسفي والتأمل الوجداني. لا يسرد المزمومي الأفكار بل يرسمها بالكلمات، ويُضفي على النص مسحة شعرية تُحوِّل القراءة إلى تجربة روحية. يظهر هذا التميز في تناوله لنماذج إنسانية ملهمة، حيث يعرض قصص أكثر من 86 شخصية سعودية بارزة – من ريانة برناوي إلى الدكتور صالح الشادي – بوصفهم شواهد حية على قدرة الإنسان على التجاوز والتجدد. هذه النماذج لا تُقدَّم كرموز للكمال، بل كبشر خاضوا رحلاتهم الخاصة في مواجهة التحديات وتحقيق الذات.
تأملات في الفكر والسلوك!
يُخصص الكتاب فصلاً كاملاً للغوص في طرق التفكير الواعي وفهم السلوك البشري، في محاولة لرصد الجذور النفسية التي تحدد قراراتنا، وتوجِّه علاقاتنا بأنفسنا وبالآخرين. كما يعرض أدوات وتقنيات من علم البرمجة اللغوية العصبية (NLP) تُساعد القارئ على إعادة صياغة واقعه الذهني والعاطفي، وفتح آفاق جديدة للوعي. لكن جمال الكتاب يكمن في كونه لا يسقط في النفعية السريعة، بل يصر على عمق التجربة: فالمعرفة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتغيير جذري يبدأ من الداخل ويُثمر في الخارج.
كتاب يُقرأ بالعقل… ويُشعر بالقلب!
في عالمٍ يُشجّع على الهروب من الذات نحو الإنجاز الظاهري، يأتي “الخروج إلى الداخل” كوقفة تأملية جادة. هو ليس فقط دليلًا معرفيًا أو مرجعًا في التنمية، بل تجربة نفسية وفكرية تحفّز القارئ على مساءلة ذاته، والانطلاق في رحلة اكتشاف حقيقية. كتابٌ يُقرأ بالعقل، ويُشعر بالقلب.
في الختام: من التأمل إلى التحول!
لا مبالغة في القول إن كتاب “الخروج إلى الداخل” هو إضافة نوعية للمكتبة العربية المعاصرة، إذ يُعيد الاعتبار للفكر المتزن وسط طوفان من التنظير السطحي. إنه كتاب يهمس للقارئ: “اعرف نفسك، تصلح عالمك”. ومن يجرؤ على الغوص في أعماقه، سيخرج منها بوعيٍ جديد، وذهنٍ أكثر اتساقًا مع ذاته ومع مجتمعه.
0 تعليق