في تحوّل كبير في ديناميكيات القوة، توصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمسؤولون الصينيون إلى تهدئة كبيرة في حربهم التجارية المستمرة، حيث اتفقت الدولتان على خفض الرسوم الجمركية مؤقتًا.

بعد يومين من المناقشات الحاسمة في سويسرا، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستخفض الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية من 145% إلى 30% لمدة 90 يومًا.

ردًا على ذلك، خفضت الصين رسومها الجمركية على السلع الأمريكية إلى 10%. يُمثل هذا الاتفاق انتصارًا للرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي صمد طوال النزاعات التجارية وخرج من هذه الأزمة وقد لبى جميع مطالبه الرئيسية تقريبًا.

فوز للصين: تخفيف للضغوط الاقتصادية وسط تزايد الضغوط

يُعتبر خفض الرسوم الجمركية فوزًا حاسمًا للصين، إذ يُوفر تخفيفًا اقتصاديًا في وقت تواجه فيه مصانعها ضغوطًا متزايدة بسبب الحرب التجارية. من المتوقع أن يُعزز هذا الاتفاق الاقتصاد الصيني، مما قد يُساعدها على تحقيق هدف نمو بنسبة 5% لهذا العام.

عززت هذه الأخبار الأسواق، مما دفع الأسهم الصينية إلى الارتفاع، وقدمت دفعةً اقتصاديةً ضروريةً للغاية لكلٍ من الاقتصادين الأمريكي والصيني.

بالنسبة لترامب، يُقدم إلغاء الرسوم الجمركية استراحةً من حالة عدم اليقين الاقتصادي التي خيمت على رئاسته، لا سيما مع توقع تسارع التضخم في الولايات المتحدة. وبينما يُنظر إلى الاتفاق على أنه انفراجة مؤقتة، فإنه يوفر مساحةً لمزيد من المفاوضات، حيث يسعى الجانبان إلى حل اختلالات التجارة دون تصعيد التوترات أكثر.

قوة موقف شي: من التحدي إلى النجاح الدبلوماسي

يبدو أن قرار شي جين بينغ بالوقوف بحزم في وجه ترامب، حتى في مواجهة الرسوم الجمركية المتصاعدة، كان ناجحًا استراتيجيًا. طوال فترة النزاع، امتنع شي عن التعامل المباشر مع ترامب، على عكس قادة العالم الآخرين الذين امتثلوا بسرعة لمطالب الولايات المتحدة.

بدلاً من ذلك، ركزت حكومة شي على دعم اقتصادها من خلال خفض أسعار الفائدة والبحث عن أسواق جديدة للصادرات الصينية. مع بدء تراجع نشاط المصانع في الصين، عززت استراتيجية الاعتماد على الذات هذه، إلى جانب التصاعد القومي في الداخل، عزيمة شي.

أثمر رفض الرئيس الصيني الرضوخ للضغوط الأمريكية بشأن زيادة الرسوم الجمركية، ويؤكد الاتفاق الأخير أن القوة الاقتصادية والقدرة على التعامل مع التوترات العالمية هما أساس نفوذ الصين المتنامي.

يمنح هذا التطور شي موقفًا قويًا في ظل استمرار الصين في تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، لا سيما في مجالات مثل الزراعة، حيث اتجهت نحو أسواق ناشئة مثل البرازيل.

اقرأ أيضًا: بعد وقف إطلاق النار.. هل انتهت فرص الحرب بين الهند وباكستان؟

المنظور الأمريكي: تحول في الاستراتيجية وسط الضغوط الداخلية

يرى ترامب أن تخفيض الرسوم الجمركية يشير إلى تحول استراتيجي نحو نهج أكثر تصالحية بعد أشهر من تصاعد التوترات التجارية. وقد لبى الاتفاق العديد من المطالب الصينية الرئيسية، بما في ذلك تعليق الرسوم الجمركية “المتبادلة” وتعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت مسؤولًا عن المحادثات المستقبلية.

بالإضافة إلى ذلك، اتفقت الدولتان على اتخاذ إجراءات بشأن قضايا الفنتانيل، وهو مصدر قلق رئيسي لبكين.

تأمل الولايات المتحدة أيضًا في تعزيز نفوذها في قطاع التكنولوجيا، مع وعدها بزيادة الاستثمارات في الصناعات الأمريكية، وخاصةً في مجالي الذكاء الاصطناعي والطاقة.

مع ذلك، حرص المسؤولون الأمريكيون على توضيح أن “المرحلة الأولى” من اتفاق ولاية ترامب الأولى، الذي ألزم الصين بشراء سلع أمريكية بقيمة 200 مليار دولار، لم يكن جزءًا من جولة المناقشات الحالية.

التحديات المقبلة: حل طويل الأمد لا يزال بعيد المنال

على الرغم من الزخم الإيجابي الذي أحدثه هذا الاتفاق المؤقت، يحذر الخبراء من أن التوصل إلى حل طويل الأمد لا يزال يمثل تحديًا.

لا يزال الجانبان على خلاف حول قضايا رئيسية، مثل حقوق الملكية الفكرية والدعم الحكومي للصناعات الصينية. علاوة على ذلك، فإن نهج ترامب غير المتوقع في مفاوضات التجارة، وخاصةً سجله السابق في مجال التعريفات الجمركية، يعني أن المناقشات المستقبلية قد تتأرجح بين التعاون والمواجهة.

مع استفادة الصين من الإعفاء المؤقت، إلا أنها حذرة بشأن أي زيادات أخرى في التعريفات الجمركية، وقد تعلمت من تجاربها السابقة أن مفاوضات التجارة مع الولايات المتحدة قد تكون غير متوقعة. مع دخول البلدين الآن فترة ثلاثة أشهر لإتمام مناقشات أوسع، سيتمثل التحدي في موازنة الاختلالات التجارية مع الحفاظ على الأولويات الاقتصادية المحلية.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط