خالد محمد الصديق.. صاحب أول فيلم سينمائي كويتي وخليجي - تكنو بلس

مديا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خالد محمد الصديق.. صاحب أول فيلم سينمائي كويتي وخليجي - تكنو بلس, اليوم الأحد 11 مايو 2025 10:07 مساءً

لسنوات طويلة ظلت دول الخليج العربية بعيدة عن خوض مجال إنتاج وإخراج أفلام روائية طويلة، لأسباب وعوامل عديدة، لا مجال لتفصيلها. فحتى مطلع السبعينات الميلادية لم يكن هناك سوى القليل جداً من الأفلام السينمائية المصنوعة بأيدٍ خليجية، بل حتى هذا القليل، المقتصر على أفلام وثائقية أو توعوية، لم يجد طريقه إلى العرض على الجمهور الأوسع، وتم الاكتفاء بعرضه على نطاق ضيق من خلال نوادي السينما أو الأندية الرياضية أو الجمعيات الاجتماعية والثقافية. غير أنه منذ العقد الأول من الألفية الجديدة شهدت المنطقة حراكاً سينمائياً متسارعاً شمل البحرين وقطر ودولة الإمارات وسلطنة عمان، وأخيراً المملكة العربية السعودية منذ عام 2017.

هذا يجرنا إلى سؤال حول أول من جازف وغامر لجهة اقتحام ميدان الإخراج السينمائي في الخليج، فسطّر اسمه بأحرف من نور كعرّاب للسينما الخليجية، وكصانع لأول فيلم روائي خليجي طويل من حيث التأليف والإنتاج والإخراج والتمثيل والتصوير. الريادة والأسبقية، مسجلة، بطبيعة الحال، باسم المنتج والمخرج والسيناريست الكويتي «خالد الصديق»، صاحب التجربة الفريدة والطويلة في مجال السينما. هذا المجال الذي لم يكن محل اهتمام جِدّي من لدن مواطنيه ومجايليه، قبل أن يسطع نجمه في عام 1972.

فحتى ذلك التاريخ كان الصديق معروفاً فقط داخل الكويت، وكان اسمه يتردد كمجرد كادر من الكوادر الفنية العاملة بجهاز التلفزيون الكويتي، لكن سرعان ما بلغت شهرته الآفاق، بعد أن قدم في تلك السنة تحفته الفنية الخالدة الأولى، مجسدة في فيلم «بس يا بحر»، من إنتاجه وإخراجه، وتأليف الكاتب الإماراتي الراحل عبدالرحمن الصالح (توفي في مارس 2025)، وبطولة سعد الفرج ومحمد المنصور وحياة الفهد وأمل باقر. ويمكن القول إن ما جذب اهتمام الداخل والخارج لهذا العمل هو طبيعته كفيلم ملحمي يسرد تاريخ أهل الخليج في ممارسة الغوص واستخراج اللؤلؤ في حقبة ما قبل اكتشاف النفط، ويصور قسوة حياتهم وصعوبة أحوالهم المعيشية وظروفهم الاجتماعية الخانقة وطموحاتهم البسيطة آنذاك (خلافاً لصورتهم النمطية المتداولة في الخارج)، ثم الجهد الكبير المبذول في إخراجه.

في عام 1973، إبان دراستي الجامعية في بيروت، أتيحت لي فرصة الالتقاء شخصياً، لمرة يتيمة، بخالد الصديق، بل وتناول طعام الغداء (محمّر صافي) معه على الأرض داخل شقتنا الطلابية بدعوة من أحد زملائنا القطريين، فوجدته شخصية متواضعة في سلوكها، متحمسة لمهنتها، فخورة بنجاحاتها، مليئة بالحيوية والنشاط، مفعمة بالآمال والطموحات، ذكية ولماحة في حديثها. وللأسف لم يتكرر اللقاء مرة أخرى لأن بيروت اغتيلت بعد ذلك، والصدّيق توقف عن المرور بها في رحلاته من وإلى أوروبا.

وُلد «خالد محمد صدّيق البستكي» في عام 1945 بمنطقة شرق من العاصمة الكويت، ابناً لوالده الذي كان كثير التردد على الهند من أجل تجارته كحال معظم أقرانه من تجار الكويت في الماضي. ولهذا، فبمجرد أن أنهى صاحبنا دراسته الابتدائية بالمدرسة الشرقية للبنين، أخذه والده معه إلى بومباي، عاصمة بوليوود ومعقل المهووسين بأفلام المغامرات والفانتازيا والحب والدموع والغناء والرقص، حيث ازداد الفتى المشاغب خالد الصديق شغفاً وتعمقاً بالفن السابع. وفي بومباي، التي أمضى بها عشر سنوات من عمره، ألحقه والده بواحدة من أفضل المدارس الثانوية في الهند، وهي مدرسة «سانت بيتر»، لتكملة تعليمه النظامي، فتعلم الإنجليزية والفرنسية ولغات أجنبية أخرى، وتفتحت مداركه على عوالم أوسع من عالمه الكويتي. وهناك أتيحت له أيضاً فرصة ارتياد معاهد السينما الهندية، فالتحق بأحدها، وتخصص في فنون الإخراج والتصوير الفوتوغرافي السينمائي، الأمر الذي مهّد له الطريق لاحقاً لدخول دورات خاصة في هذه الفنون في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، إلى أن نال في عام 1975 درجة الزمالة من جامعة سانت ماري بمدينة سان أنطونيو في ولاية تكساس الأمريكية، تقديراً لإسهاماته المشهودة في مجال السينما.

تقول سيرته الذاتية المنشورة، إنه بعد تجربته الهندية عاد إلى الكويت في أوائل ستينات القرن العشرين، فلم يجد أمامه مجالاً للعمل سوى الالتحاق بتلفزيون الكويت كمخرج سينمائي في قسم الهندسة. ولحسن حظه، أُسندت رئاسة قسم السينما بتلفزيون الكويت آنذاك إلى عبدالوهاب سلطان الذي كان مثله شغوفاً بفنون السينما. فاختاره الأخير لمرافقته في عام 1964 إلى مهرجان مونت كارلو لتمثيل الكويت. في تلك الرحلة توثقت علاقته بمديره وقرّرا أن يتعاونا، بعد عودتهما إلى الكويت، في تأسيس نواة لسينما كويتية من خلال تقديم مجموعة من الأفلام السينمائية الوثائقية كمرحلة أولى.

وبالفعل شهدت الكويت في الفترة من 1964 إلى 1969 ظهور الأفلام التالية من إنتاج وإخراج وتنفيذ الصديق: «المطرود» (فيلم درامي قصير من تأليف عبدالأمير التركي وبطولة عبدالحسين عبدالرضا، تم تصوير جزء منه سينمائيا والآخر عن طريق الفيديو ثم جُمع بينهما على الهواء)، «الصقر» (فيلم تسجيلي عن الصيد بالصقور، نال جوائز تشجيعية، ومثّل الكويت عام 1966 في مهرجان الأفلام التشيكية، وحصل على ميداليات ذهبية وبرونزية في عام 1969 من مهرجان قرطاج السينمائي في تونس)، «الحفرة» (فيلم درامي قصير مقتبس من أفلام هيتشكوك)، «الرحلة الأخيرة» (فيلم تسجيلي قصير)، «الأمن الداخلي» (فيلم تسجيلي قصير)، «وجوه الليل» (فيلم درامي قصير، حاز جائزة مهرجان طشقند الدولي)، و«مسرح الأمل» (فيلم وثائقي قصير عن الصم والبكم).

يتذكر الصديق بداياته فيتحدث في حواراته التلفزيونية والصحفية عن الصعوبات التي واجهته في بيئة لم تكن فيها تجارب سينمائية سابقة، ولم تكن بها الإمكانات والتقنيات الضرورية لصناعة فيلم سينمائي، ما اضطُره للعمل فترة من الزمن في إخراج نشرات الأخبار التلفزيونية، وبرامج التلفزيون الأسبوعية، والأغاني الكويتية المصورة، قبل أن يصور ويخرج في عام 1964 أول دراما تلفزيونية مدتها 20 دقيقة بعنوان «صور شعرية» عن قصة «عليا وعصام»، وهي دراما استغرق تصويرها نصف يوم، وتم تحميضها بمعمل تحميض الأفلام في وزارة التربية والتعليم لافتقار التلفزيون آنذاك لمعامل تحميض خاصة به، بحسب الصدّيق. كما أخرج في هذه الفترة مسلسلاً بعنوان «محكمة الفريج»، وتمثيلية «آخر زمن» التي أثارت ضجة لاعتمادها على فكرة تبادل المرأة والرجل أدوارهما في الحياة، علاوة على تصوير وإخراج أول فيديو كليب كويتي وكان لأغنية «مرحبا عيد بلادي مرحبا» التي غنتها فيروز على مسرح الأندلس عام 1966 بمناسبة عيد استقلال الكويت. وأضاف الصديق ما مفاده أن المخرج المصري يوسف شاهين جاء في عام 1968 إلى الكويت مرافقاً لعبدالحليم حافظ، فأُعجب بفيلمه «الصقر»، ورشحه دون غيره لإخراج الأغاني التي سجلها العندليب لصالح تلفزيون الكويت مثل «يا هلي» و«ضي القناديل»، و«عيني ضناها السهر».

أما عن أيقونته الخالدة، فيلم «بس يا بحر»، فقد كان حلماً يداعب خياله لفترة طويلة، خصوصاً أنه لمس من خلال حواراته مع أرباب السينما العرب والأجانب جهلهم بماضي الخليج وما كان أهله يكابدونه من فقر وعوز ومعاناة قبل اكتشاف النفط، فجاء الفيلم ليصحح مفاهيم خاطئة شائعة، وليعكس أفراح الناس وأحزانهم، ونضالهم وعرقهم من أجل البقاء ولقمة العيش، وليقول للمشاهد «لم يُخلق الإنسان ليُهزم»، وهي العبارة التي تصدرت الفيلم.

«بس يا بحر»

يخبرنا الصديق الكثير عن ظروف وخلفيات «بس يا بحر» فيقول إنه اضطُر إلى إشراك دول مجاورة في إنتاج الفيلم كي يجنب نفسه الخسارة، وإن قصة الفيلم كتبها عبدالرحمن الصالح خصيصاً للإذاعة تحت عنوان «الدانة»، وإن تنفيذها سينمائياً تطلب جهوداً ضخمة وأوقاتاً طويلة، خصوصا لجهة التصوير لأول مرة تحت الماء، ناهيك عن ارتباط معظم نجوم العمل بوظائف حكومية وخاصة، فكان التصوير يتوقف لمدد إلى حين تفرغهم من أعمالهم، وإن تصوير العمل بدأ في 7 يوليو 1969 وانتهى في 19 سبتمبر 1970 بتكلفة إجمالية بلغت 125 ألف دينار كويتي، وإنه عُرض داخل الكويت لأول مرة في 27 مارس 1971 تحت رعاية الشيخ صباح الأحمد الجابر (وزير الخارجية آنذاك)، وبحضور رئيس وأعضاء مجلس الأمة ورجالات الدولة وحشد من الشخصيات والمهتمين بالثقافة والفن، ورُشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ45، فكان أول فيلم كويتي يترشح لهذه الجائزة. أما عربياً، فقد عُرض لأول مرة في عام 1972 خلال مهرجان السينما العربية الأول المنعقد في تلك السنة بدمشق تحت شعار «السينما البديلة»، فكان بحق مفاجأة للجميع، لاسيما أنه جاء من الكويت، البلد الذي لم يعرف إنتاج الأفلام.

والمعروف أن «بس يا بحر» حصد تسع جوائز من مهرجات سينمائية عالمية وعربية في دمشق والبندقية وسوسة وتكساس. وبسبب نجاح هذا العمل نجاحاً منقطع النظير، تشجع الصديق فقدم عمله السينمائي الروائي الثاني ممثلاً في فيلم «عرس الزين» عن رواية الأديب السوداني الطيب صالح، وهي رواية قرأها الصديق في 1973 وأُعجب بها، فقرر تحويلها إلى فيلم يتم تصويره في السودان من إنتاجه وإخراجه، بعد أن كتب السيناريو بنفسه. تمّ عرض «عرس الزين» لأول مرة بسينما السالمية سنة 1977، بحضور ولي العهد الشيخ سعد العبدالله السالم وكبار المسؤولين. وحينما تمّ عرضه للجماهير في العام التالي حظي باهتمام محلي وعربي وعالمي واسع، وامتدحه نجوم ونقاد عالميون، ونال العديد من الجوائز في مهرجات دمشق وطهران والبندقية وأوهايو وشيكاغو وقرطاج وإسبانيا وكان وبالي وسان أنطونيو وباريس، ومثّل الكويت في عام 1979 في مهرجان جوائز الأوسكار الذي تقدمه الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما.

حياة حافلة بالإبداع والابتكار والجرأة

العمل السينمائي الكبير التالي للصديق كان فيلم «شاهين» عن رواية للأديب الإيطالي بو كاشيو، وهو فيلم من إنتاج كويتي ــ هندي ــ إيطالي مشترك، وناطق باللغات الثلاث، وشارك في بطولته الممثلة الهندية كيران جونيجان والممثل الإيطالي كارلو كارتير والفنان الكويتي إبراهيم الحربي والفنان المصري مجدي وهبة، وصُورت مشاهده في الهند عام 1984، وأخرجه وأنتجه وشارك في تمويله الصديق. لكن ما حدث هو أن الصديق كان يعمل في عام 1990 على مونتاج الفيلم، فتوقف عن العمل وقرر ألا يعرض الفيلم أبداً، بعد أن اكتشف قيام القوات العراقية الغازية بتخريب بعض اللقطات والمشاهد.

في فجر يوم 14 أكتوبر 2021، انتقل الصديق إلى جوار ربه عن عمر ناهز 76 عاماً، كانت حافلة بالإبداع والابتكار والجرأة والمخاطرة المادية والفنية من أجل وضع اسم الكويت والخليج على خريطة السينما العالمية، وهو ما استحق عليه التكريم من وطنه بمنحه جائزة الدولة التقديرية سنة 2010. وبمجرد انتشار خبر رحيله نعاه رفاق رحلته الفنية والعديد من معارفه حول العالم، يتقدمهم المسؤولون في وزارة الإعلام الكويتية والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومحررو الصفحات الفنية والنقاد ورموز الفن السابع في الخليج.

ونختتم بما قالته الباحثة الفنية علياء يونس من أن الصديق «كان حريصاً على الاستقلال المالي والرغبة في حماية أعماله من الرقابة والتوزيع غير القانوني. كان ذلك من الأمور الجوهرية في شخصيته. كما أن الأمور المادية قيدت قدراته الإنتاجية، وكان يشعر أنه غالباً ما يتم استبعاد المخرجين من المعادلة عندما يتعلق الأمر بأرباح التوزيع. لا تزال أفلام الصديق موجودة كجزء من ممتلكاته، ولم يتم عرض فيلم (بس يا بحر) للجمهور منذ وفاته عام 2021»، مضيفة أن أرملته تستحوذ على أعماله، وبالتالي تظل حقوق التوزيع والعرض وإعادة الترميم أمراً معلقاً.

أخبار ذات صلة

 

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : خالد محمد الصديق.. صاحب أول فيلم سينمائي كويتي وخليجي - تكنو بلس, اليوم الأحد 11 مايو 2025 10:07 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق