البلديات بين الانسحاب الحزبي وتجديد الحياة المحلية: هل نغتنم الفرصة؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
البلديات بين الانسحاب الحزبي وتجديد الحياة المحلية: هل نغتنم الفرصة؟ - تكنو بلس, اليوم السبت 26 أبريل 2025 01:59 مساءً

هادي كساب إسماعيل 

في ظل التحوّلات العميقة التي يشهدها لبنان على المستويين السياسي والأمني، لا سيّما في أعقاب الحرب الأخيرة، تتّجه الأنظار إلى الاستحقاق البلدي المقبل، الذي يُعدّ أوّل اختبار حقيقي لعلاقة المواطن بالدولة، ويكشف عن مدى جهوزية القوى السياسية للتكيّف مع المعطيات المتبدّلة.

المفارقة البارزة في هذا الاستحقاق تكمن في القرار العلني وغير المسبوق للثنائي الشيعي بعدم الترشّح المباشر للانتخابات، وترك الخيار للعائلات لتقرير مصيرها البلدي، مع الاكتفاء بحضور رمزي داخل المجالس المنتخبة. وقد ظهرت بوادر القبول بهذا التوجه في بلدة بريتال، حيث يقود اللائحة التوافقية رئيس البلدية السابق عباس زكي إسماعيل، الذي شغل المنصب بين عامي 1998 و2018. وتمّ الاتفاق على تشكيل لائحة بلدية تضمّ أعضاء من مختلف العائلات، مع ضمان استقلالية العمل البلدي وتركيزه على التنمية والخدمات بعيدًا عن التجاذبات السياسية. يُقدَّم هذا القرار كخطوة أخلاقية وسياسية تهدف إلى إفساح المجال أمام نمط جديد من التنافس، يقوم على التفاهمات المحلية والتعبير الصادق عن تطلعات الناس، بدلًا من منطق الاستقطاب والصراع التقليدي.

هذا التحوّل لا يمكن قراءته خارج سياق الانهيار الشامل الذي يرزح تحته اللبنانيون، من انهيار اقتصادي واجتماعي إلى تآكل الثقة بمؤسسات الدولة. وقد جاء خطاب رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون في عيد الفصح، مركّزًا على أولوية مكافحة الفساد كمدخل لبناء الدولة، ليمنح هذا الاستحقاق بُعدًا سياسيًا إضافيًا، إذ تبدو الانتخابات البلدية وكأنها مختبر يُحدّد إن كان ثمة توجّه فعلي نحو التغيير، أم أن النظام القديم يعود إلى الواجهة لكن بأدوات مغايرة.

الواقع المعيشي الخانق لا يسمح بأيّ فصل بين السياسي والإنمائي. فالفقر المتفشي، والبطالة المتزايدة، وانهيار الخدمات الأساسية، كلها عوامل تجعل من البلديات خط الدفاع الأول أمام المواطنين. ورغم محدودية إمكاناتها في مواجهة الأزمة الاقتصادية الوطنية، تبقى البلديات قادرة إذا ما تحرّرت من الفساد على إحداث فرق حقيقي في التنمية المحلية، والبنى التحتية، والخدمات الأساسية.

وفي هذا الإطار، قد لا تكون البلديات اليوم بحاجة إلى طاقات علمية عالية أو شهادات أكاديمية رنّانة، بقدر ما تحتاج إلى أشخاص يتحلّون بالكفاءة في الأداء، ويتمتّعون بخبرة عملية وواقعية، وقادرين على إعادة الروح إلى المؤسسات المحلية التي طالما كانت مهجورة إنمائيًا، وأكلها الفساد وسوء الإدارة. فالمطلوب في هذه المرحلة ليس نظريات مثالية، بل قدرة على التنفيذ، ورؤية واضحة لاستنهاض القرى والبلدات، واستعادة ثقة الناس بقدرة الدولة على الحضور في تفاصيل حياتهم اليومية.

أمنيًا، لا يمكن تجاهل التحديات المتعاظمة، خصوصًا في ما يتعلق بتنامي أعداد النازحين، في ظل غياب رؤية واضحة لإدارة الملف. وهو ما يجعل التنسيق بين السلطات المحلية والأجهزة الأمنية أكثر من ضرورة، لضمان حدّ أدنى من الاستقرار في القرى والبلدات.

أما على مستوى الدعم الدولي، فالمعادلة تغيّرت. المانحون باتوا يشترطون الشفافية والإصلاح لضخّ أي تمويل، في ظل تراجع الثقة بقدرة المؤسسات اللبنانية على إدارة المساعدات. وبالتالي، تُصبح المجالس البلدية مدعوّة إلى مقاربة جادة ومسؤولة لهذا الملف، ترتكز على المهنية لا المحسوبيات، وعلى المشاريع التنموية المستدامة لا الشعبوية والزبائنية.

في خضمّ هذا المشهد المعقّد، تلوح في الأفق فرصة حقيقية تتمثّل بصعود المستقلّين والكفاءات الشابة إلى المجالس البلدية. فإعادة الحياة إلى العمل البلدي لا يمكن أن تتمّ من دون تحريره من قيود المحاصصة، وإفساح المجال أمام أصحاب المبادرات والهموم الفعلية ليتولّوا دفة القرار المحلي.

البلديات المقبلة ستكون مرآة لخيارات الناس، ولتوجّه القوى السياسية. فإمّا أن يُشكّل الانسحاب الحزبي مدخلًا لتجديد الحياة المحلية، أو يتبيّن أنه مجرد إعادة تموضع مرحلي بانتظار استحقاقات قادمة. الكرة اليوم في ملعب الناس، والشباب، والعائلات. فهل نكون فعلًا على مستوى هذا التحدّي المفصلي؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق